القاهرة – قبل أكثر من 4 عقود، وقعت مصر وإسرائيل برعاية أميركية اتفاقية السلام (المعروفة باسم كامب ديفيد) والتي أنهت سنوات من الحروب بين الطرفين، لكنها لا تزال تواجه برفض شعبي واسع يقف عائقا أمام تحولات غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بينهما. فهل تذيب المصالح المشتركة سلاما باردا وتجعله أكثر دفئا بتعبير الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي؟

في 26 مارس/آذار 1979 وُقعت معاهدة السلام في البيت الأبيض الأميركي بحضور الرئيس جيمي كارتر، والمصري محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن، وكانت مكملة لإطار سلام الشرق الأوسط، والذي صدر عن مفاوضات منتجع كامب ديفيد الأميركي في 17 سبتمبر/أيلول 1978.

أسفرت الاتفاقية عن تبعات دراماتيكية على عدة مستويات، كان أبرزها استرداد مصر لشبه جزيرة سيناء، واغتيال السادات في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1981 يوم الاحتفال بالذكرى الثامنة لحرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، وقطيعة العرب للقاهرة، ونقل مقر الجامعة العربية منها وتعليق عضويتها، قبل التراجع عن تلك الخطوات، ثم تسابق بعض الدول العربية، السنوات الأخيرة، نحو قطار التطبيع.

وكما كان الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981-2011) بعيدا عن معاداة تل أبيب، سار في ركبه السيسي وربما بوتيرة أكبر، وهو ما دفع قادة إسرائيليين للتعبير في أكثر من مناسبة عن ارتياحهم للتقارب المتسارع بين قيادات الجانبين السنوات الأخيرة.

كان أبرز محطات التقارب مؤخرا الوساطة المصرية إبان العدوان الإسرائيلي على غزة مايو/أيار 2021، والزيارات العلنية الرسمية من مسؤولين كبار في إسرائيل إلى مصر، خلافا لأخرى سرية كشفتها تقارير إعلامية، ورحلات طيران حكومية حطت لأول مرة بالمطارات الإسرائيلية، واتفاقيات الطاقة وتعديل اتفاقية السلام لتعزيز وجود الجيش المصري في سيناء، وغيرها.

واليوم الأحد، تستضيف إسرائيل للمرة الأولى ما تصفه بـ “قمة النقب” بمشاركة وزراء خارجية كل من مصر والبحرين والإمارات والمغرب، بالإضافة إلى أميركا، بهدف “مواجهة مشتركة وموحدة للتحديات، التعاون من أجل استقرار المنطقة والتطور الاقتصادي” بحسب تعبير صفحة “إسرائيل في مصر” على فيسبوك.

وربطت الصفحة الإسرائيلية بين “قمة النقب” وبين الاحتفال بمرور 43 سنة على توقيع اتفاقية السلام مع مصر، وقالت إن ذلك التوقيع مهد الطريق لإحلال السلام مع دول عربية أخرى في المنطقة.

وتأتي “قمة النقب” بعد أيام من لقاء شرم الشيخ بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وهو اللقاء الذي لحقته “قمة العقبة” بين ملك الأردن عبد الله الثاني ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بالإضافة إلى السيسي وبن زايد.

من كامب ديفيد إلى السلام الدافئ

مهدت حرب 1973 الطريق للسلام المصري الإسرائيلي، وعززتها مساعي السادات للتقارب مع الإدارة الأميركية آنذاك، والذي ألقى خطابا عاطفيا بالكنيست في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1977، مبشرا فيه بأن ما مضى هو آخر الحروب ونهاية الآلام، فكان أول رئيس عربي يزور إسرائيل ويعقد صفقة معها.

لم يمر الكثير حتى وقعت القاهرة وتل أبيب الاتفاق الإطاري للسلام في كامب ديفيد، وبعدها بنحو 6 أشهر، وتحديدا في 26 مارس/آذار 1979، دشنت رسميا معاهدة السلام.

ومن أبرز ما نصت عليه المعاهدة إنهاء حالة الحرب وانسحاب إسرائيل من سيناء بالكامل، وإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع ضمان عبور السفن الإسرائيلية في قناة السويس.

وتجني مصر من وراء التطبيع مساعدات عسكرية أميركية سنوية تقدر بـ 1.3 مليار دولار، إضافة إلى مساعدات اقتصادية أخرى، وإن كانت تواجه حتى الآن بانتقادات لأسباب ترتبط بتأكيد التفوق النوعي عسكريا لصالح تل أبيب على حساب الدول العربية.

أما على المستوى التجاري، فقد وقعت مصر وإسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2004 اتفاقية “الكويز” وهي تسمح للشركات المصرية التي تستخدم مدخلات إسرائيلية بتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة بإعفاء جمركي.

ومن المفارقات أن مصر التي وقعت عام 2005 اتفاقية لتصدير الغاز إلى إسرائيل لمدة 20 عاما، باتت تستورد منذ مطلع 2020 الغاز من تل أبيب عبر صفقة مداها 15 عاما.

كما أن سيناء التي شهدت الحروب المصرية الإسرائيلية، تحولت إلى محطة تعاون أمني واستخباراتي بين القاهرة وتل أبيب، حسبما أشار السيسي إلى ذلك في مقابلة مع فضائية أميركية مطلع 2019 بالقول إن الجيش المصري يعمل مع إسرائيل ضد “الإرهابيين” شمال سيناء.

وفي أكثر من مناسبة، أشاد السيسي بالسلام مع إسرائيل، ودعا قادة المنطقة مرارا إلى الاقتداء بالسادات في “تجاوز الأدبيات والمفاهيم المستقرة” في إشارة إلى الرفض العربي للتطبيع.

وفي مايو/أيار 2016، استخدم السيسي لأول مرة مصطلح السلام الدافئ لوصف العلاقات المرجوة مع إسرائيل، حيث قال “البعض يقول إن السلام مع إسرائيل ليس دافئا، لكنني أقول إن سلاما أكثر دفئا سيتحقق لو قدرنا (استطعنا أن) نحل المسألة الخاصة بأشقائنا الفلسطينيين”.

عقبات وتهديدات

ورغم مسيرة السلام الرسمية بين الطرفين، لا تزال الأحلام الإسرائيلية في وجود علاقات مثالية بعيدة المنال لأسباب عدة، أبرزها أن النظام المصري لا يزال حريصا على عدم حدوث تغيير شامل في العلاقات الثنائية، وهو ما تفصح عنه التغطية الإعلامية المحلية السلبية حتى الآن للدور الإسرائيلي في المنطقة.

وفي ظل تحديات دولية وإقليمية ومصالح باتت مشتركة وتزايد حمى التطبيع العربي، مقابل تهديدات لمصالح إستراتيجية مصرية، يبقى السؤال مطروحا: هل أصبح ما يجمع مصر وإسرائيل أكبر مما يفرقهما؟

بحسب مراقبين، لا يزال معظم الشعب المصري معاديا لإسرائيل، كما أن النقابات المهنية التي تضم ملايين العاملين تبقى في طليعة المعارضين للتطبيع، إلى جانب المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف.

وفي مقابل البحث عن مصالح مشتركة، ثمة مخاوف مصرية من آثار التطبيع العربي مع إسرائيل، إذ تواجه قناة السويس تداعيات سلبية محتملة إزاء مشاريع النقل البديلة، والتي من بينها ما تسعى إليه تل أبيب وأبو ظبي.

إضافة إلى تهديد الاختراق الإسرائيلي للعمق المصري عربيا وأفريقيا في مجالات وملفات كانت القاهرة اللاعب الرئيسي فيها، سواء في فلسطين أو السودان أو ليبيا أو دول حوض النيل، خاصة أزمة سد النهضة الإثيوبي الذي تعتبره القاهرة مهددا لأمنها القومي ومستقبلها المائي.

هزات محتملة

وحول تقييمه لتجربة التطبيع، رأى أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية الأسبق عبد الله الأشعل أن مصر تضررت كثيرا لـ 3 أسباب بارزة: أولها حدوث تغلغل إسرائيلي في أجهزة الدولة باعتراف الموساد نفسه، وفق قوله.

ثاني الأسباب -بحسب تصريحات الأشعل للجزيرة نت- يتمثل في إضعاف الدور المصري عربيا، بعد اختراق الدول العربية أيضا باتفاقيات التطبيع (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) وبالتالي لم تعد مصر البوابة التي تصل إسرائيل بالعرب، كما كان يطمح السادات في أن يكون وسيطا أو سمسارا للسلام.

ثالثا: هناك سلام دافئ ليس بين الوطن وإنما بين النظام الحالي وإسرائيل، وتبقى المصالح بينهما أكبر مما يفرقهما، حسب قوله.

وشدد الدبلوماسي الأسبق على أن بلاده لم تستفد مطلقا من التطبيع، معتبرا إياه صفقة عقدت بين بيغن والسادات فحسب، وليس هناك قضايا تجمع إسرائيل بالعرب سوى مصالح الأنظمة الحاكمة.

وعن مستقبل العلاقات الثنائية، توقع الأشعل تعرضها لهزات كبيرة لأسباب ترتبط بتطورات محلية في مصر (لم يحددها) وتراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة العربية، حيث تعتمد إسرائيل في المطلق على واشنطن، إضافة إلى وعي الشعوب بأن الأنظمة الحالية ضد مصالحها.

وحول ما أثير إعلاميا عن دوافع استضافة السيسي لرئيس وزراء إسرائيل وولي عهد أبو ظبي الأسبوع الماضي، وربط اللقاء بمحادثات إحياء الاتفاق النووي مع إيران، استبعد الأشعل مشاركة القاهرة أو تورطها مع دول خليجية وإسرائيل في الملف الإيراني.

لكنه رأى أن مصالح الطاقة واكتشافات الغاز من الممكن أن تكون مدخلا لمزيد من التطبيع، مشيرا إلى أنها من القطاعات الكثيرة التي تغيب عنها الشفافية، مؤكدا أن الأمل يبقى في مواجهة الشعوب لمساعي التطبيع، ووقف الآثار السلبية لاختراق إسرائيل المصالح المصرية الحقيقية.

تجاوز اللاعودة

ووفق تحليل سابق لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، تخدم معاهدة السلام مصالح الطرفين وقد تجاوزت نقطة اللاعودة، لكن التحليل طالب في الوقت ذاته بالاستمرار في مراقبة تعزيزات الجيش المصري بعناية.

وأشار المعهد إلى أن السلام مع مصر ذو أهمية إستراتيجية لإسرائيل من المنظور السياسي (التوسط مع الفلسطينيين) ومن المنظور العسكري (إبقاء مصر خارج دائرة الحرب) وكذلك المنظور الاقتصادي (تقليص ميزانية الدفاع).

أما عن جهود القاهرة الدبلوماسية ضد القدرات النووية لتل أبيب، فقد عزاها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إلى كونها لا تنبع من الشعور بالتهديد، بل من تصورها الذاتي على اعتبار أن مصر زعيمة للعالم العربي.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply