القاهرة- بينما تمضي مصر قدما في تشييد محطة الضبعة النووية للأغراض السلمية شمالي البلاد، يبدو أن المشروع النووي قد يواجه تهديدات محتملة بعدم الاكتمال في ضوء الحرب الروسية على أوكرانيا، وما أعقب ذلك من فرض عقوبات غربية على الحكومة الروسية، الممول الرئيسي للمشروع.

وتتكون محطة الضبعة من 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل منها، ومن المقرر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول منها عام 2028 ثم يتم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعا.

ووقّعت مصر وروسيا في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015 اتفاقية تعاون مشترك لإنشاء المحطة النووية، أعقب ذلك توقيع عدة اتفاقيات، ثم عقود المحطة في ديسمبر/كانون الأول 2017، بتكلفة تقترب من 25 مليار دولار.

وخلافا للعقوبات الغربية المقيدة للنشاط الروسي عالميا، تمثل العقوبات المالية ووقف معاملات البنوك الروسية من نظام سويفت (SWIFT) وتراجع الروبل عوائق كبيرة من المتوقع أن تؤثر على إكمال المحطة النووية بمصر، فما مستقبل المشروع وما مدى تأثره بالعقوبات الغربية والتضييق الدولي على موسكو؟

آخر تطورات الضبعة

في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2021، تقدمت هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (حكومية) بطلب إلى هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (حكومية) للحصول على إذن الإنشاء للوحدتين الثالثة والرابعة في المحطة النووية بالضبعة، بعد 6 أشهر من حصولها على إذن الوحدتين الأولى والثانية.

وفي 28 فبراير/شباط الماضي، وافقت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية على إصدار إذن قبول اختيار الموقع لإقامة مخزن جاف للوقود النووي، الذي سيتم استهلاكه بالمحطة النووية طوال فترة عمرها والتي تقدر بحوالي 60 عاما.

وفي خضم الحرب الأوكرانية، بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 9 مارس/آذار الجاري في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين سبل تعزيز التعاون الإستراتيجي بين البلدين من خلال المشروعات المشتركة التنموية الجارية بينهما، وفق بيان للرئاسة المصرية لم يوضح هل تناول الرئيسان مناقشة محطة الضبعة أو لا؟

البديل المحلي

ويؤكد الخبير الاقتصادي المصري عبد النبي عبد المطلب تأثر كافة المشروعات المشتركة مع روسيا بشكل أو بآخر بنتائج حربها على أوكرانيا، ويرى أن مشروع الضبعة النووي سوف يتأثر أيضا، بسبب العقوبات من جهة، وبسبب عدم قدرة الجانب الروسي على الوفاء بالتزاماته.

ورغم ذلك، يعتقد عبد المطلب في حديثه للجزيرة نت أن التأثير الاقتصادي على مصر لن يكون كبيرا، موضحا أن مشروع الضبعة رغم أهميته، فهدفه توفير الكهرباء بأسعار تنافسية.

وأضاف أن من المعروف أن لدى مصر فائضا من الكهرباء يقترب من 20% من إجمالي الإنتاج، وبذلك فإن تباطؤ هذا المشروع لن تكون له آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد المصري.

التوريدات الغربية

ويشاطر خبير الهندسة النووية وكبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا يسري أبو شادي الرأي السابق، ويقول إن العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية سيكون لها تأثير على مشروع الضبعة.

وأوضح أبو شادي في تصريحات صحفية، أن العقوبات على روسيا من الممكن أن يكون لها تأثير على برامج روسيا نفسها، ولا سيما أن الشركات الروسية في المجال النووي تتعامل مع الغرب.

وأضاف أن مؤسسة روساتوم (ROSATOM) المسؤولة عن إنشاء محطة الضبعة النووية تستورد بعض القطع للمحطات النووية من أميركا والغرب، وبديهيا سيرتفع سعر هذه القطع بسبب العقوبات.

المقاول الكوري

كما أن تداعيات العقوبات الغربية لن تتوقف على وقف التمويل الروسي فحسب، حيث تسهم كوريا الجنوبية في مشروع الضبعة النووي عبر شركتها للطاقة المائية والنووية (KHNP)، ومن المعروف أن سول تؤيد عزل روسيا وتدعم أوكرانيا.

والشركة الكورية الجنوبية تعد حاليا المتعاقد الوحيد على توريد معدات ومواد البناء الرئيسية والفرعية لـ”جُزر التوربينات” التي تضم المولدات التي تنتج الطاقة من البخار المتولد في المفاعل النووي بالضبعة.

وفي هذا الصدد، ذكر موقع بوابة أخبار الأعمال الكورية (businesskore)، أنه من المتوقع أن تؤثر العقوبات المفروضة على روسيا على مشاركة كوريا الجنوبية في مشروع الضبعة.

وأشار الموقع الكوري إلى أنه من المرجح أن تشل العقوبات النظام المالي لروسيا، ومن ثم قد تفشل الشركة الكورية للطاقة المائية والنووية في الحصول على عائدات من المشروع، كما أن مصر من المقرر أن تسدد القرض الروسي بعد بدء التشغيل التجاري لمحطة الضبعة بحلول 2028.

لا تراجع

في المقابل، لا تزال القاهرة متمسكة بطموحها النووي في الضبعة، رغم طرد البنوك الروسية من نظام سويفت العالمي.

ونقل الموقع الإلكتروني للتلفزيون المصري “ماسبيرو” عن مسؤول (لم يسمه) بهيئة المحطات النووية المصرية، نفيه تأثُر برنامج العمل فى الضبعة بهذه العقوبات.

وعزز المسؤول رأيه بأسباب، أهمها أن الاتفاقية الإطارية الموقّعة بين القاهرة وموسكو عام 2015، تنص على التزام شركة “روساتوم” بتوريد كل المعدات اللازمة لتشغيل المحطة وفق البرنامج الزمني الذي بدأ في 2015 حتى التشغيل الكامل في 2030، وهذه الشركة لم تدخل ضمن الكيانات الموضوعة على قائمة العقوبات.

وعلى خلفية طرد روسيا من النظام المالي العالمي سويفت، ذكر المصدر أن اتفاقية التمويل لا تنص على منح مصر أموالاً سائلة، ولكنها تقضي بتوريد كل المعدات اللازمة لتشغيل المحطة بما يوازي قيمة القرض، ويشمل ذلك أيضًا توريد المفاعلات والوقود اللازم للتشغيل.

ومن المنتظر أن يبدأ التشغيل التجريبي لأول مفاعل نووي بالمشروع في يونيو/حزيران المقبل، وهو ما يعني الانتهاء من كامل أعمال البنية التحتية لمحطة الضبعة، بحسب ماسبيرو.

كما نقلت وكالة “تاس” الروسية الأسبوع الماضي عن مصدر في هيئة المحطات النووية المصرية، قوله إن العقوبات الغربية على موسكو لن تؤثر على مسار المشروع بأي شكل من الأشكال.

وأضاف أن إنشاء هذه المحطة “يسير بشكل منهجي ووفق الجدول الزمني المحدد والمتفق عليه مسبقا”.

لماذا تهتم مصر بالمشروع النووي؟

منذ منتصف القرن الماضي، اهتمت مصر بالدخول في المجال النووي السلمي، غير أن المشروع النووي المصري تراجع على إثر الحروب العربية الإسرائيلية، وظل لعقود يراوح مكانه لارتباطه بتداعيات اقتصادية وسياسية وإقليمية.

ورغم التراجع الدولي عن الاستخدامات النووية، فلا تزال القاهرة ترى أن محطة الضبعة من جيل المفاعلات المتطورة الأكثر أمانا والأقل تكلفة والأرخص وقودا.

وبحسب هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء المصرية، فقد جرت على مدار أكثر من 40 عاما دراسات فنية مختلفة على موقع الضبعة، اشتملت على دراسات جيولوجية وجيوفيزيقية وهيدرولوجية وكذلك دراسات زلزالية وطوبوغرافية وديموغرافية ودراسة الأرصاد الجوية والجيوتقنية والبنية التحتية، وأثبتت جميعها مدى ملاءمة الموقع لتشييد المحطة النووية.

ولن يقتصر الدور الروسي على إنشاء المحطة، فوفقا للالتزامات التعاقدية، سيقوم بإمداد الوقود النووي طوال العمر التشغيلي، وتقديم الدعم في تشغيل وصيانة المحطة على مدار السنوات العشر الأولى من تشغيلها، وإنشاء منشأة لتخزين الوقود النووي المستهلك، وفق إعلام محلي.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply