لم يكن حادث اقتحام كنيسة “حبس المسيح”، الكائنة بالبلدة القديمة بالقدس المحتلة، وتحطيم مقتنياتها خلال فبراير/شباط الماضي سوى حدث روتيني، ذلك لكون الكهنة، وسائر المسيحيين في البلدة، اعتادوا أن تنال منهم اعتداءات المتطرفين اليهود في كل حين، سواء كان ذلك بالبصق عليهم وسبهم أو عبر تدمير الكنائس وإشعال النيران فيها أو كتابة الشعارات العنصرية على جدرانها، ولا يتوانى جنود الاحتلال أيضا عن استهداف مسيحيي القدس بالمعاملة القاسية على الحواجز والاعتداء عليهم في المناسبات الدينية ومنعهم من الوصول إلى الأماكن المقدسة.

أصبح استهداف الوجود المسيحي في القدس -التي تعد موطنا لـ95 كنيسة أهمها كنيسة القيامة- أكثر عنفا وشيوعا في الآونة الأخيرة، فمنذ أن عاد بنيامين نتنياهو إلى منصبه رئيسا للوزراء في دولة الاحتلال متسلحا بحكومة توصف بأنها الأشد تطرفا في تاريخ البلاد، شعر المتطرفون الإسرائيليون بجرأة أكبر، فقاموا في بداية العام الحالي بـ”تدنيس” 30 قبرا مسيحيا في مقبرة جبل صهيون البروتستانتية، فيما كتب آخرون على جدران الحي الأرمني عبارة “الموت للعرب والمسيحيين والأرمن”.

شكلت الاعتداءات الإسرائيلية على المسيحيين، بجانب تكاليف المعيشة والتحديات الاقتصادية التي تنال من جميع السكان، سببا رئيسيا في هجرتهم وتراجع أعدادهم في القدس، فبعد أن كان عددهم يشكل حوالي 25٪ من سكان القدس في عام 1922، أصبحوا اليوم -وبالكاد- يمثلون ما يزيد قليلا عن 1% من سكان المدينة. في غضون ذلك، يشعر الإسرائيليون الأكثر تطرفا بنوع من السعادة من إجبار أهل المدينة من غير اليهود على حمل أمتعتهم والذهاب بعيدا مع الترويج للمدينة المقدسة على أنها قبلة اليهود وحدهم، لكن الواقع يخفي أخبارا سيئة لدولة الاحتلال وسياسييها وناشطيها المتطرفين، ذلك لأن القدس تعرف هجرات مهمة أيضا، ليس من المسلمين والمسيحيين هذه المرة، بل من اليهود أنفسهم.

تفريغ القدس من الفلسطينيين

على مدار أكثر من 15 عاما، أوهمت ما تسمى بـ”بلدية القدس” الإسرائيلية مئات الفلسطينيين من سكان حي “بيت حنينا” ومحيطه في القدس المحتلة أنها ستسمح لهم بناء حي سكني يوما ما، رسم هؤلاء في مخيلتهم شكلا جميلا لحيّ يضم حوالي 2,500 منزل وعددا من المباني العامة والطرق والبنية التحتية، ولم يترددوا في شراء الأراضي التي سيُبنى عليها الحي، تماما كما استعدوا لبناء الحي من أموالهم الخاصة.

ولد الأمل ببناء “حي العدسة” أو “تل الدعسة” في عام 2007، عندما وعد مهندس البلدية التابعة للاحتلال المقدسيين الذين يشكلون حوالي 40% من سكان القدس بأنه “سيكافح” من أجل السماح لهم بإقامة أول حي سكني منذ احتلال مدينتهم عام 1967، لكن، وكما كان متوقعا، مر الوقت دون أن يرى المقدسيون أي تحرك فعلي من قبل حكومة الاحتلال التي تبني الأحياء وآلاف الوحدات السكنية للمستوطنين اليهود في أحياء المدينة كافة، لتأتي الصدمة في أواخر مارس/آذار من العام الحالي بإغلاق ملف بناء هذا الحي بشكل نهائي.

تعد هذه القصة واحدة من الكثير من القصص المأساوية التي يعيشها سكان القدس الذين تُهدم منازلهم بقوة القانون الإسرائيلي ويمنعون من بناء غيرها، ولأن مرارة الوضع في الأراضي المحتلة لا تقف عند هذا الحد، بعد أقل من شهرين من إغلاق الباب تماما أمام بناء حي العدسة آنف الذكر، تحديدا في مايو/أيار المنصرم، نجحت منظمة “عطيرت كوهانيم”، التي تعمل على توطين اليهود في القدس الشرقية، في اتخاذ خطواتها الأولى نحو إقامة حي يهودي كبير داخل حي رأس العامود في القدس الشرقية التي يعتبرها المجتمع الدولي عاصمة للفلسطينيين.

تنص خطة تشييد الحي الذي عُرف باسم “كيدمات تسيون” على بناء 384 وحدة سكنية ومجموعة من المؤسسات العامة والمساحات المفتوحة، بحيث توضع هذه المنشآت تحت حراسة شديدة عبر إحاطتها بسياج مزود بكاميرات أمنية مع وضع 4 حراس مسلحين يمتلكون عربة مصفحة على باب الحي اليهودي الجديد. وقد تمكنت المنظمة من شراء الأرض وتسجيلها بشكل قانوني في القدس، وذلك وفق ما يُعرف بـ”مخطط القدس 2000” الذي يهدف إلى جعل المقدسيين أقلية بعد تهجير غالبيتهم تحت ضائقة السكن، وكذلك تحويل القدس إلى مركز اقتصادي وجغرافي وروحي يهودي فقط.

لا تقف الإجراءات الإسرائيلية للتضييق على سكان المدينة مقابل فتح أبوابها أمام اليهود عند هذا الحد، إذ تملك دولة الاحتلال الكثير من الأدوات السياسية والديموغرافية والاقتصادية التي تحاول من خلالها إعادة تقسيم المدينة وفق مخططاتها، فعلى سبيل المثال، تضع قوانين الاحتلال شروطا مالية تعجيزية للحصول على رخصة بناء، ليصبح ثمن الرخصة في أحيان كثيرة أغلى من تكلفة بناء المنزل نفسه، وبِلُغة الأرقام يحتاج المواطن المقدسي الذي يريد استخراج رخصة لبناء شقة مساحتها 200 متر مربع إلى حوالي 100 ألف دولار باعتبارها رسوم ترخيص تُقدّم للمؤسسات الإسرائيلية، علما أن هذه الرسوم لا تشمل نفقات توصيل العقار بمياه الصرف الصحي مثلا ولا أتعاب المحامين الذين يترافعون أمام محاكم الاحتلال من أجل الحصول على حقوق موكليهم في سكن كريم.

إذا أردنا أن نلقي نظرة خاطفة على بعض القوانين الإسرائيلية التي تُسنّ لتفريغ المدينة من المقدسيين، يعترضنا مثلا قانون يحرم المرأة المقدسية من الإقامة في القدس في حال تزوجت من خارج المدينة أو من ضواحيها، كما تتعرض أسر فلسطينية كاملة للتهجير من المدينة تحت ذريعة تلقّي مساعدات من السلطة الفلسطينية، أو بسبب استيلاء المستوطنين على منازلهم، وقد سُجِّلت حالات أسر فلسطينية فقدت منزلها بعد خروجها من المنزل في سفر أو عطلة لمدة لا تتجاوز الأسبوع الواحد.

مقابل ذلك، فرضت إسرائيل سيادتها على القدس الشرقية بأكملها لتحقيق هدفها بتحويل القدس المحتلة إلى عاصمة لدولة الاحتلال بدلا من تل أبيب التي لا تبعد عن القدس سوى 50 كيلومترا فقط. ولبسط سياسة الأمر الواقع، أقدمت الحكومة الإسرائيلية على نقل مقرها وأهم مؤسساتها الوطنية بما في ذلك الكنيست (البرلمان) والمحكمة العليا إلى القدس المحتلة، فيما شهدت المدينة تزايدا في أعداد المتطرفين على مدار العقد الماضي الذي تزايدت فيه شعبية اليمين المتطرف الداعي إلى “الاستيطان في جميع أجزاء أرض إسرائيل”، فبعد أن كان وصول المتطرفين إلى ما يسمى بـ”جبل الهيكل” والصلاة فيه ظاهرة هامشية، أضحى الآن مشهدا مكررا وطبيعيا إلى حد بعيد.

مستعمرة الحريديم والمهاجرين الجدد

يكاد الناظر إلى المشاهد المتلفزة القادمة من القدس المحتلة ألا يرى في شوارع المدينة سوى اليهود الأرثوذكس المتطرفين (الحريديم)، الذين يرتدون المعاطف الطويلة السوداء وقبعات “الكيباه” التي تحمل اللون نفسه، ويتجولون في أزقة المدينة وسط السكان الأصليين كأنهم منهم، فتارة يعتدون على أحدهم وتارة أخرى يظهرون مدججين بالأسلحة وهم يحاولون الاستيلاء على منزل أو محل تجاري أو كنيسة.

لم يحدث هذا “الاستعمار الحريدي” صدفة، فالمتدينون اليهود هم أكثر الملبين لدعوات دولة الاحتلال لتهويد القدس، وذلك بسبب معتقداتهم الدينية التي تشجعهم على الهجرة نحو “مدينة الهيكل” و”حائط المبكى”. وتُظهر الإحصائيات أن غالبية السكان اليهود في القدس هم إما حريديم وإما متدينون يتبنون أسلوب حياة محافظا، ويذهب تقرير جديد صادر عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي (CBS) أن سكان القدس اليهود أصبحوا أكثر تدينا، إذ يشكل مجموع من يعرفون أنفسهم بالمتدينين حوالي 57% من السكان اليهود للمدينة.

وفي وقت تشعر فيه دولة الاحتلال بقلق كبير من استمرار النمو السكاني الفلسطيني في تجاوز مثيله لدى اليهود الإسرائيليين، وهي المشكلة التي يطلق عليها بعض المعلقين العبريين “القنبلة الزمنية الديموغرافية”، ركزت دولة الاحتلال جهودها على استقطاب اليهود الأرثوذكس المتطرفين الذين لديهم معدل مواليد مرتفع، كما شجعت حكومة الاحتلال الخصوبة وأنفقت أكثر من 60 مليون دولار سنويا على برامج علاجات الخصوبة، وبالفعل غذت ممارسات الإنجاب الأرثوذكسية طموحات القادة الإسرائيلية بالحصول على زيادة في معدل ولادات يتجاوز الفلسطينيين.

بالإضافة إلى دعم وجود الحريديم في القدس، ركزت إسرائيل على جلب المهاجرين الجدد من اليهود للتمركز في المدينة المقدسة، لتستقبل المدينة 13,900 مقيم جديد في عام 2021. (غيتي)

يُظهر تقرير إحصائي سنوي حديث أن أعداد الحريديم -الذي يعيش أكثر من 40% منهم في القدس ومدينة بني براك فقط- ارتفع إلى 1.28 مليون مستوطن، أي ما نسبته 13.5% من إجمالي عدد السكان البالغ 9.45 مليون نسمة، وقد سجل هؤلاء أعلى معدل زيادة يصل إلى 4%، متفوقا بذلك على أي مجموعة أخرى اثنية أو دينية أخرى في دولة الاحتلال، وتتوقع الإحصائيات أن يشكل الحريديم 16% من إجمالي السكان بحلول نهاية العقد.

ومع أن عدد الفلسطينيين في القدس يعد الأكبر في المدن المحتلة، بدأ الميزان الديموغرافي في القدس يعكس اتجاهه لصالح اليهود منذ عام 2012، عندما بدأ معدل المواليد الفلسطينيين ينخفض لأسباب مختلفة منها السياسات الإسرائيلية وبالأخص الخناق الاقتصادي على المقدسيين الذي تسبب في انخفاض نسبي في معدلات الإنجاب. وفي نهاية عام 2022، تفاخرت دولة الاحتلال بأن “عاصمة إسرائيل” المزعومة تقترب من مليون نسمة، ما يجعلها المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد (10% من إجمالي سكان الاحتلال)، إذ بلغ عدد سكان المدينة المحتلة أكثر من 980 ألف نسمة، أي ضعف عدد سكان تل أبيب، وفقا لمعهد الدراسات السياسية في القدس.

بالإضافة إلى دعم وجود الحريديم في القدس، ركزت إسرائيل على جلب المهاجرين الجدد من اليهود للتمركز في المدينة المقدسة، لتستقبل المدينة 13,900 مقيم جديد في عام 2021 من هؤلاء المهاجرين، وهو اتجاه تَعزز مع الحرب الروسية-الأوكرانية الجديدة التي جلبت دفعات من المهاجرين الجدد إلى الأراضي المحتلة. وكما قال “موشيه ليون”، رئيس بلدية الاحتلال في القدس، لصحيفة “إسرائيل اليوم”: “نحن المدينة الأكثر ترحيبا بالمهاجرين (اليهود) في إسرائيل، المهاجرون الجدد يندمجون في المدينة ويسهمون في تطوير مختلف جوانب الحياة. أعتزم الاستثمار في تشجيع القدوم (إلى القدس) في السنوات القادمة”.

في غضون ذلك، ذهبت مصادر إسرائيلية للاحتفاء بشدة بتزايد الطلب على الشقق في القدس من جانب يهود أميركا الجنوبية، فتَحْتَ عنوانالعيش بعيدا، لكن التوق إلى القدس” قالت صحيفة “إسرائيل اليوم” في مقال لها إن اليهود من أميركا الجنوبية يُبدون اهتماما كبيرا بشراء شقق في “العاصمة”، خصوصا على مستوى حي وزارة الخارجية الذي يعتبر خيارا رائدا، وأضافت الصحيفة في المقال نفسه: “عند التخطيط للمشروع، تم التركيز على خلق تجربة سكنية مميزة للقدس، مع توفير بديل للأحياء القديمة مثل رحافيا وولفسون وراموت. ويقع المجمع على مسافة قريبة من جميع الأماكن المفضلة في القدس: حديقة ساشر (أكبر حديقة مركزية في القدس) وسوق محانيه يهودا الملون وحي نخلوت الخلاب، ويتميز بإطلالة مفتوحة على أجمل مدينة في العالم”.

القدس المدينة الأفقر

رغم عمل الحكومة الإسرائيلية على تيسير الشقق للمستوطنين بالقدس، حيث يعيش نصف الإسرائيليين في منازل ضيقة جدا، لم تتمكن الحكومة من خلق فرص عمل توازي هذا الأمر. (غيتي)

في مايو/أيار المنصرم، توسط وزير الهجرة والاستيعاب “أوفير سوفر” مجموعة من المسؤولين الإسرائيليين لالتقاط صورة جماعية، تبادل الحضور الابتسامات محاطين بالأعلام الزرقاء والبالونات وسط حديقة مبنى ما يسمى بـ”بلدية القدس” الإسرائيلية. أعلن الجمع وضع اللمسات الأولى لخطة عنونت بـ”عالية (هجرة) شابة إلى القدس”، التي تهدف إلى تشجيع المهاجرين اليهود من فئة الشباب (ما بين 18-35 عاما) على الإقامة في القدس المحتلة. مباشرة بعد ذلك، تناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية باهتمام كبير الخطة التي تقوم عليها بلدية القدس التابعة للاحتلال بالشراكة مع الوكالة اليهودية، إذ من المقرر أن تلتزم هاتان المؤسستان معا بميزانية المشروع المقدرة بـ95 مليون شيكل (26 مليون دولار)، على أن يتم صرف هذه الأموال على مدى السنوات الثلاث المقبلة بغية تعزيز الهجرة الشابة إلى القدس وجعلها مدينة مستدامة لليهود.

تتضمن هذه الخطة إنشاء مراكز للمهاجرين الشباب في القدس، وبناء برامج خاصة لدمج الطلاب المهاجرين في الأوساط الأكاديمية، وكذلك مساعدة المهاجرين في مجالات التدريب المهني، والتحضير للترخيص في المهن التي تتطلب ذلك، والتوظيف الذي يتناسب مع خبراتهم ومهاراتهم، بالإضافة إلى تشغيل برامج تعليمية خاصة لأطفال المهاجرين في المدينة. وتأتي هذه الخطة محاولةً من الاحتلال للتغلب على العثرات التي يجدها في طريقه لتحقيق سيطرة يهودية على المدينة، فوفقا لبيانات إسرائيلية رسمية غادر حوالي 30% من المهاجرين إلى القدس خلال السنوات الخمس الماضية، منهم أكثر من 18 ألف يهودي نصفهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18-35 عاما ممن استقروا في البداية في القدس منذ عام 2018.

وبشكل عام، تشهد القدس انخفاضا في عدد سكانها اليهود بسبب الهجرة العكسية لليهود، ففي عام 2020 فقدت سلطات الاحتلال حوالي 7,800 ساكن يهودي، فيما شهد عام 2021 معدلا مرتفعا بشكل غير عادي لهجرة هؤلاء، إذ أفاد المكتب المركزي للإحصاء أن عدد سكان المدينة انخفض بمقدار 10,900 شخص. في السياق ذاته، يذكر إحصاء نُشر في مايو/أيار المنصرم أن عدد مَن غادر المدينة كان أكبر من عدد اليهود الذين انتقلوا إليها، فبينما جاء معظم الوافدين الجدد من مدن الاحتلال بيت شيمش وتل أبيب وبني براك، انتقل معظم الذين غادروا إلى بيت شيمش وتل أبيب وجفعات زئيف. وأظهر استطلاع رأي نشرته القناة 12 العبرية مؤخرا مفاجأة كبيرة، إذ يَعتبر 65% من الإسرائيليين أن مدينة القدس غير موحدة، فيما يرفض حوالي ثلثَي الإسرائيليين الإقامة بمدينة القدس، قائلين إنهم لا يرغبون بالعيش في “العاصمة” المزعومة للاحتلال.

تتعدد الأسباب التي تجعل من القدس مكانا غير مريح لإقامة اليهود، بداية بصمود أصحاب الأرض وثباتهم وتمسكهم بالمدينة رغم الصعوبات الكبيرة التي يعيشونها، ويتسبب هذا التمسك بمشكلات أمنية وحالة اشتباك دائمة بسبب عمليات المقاومين الفلسطينيين التي تتخذ طابعا أكثر قوة في القدس بسبب العديد من العوامل أهمها العامل الديني المتجسد في وجود المسجد الأقصى. وتعد عملية مستوطنة النبي يعقوب (نفيه يعقوب) في يناير/كانون الثاني الماضي، التي نفذها شاب من القدس الشرقية يبلغ من العمر 21 عاما فقط، إحدى أقوى العمليات المُقاوِمة التي استهدفت عددا كبيرا من اليهود الأرثوذكس المتشددين. وأسفر هذا الهجوم الذي جاء بعد يوم واحد من غارة عسكرية إسرائيلية -أسفرت عن استشهاد 9 فلسطينيين في الضفة الغربية- عن مقتل 7 مستوطنين يهود وإصابة 3 منهم.

وبالإضافة إلى ما سبق، تُصنَّف القدس على أنها أفقر مدينة في دولة الاحتلال، حيث تعيش 39% من العائلات اليهودية تحت خط الفقر، وتتباين مستويات الفقر في مناطق المدينة، لكنها تبقى مرتفعة بين اليهود الأرثوذكس المتطرفين. وتؤثر التركيبة الديمغرافية لليهود الذين يتقدمهم الحريديم تأثيرا مباشرا على الوضع الاقتصادي، فبينما تُصرف الميزانيات المرتفعة للمدارس الدينية للحريديم، تُخرّج هذه المدراس طلبة لا يريدون العمل أو التجنيد في جيش الاحتلال، ما يزيد الفقر في صفوفهم، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حليف التيارات الدينية، للتصريح بالقول: “نحن ملزمون بالخروج من ثقافة تخصيص الميزانيات إلى ثقافة العمل، لأنه بدون ذلك نحن نحكم عليهم (الحريديم) وعلى أبنائهم وعلى أحفادهم أن يعيشوا في مصيدة الفقر ويعيشوا على المخصصات للأبد”.

وبجانب الصعوبات الاقتصادية، يعمل الحريديم على فرض نمط حياتهم على شريحة اليهود العلمانيين، ما يعرقل عملية تكيفهم في المدينة، وقد وصلت التضييقات الدينية من الحريديم إلى حد اختيار العلمانيين محاولة التعايش مع الفلسطينيين الذين يقطنون القدس الشرقية، إذ يعتبرون أن هذا الأمر يعد أسهل من الانسجام مع الحريديم.

ورغم عمل الحكومة الإسرائيلية على تيسير الشقق للمستوطنين بالقدس، حيث يعيش نصف الإسرائيليين في منازل ضيقة جدا، لم تتمكن الحكومة من خلق فرص عمل توازي هذا الأمر، إذ لا تعتبر المدينة مركزا للأعمال وللشركات والمناطق الصناعية، ما يترتب عنه هجرة الشباب إلى مدن تمنح فرصا أكبر، مثل تل أبيب أو مدن أخرى. في النهاية، ورغم المجهودات الكبيرة التي تبذلها دولة الاحتلال للترويج داخليا وخارجيا على أن القدس هي عاصمتها الأدبية، فإن هذه المجهودات تبقى غير كافية لتهويد المدينة، وحتى لو هدمت إسرائيل جميع بيوت الفلسطينيين، فسوف تبقى شوارع المدينة وأزقتها وأجواؤها عابقة بعطر أصحابها الأصليين.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply