البصرة – مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، يزداد القلق في العديد من الدول، ومن بينها العراق حيث سجلت الأسواق ارتفاعا كبيرا في أسعار المواد الغذائية؛ من أبرزها زيت الطبخ والحبوب التي تعدّ أوكرانيا وروسيا مصدرا رئيسا لها.

ففي الأسواق العراقية ارتفع سعر لتر الزيت إلى أكثر من 4 آلاف دينار (2.75 دولار) بعدما كان 2500 دينار (1.72 دولار) قبل الأزمة، في حين أصبح سعر كيس الطحين (50 كيلوغراما) 50 ألف دينار عراقي (34.31 دولارا) بعدما كان أقل من النصف، وقد أثار ذلك غضبا شعبيا في الشارع خاصة أننا على بعد 3 أسابيع من شهر رمضان.

وتتباين أسعار الزيت في المحال التجارية من مدينة إلى أخرى بسبب عدم وجود رقابة اقتصادية مشددة على تجار المواد الغذائية، فالمواطن حيدر هادي يقول للجزيرة نت “اشتريت اليوم قنينة الزيت ذات سعة 900 مل بسعر 3500 دينار (2.40 دولار) من محال الجملة، في حين سعرها في محال البقالة بلغ 4 آلاف دينار (2.75 دولار)”، موجها سؤالا للحكومة عن دورها في ضبط ما يحدث من فوضى في أسعار المواد الغذائية إذ كانت تعلن باستمرار في الإعلام عن اعتماد خطط وحلول لمواجهة أي ارتفاع في الأسعار.

هادي (يسار): على السلطات العمل لإنقاذ محدودي الدخل من جشع بعض التجار (الجزيرة نت)

واستغرب هادي قائلا “لماذا دائما المواطن الفقير يدفع ثمن فشل الإدارة في مؤسسات الدولة والوزارات المعنية ذات العلاقة بالأمر؟”، معتبرا أن الحكومة لم تحرك ساكنا لإيجاد البديل ومساعدة ذوي الدخل المحدود، في مواجهة الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية.

وفي تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، أفادت المنظمة بارتفاع المعيار القياسي لأسعار الأغذية العالمية في فبراير/شباط الماضي ليبلغ أعلى مستوى له على الإطلاق، حيث تصدّرت الزيوت النباتية ومنتجات الألبان هذا الارتفاع.

العلي عزا زيادة أسعار المواد الغذائية إلى مجموعة عوامل (الجزيرة نت)

تضخم كبير

ويقول الباحث بالشأن السياسي والاقتصادي نبيل جبار العلي إن زيادة أسعار المواد الغذائية يعود إلى مجموعة عوامل، من بينها أن السعر يتغير مع تغير سعر صرف الدولار بخاصة أن معظم هذه المواد مستورد من الخارج.

وفي حديثه للجزيرة نت، لفت العلي إلى أن سياسات التيسير النقدي التي انتهجتها الولايات المتحدة وأوروبا خلال تفشي وباء كورونا في العامين الماضيين أسهمت في تضخم أسعار السلع والخدمات، وزاد تفجر الحرب على أوكرانيا أخيرا من التضخم العالمي لأسعار المواد الغذائية بخاصة أن أوكرانيا ورسيا تُعدّان من الدول الكبرى في إنتاج المواد الغذائية وتصديرها للعالم، مشيرا إلى أن مؤشر التضخم في العراق ارتفع بنحو 50% للسلع المستوردة.

ويضيف العلي أن مادتي زيت الطعام ودقيق الخبز قد تكونان أبرز مادتين غذائيتين تعرضتا لارتفاع السعر، لكون روسيا وأوكرانيا تمتلكان ثلث الإنتاج العالمي لمادة الحنطة وخمس الإنتاج العالمي لمادة زيت الطعام.

ونشرت لجنة إحصائية في الحكومة الأوكرانية أرقاما تكشف أن حجم التجارة في البضائع بين أوكرانيا والعراق لعام 2018 بلغ 644 مليون دولار؛ فقد صدّرت أوكرانيا إلى العراق جملة مواد، منها الزيوت النباتية والحيوانية بنسبة 42.2%، والمعادن 40.5% واللحوم 6.9% ومنتجاب الحبوب 1.6%، فضلا عن مواد مثل السكر والفواكة ومنتجات الألبان والبيض، ومواد أخرى متنوعة.

كنور لفت إلى أن الإقبال على المطاعم تراجع في الأيام الأخيرة (الجزيرة نت)

تأثير واسع

أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ومنها مادتا الزيت والدقيق، وصل تأثيرها إلى المطاعم وأفران الخبز، حيث قام بعض أصحاب الأفران بتقليل عدد قطع الخبز بسبب ارتفاع سعر مادة الحبوب، في حين يحاول أصحاب المطعام الإبقاء على وضعهم الطبيعي من دون تغيير خشية خسارة زبائنهم.

يقول الشيف حسين كنور، الذي يعمل في مطعم الحساوي في مدينة البصرة، إن مادتي الزيت والحبوب من المواد الأساسية في كل منزل وكل مطعم، وإن الارتفاع الذي ضرب الأسواق بشكل مفاجئ أثر على تكلفة الوجبات المقدمة في المطعم، مشيرا إلى احتمال رفع أسعار الأطباق والأكلات إذا استمرت الأسعار في الارتفاع.

وحسب كنور، فإن الإقبال على المطاعم تراجع تراجعا واضحا، عازيا الأمر إلى أن العائلات لا تريد صرف أموالها التي تدخرها خشية مواصلة أسعار المواد الغذائية ارتفاعها.

ويطرح العلي مجموعة من الحلول يعتقد أنها ستسهم في حلّ التضخم في أسعار المواد الغذائية، أبرزها: إلغاء الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة، ورفع القيود على استيراد المواد الغذائية، ورفع تخصيصات مفردات السلة الغذائية الوطنية من 800 مليار دينار (550 مليون دولار) إلى تريليوني دينار (1.5 مليار دولار تقريبا)، إضافة إلى دعم الفلاح العراقي ومنح رواتب لذوي الدخل المحدود لحماية الطبقة الفقيرة، وأخيرا اعماد سياسة نقدية مرنة لتغيير سعر صرف الدولار تدريجيا وتخفيضه بمعدل 1% شهريا ولمدة سنة واحدة.

حنتوش انتقد عدم وجود مجلس لتُجّار الدولة تستطيع الحكومة من خلاله السيطرة على الأسعار (الجزيرة نت)

ارتفاع صادم

ويصف الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش ارتفاع الأسعار “بالصادم” مقارنة بدول أخرى تأثرت بالارتفاع العالمي في أسعار المواد الغذائية، مشيرا إلى ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية بأكثر من 50%، وهو ما لم تشهده أوكرانيا وروسيا طرفا الأزمة العالمية الحالية.

ويشير حنتوش إلى أن وزارة التجارة العراقية تمتلك آلاف المخازن و67 سوقا مركزية وعشرات الشركات، لكنها لا تعمل، وفيها كوادر تعمل على خطط محددة منذ 15 عاما، مضيفا أن الوزارة لا تمتلك مخزونا إستراتيجيا للمواد الغذائية، وهذا يجعل التاجر يرفع الأسعار كما يشاء من دون خوف.

وانتقد حنتوش عدم وجود ما يسمى بمجلس تُجّار الدولة -على غرار العديد من دول العالم- حيث تجتمع به الحكومة عند الحاجة أو في ظروف معينة، وتطلب من التجار تخفيض أسعار المواد أو تحديد سعر ثابت خشية حدوث أزمة في البلاد، لذلك ترتفع الأسعار في العراق ارتفاعا صاروخيا.

Worker drives a wheat and barley machine to harvest the wheat crops in Bartella, east of Mosul,
إنتاج العراق للقمح يتوقع أن يبلغ هذا العام 3 ملايين طن في حين أن الاستهلاك السنوي يبلغ نحو 5 ملايين طن (رويترز)

ولفت إلى أن الحرب في أوكرانيا تفجرت قبل أسبوعين في حين أن البضائع التي استوردها العراق من طرفي الحرب كان قد استوردها التُجّار قبل أشهر، لأن شحن البضاعة يستغرق أشهرا حتى وصولها، “فقام التجار باستشعار الخطر قبل وقوعه”، مطالبا وزارة التجارة بمحاسبة التجار.

وفي مقابلة مع التلفزيون الرسمي، صرّح المتحدث باسم وزارة التجارة محمد حنون قائلا “إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية سببه الأزمة الأوكرانية-الروسية على اعتبار أنهما بلدان منتجان ومصدران للمواد الغذائية التي يستوردها العراق والتي شهدت ارتفاعا بالأسعار، ويسيطر كلا البلدين على 30% من تصدير المواد الغذائية والحنطة إلى العالم”.

وأضاف أن أحد الحلول لارتفاع الأسعار هو دعم السلة الغذائية التي تعدّ صمام الأمن الغذائي لـ40 مليون عراقي، ويكون ذلك بتوفير المواد مثل الزيت والبقوليات والسكر والطحين وبقية المواد الغذائية.

وتعدّ أوكرانيا أكبر منتج لمادة زيت عباد الشمس في العالم، تليها روسيا، وتُصدّر أوكرانيا 49.9% من صادرات الزيت عالميا فقد أنتجت وحدها 5.9 ملايين طن متري من الزيت النباتي في عامي 2020 و2021، في حين أن 5.1 ملايين طن متري هو حجم إنتاج روسيا من الزيت.

إجراءات حكومية

وأمس الثلاثاء أقرّت الحكومة العراقية تقديم منحة نقدية لمحدودي الدخل وإعفاء للمواد الغذائية من الجمارك، ضمن حزمة إجراءات لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة على خلفية الأزمة الأوكرانية.

وقالت الحكومة -في بيان- إنها قررت منحة مالية مقدارها 100 ألف دينار (68 دولارا) لمرة واحدة باسم (منحة غلاء المعيشة) للمتقاعدين ممن يتقاضون راتبًا أقل من مليون دينار شهريا (686 دولارا)، والموظفين ممن يتقاضون راتبا أقل من 500 ألف دينار شهريا (343 دولارا)، والمستفيدين من الإعانة الاجتماعية، ومعدومي الدخل.

ووفقا للبيان، قررت الحكومة تصفير الرسم الجمركي على البضائع الأساسية من مواد غذائية ومواد بناء ومواد استهلاكية ضرورية لمدة شهرين.

وشملت حزمة إجراءات الحكومة العراقية أيضا إلغاء (قائمة) المواد المحظور استيرادها لأغراض حماية المنتج (المحلي) من المواد الغذائية والاستهلاكية والأدوية لمدة شهرين.

وقال بيان رئاسة الوزراء إن الحكومة قررت صرفا فوريا لحصتين من المواد الغذائية في البطاقة التموينية (الحصة الغذائية الشهرية)، والبدء بإجراءات توفير حصة شهر رمضان، وإعادة النظر في موازنة البطاقة التموينية.

من جهتها، أعلنت وزارة الداخلية تشكيل فرق جوالة في بغداد والمحافظات لمراقبة الأسعار في السوق، مضيفة أنها ستتخذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين الذين يحاولون رفع الأسعار.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply