مقدمة الترجمة

منذ نجاح الرئيس الصيني الحالي “شي جين بينغ” في تعديل قواعد النظام الصيني وبدء فترة رئاسية ثالثة، يسود الحديث عن تغيُّرات في سياسات الدولة الصينية واتجاهها نحو درجة أكبر من “السلطوية”، وخاصة بعد تشديد سياسات الإغلاق بذريعة موجات جائحة كوفيد حتى نهايات العام الماضي. بيد أن التحوُّلات الاقتصادية الجارية بموجب سيطرة “شي” على الحزب الشيوعي لا تقِل أهمية، ورغم أن تداخل سلطة الحزب الشيوعي في شتى قطاعات الاقتصاد الصيني وشركاته الكُبرى يحدث منذ وقت طويل، فقد جدَّ جديد في الفترة الأخيرة يُظهِر تنامي اختراق الحزب الحاكم، التنظيم السياسي الأكبر في العالم، للقطاع الخاص في بلاده، ثاني أكبر اقتصاد في العالم. في هذا المقال، يناقش “جيروم دويون”، الأستاذ بمركز العلاقات الدولية التابع لجامعة “سيانس بو” في باريس، تفاصيل اختراق الحزب الشيوعي للشركات الصينية مؤخرا.

نص الترجمة

بدأ الاختراق المتزايد من طرف الحزب الشيوعي الصيني الحاكم للقطاع الخاص في إثارة قلق واسع وفقا لما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية. فقد نُظِر إلى قرار تأسيس وحدات للحزب داخل الشركات الخاصة بوصفه ذراعا للتأثير داخل تلك الشركات، ووسيلة مالية وتنظيمية تتيح للحكومة أن توجِّه دفة الشركات كي تلتزم بالنهج الذي يريده الحزب الحاكم. وبينما تظهر بجلاء سياسة المركزية المتنامية للحزب الشيوعي في إدارة الشركات المملوكة للدولة، يبدو أن دوره في الشركات الخاصة ليس بالوضوح نفسه.

إن اختراق الحزب الشيوعي للقطاع الخاص سرعان ما اكتسب زخما جديدا في مطلع الألفية إبَّان دعوة الرئيس السابق “جيانغ زَمين” للحزب الحاكم بأن يُمثِّل “القوة الإنتاجية المتطورة”. (غيتي إيميجز)

إن وجود وحدات تابعة للحزب الحاكم في الشركات الخاصة ليس ظاهرة جديدة، فمنذ الثمانينيات أكَّد الحزب رغبته في ترسيخ حضوره داخل اقتصاد القطاع الخاص النامي آنذاك، لا سيَّما المشاريع المشتركة مع أطراف أجنبية. ففي عام 1992، شمل ميثاق الحزب الشيوعي “الشركات” في قائمة المؤسسات التي يجب تأسيس وحدات حزبية فيها إن استضافت بين جنباتها ثلاثة أعضاء بالحزب أو أكثر. كما فرض قانون الشركات لعام 1993 على جميع الشركات التي لها مقرات في الصين أن تسمح بتأسيس وحدات تتابع أنشطة الحزب الحاكم.

إن اختراق الحزب الشيوعي للقطاع الخاص سرعان ما اكتسب زخما جديدا في مطلع الألفية إبَّان دعوة الرئيس السابق “جيانغ زَمين” للحزب الحاكم بأن يُمثِّل “القوة الإنتاجية المتطورة”، وأن يُرحِّب برُوَّاد أعمال القطاع الخاص الصاعدين في البلاد. ولا يزال يُنظر إلى القطاع الخاص في الصين بوصفه جبهة لتوسيع عضوية الحزب، وقد تحوَّل ذلك إلى أولوية على يد الرئيس الحالي “شي جين بينغ”. ففي عام 2012 دعت لجنة التنظيم الحزبية إلى تغطية القطاع الخاص “بشكل شامل”، وشملت هذه الموجة من الجهود الحزبية إرسال “مستشارين في توسيع عضوية الحزب” إلى الشركات الخاصة التي لا يوجد بها وحدة حزبية، وتأسيس هيئات للإشراف على تلك الجهود.

وفقا لاتحاد الصناعة والتجارة لعموم الصين (ACFIC) ارتفعت نسبة الشركات الخاصة التي تحوي وحدة للحزب الشيوعي من 27% في عام 2002 إلى 48% في عام 2018، وهي نسبة تتركَّز في شمالي البلاد وفي القطاع الصناعي خاصة. إن معظم الشركات التي لا تزال بلا وحدة حزبية لم تفي حتى اللحظة بشرط استضافة ثلاثة أعضاء فأكثر من الحزب الحاكم. ولكن وفقا لإحصائيات الحزب نفسه، أسَّست 73% من الشركات الخاصة وحدات حزبية بالفعل بحلول عام 2017. ويُمكن تفسير هذا التباين في الإحصائيات الرسمية بين اتحاد الصناعة والتجارة من جهة والحزب من جهة أخرى بوجود أكثر من طريقة لتمثيل وجود الحزب، حيث توجد وحدات مشتركة تغطي أكثر من شركة كي تُشرِف على الشركات التي لا تملك وحدتها الحزبية الخاصة. بالنظر إلى الشركات الأكبر حجما، نجد أن أكثر من 92% من أكبر 500 شركة خاصة في الصين تستضيف وحدة حزبية بالفعل. ومنذ عام 2018، بات لزاما على أي شركة محلية أن تؤسس وحدة حزبية.

الوحدات الحزبية تفرد أجنحتها تحت قيادة “شي”

دعا الرئيس “شي” القطاع الخاص إلى التوحُّد والالتفاف حول الحزب الشيوعي. (غيتي)

ارتبطت الوحدات الحزبية تاريخيا بتجنيد أعضاء للحزب من بين موظفي الشركات وإدارة شؤونهم. وعلى عكس الشركات المملوكة للدولة، منح ميثاق الحزب لتلك الوحدات دورا محدودا داخل شركات القطاع الخاص، حيث أوكِلت إليها مهمة التأكُّد من أن الشركات ملتزمة بالقوانين وتُعزِّز تطوُّرها بشكل صحي. ففي معظم الشركات، تميل الوحدات الحزبية للتركيز على النشاطات التي تساعد بيئة الأعمال، ولا يتعدَّى دورها تنظيم دورات تدريبية أو لقاءات اجتماعية لأعضاء الحزب.

بيد أن هذا الدور المحدود بدأ في التغيُّر بعد أن دعا الرئيس “شي” القطاع الخاص إلى التوحُّد والالتفاف حول الحزب الشيوعي. وإثر تمرير تعديلات جديدة عام 2015 تسري على الشركات المملوكة للدولة أكَّدت دور الوحدات الحزبية، بدأ عدد متزايد من الشركات الخاصة أيضا في تطبيق تلك التعديلات، لا سيَّما الشركات ذات المِلكية العامة-الخاصة المختلطة أو الشركات الخاصة صاحبة الصلات السياسية بالنخبة الحاكمة. إن هدف الحزب الشيوعي هو “زرع فريق من الأشخاص أصحاب الخلفية الاقتصادية الخاصة والعازمين على السير وفقا لخط الحزب.. والذين يُمكن الاعتماد عليهم في أوقات الأزمات”. ويُنتظَر من رُوَّاد الأعمال أن يخضعوا للمزيد من التدريب والرقابة للتأكُّد من التزامهم بأهداف الحزب.

لقد صرَّح “يِه تشينغ”، نائب رئيس اتحاد الصناعة والتجارة لعموم الصين، بأن الشركات الخاصة لا يكفيها أن تقِر بالدور الريادي للحزب الحاكم في صياغة لوائح الشركات، بل يجب عليها أن تُخصِّص تمويلا منفصلا لنشاطات الوحدات الحزبية، فعلاوة على رسوم العضوية التي تجمعها الوحدة من أعضائها، يمكن لها الاعتماد على تمويل إضافي من الشركات يكافئ نحو 1% من نفقات طاقم الوحدة.

وقد دعا اتحاد الصناعة والتجارة أيضا الحزب الحاكم نفسه إلى “لعب دوره القيادي في إدارة الكوادر.. لتجنُّب أن يقوم مُدير ما بترقية أي شخص يحلو له”، كما أوصى بأن تؤسس الشركات هيئة رقابية تحت قيادة الحزب لمراقبة الموظفين ورصد أي سلوك غير طبيعي في الشركات والتعامل مع الخروقات القانونية. ويصعُب تقييم الحد الذي وصل إليه تطبيق تلك القواعد بخصوص توسيع عضوية الحزب وحضوره في القطاع الخاص، لا سيَّما أن العمل الميداني لإجراء بحث من هذا النوع في الصين يواجه تحديات متزايدة.

ورغم أن توسيع نفوذ الحزب في صفوف الشركات يتراوح وفقا للقطاع الذي تعمل فيه الشركة وحجمها والمحافظة التي تتمركز فيها، يبدو أن جلَّ أعضاء الوحدات الحزبية في معظم الشركات هُم موظفون بتلك الشركات، ما يعني أن تأثير الحزب الحاكم قد يكون محدودا بالنظر لعدم قدرة هؤلاء الموظفين على تحدي إدارة شركتهم بسهولة. إن تعيين سكرتير للحزب الشيوعي داخل بنية الشركة سيُحدِث فارقا كبيرا، فحين يصبح مالك الشركة أو مديرها التنفيذي هو نفسه سكرتير الحزب بالشركة، سينشأ بطبيعة الحال انسجام واضح بين الوحدة الحزبية وأولويات الشركة، وقد يؤدي ذلك إلى تحوُّل الوحدات إلى أندية عائلة بالنظر إلى أن رؤساء الشركات عادة ما يُعيِّنون أقاربهم في أعلى المستويات في الحزب.

تصبح الأمور أكثر تعقيدا حين يُعيَّن شخص آخر من إدارة الشركة سكرتيرا للحزب الشيوعي، إذ يُمكن أن يؤثر ذلك على توازن القوى الداخلي بتعزيز موقع ذلك الشخص في الشركة. في النهاية، يُعَدُّ توازن القوى داخل الشركات الصينية مُهما لفهم نهج الحزب الشيوعي الذي يُطبَّق من أعلى إلى أسفل حيال الشركات الخاصة، وكيف يتبلور ذلك النهج على الأرض في الآونة الأخيرة.

___________________________________

ترجمة: ماجدة معروف

هذا التقرير مترجم عن East Asia Forum ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply