بيت لحم- “مش متذكر”.. هي جملة عُرف بها الأسير الفلسطيني أحمد مناصرة، عندما سرّب الاحتلال الإسرائيلي مقطع فيديو له، وهو يجيب ضابط التحقيق عن تفاصيل ما حصل معه عند اعتقاله وإصابته، بعد استشهاد ابن عمه حسن في القدس المحتلة عام 2015.

كان ذلك عندما كان أحمد في عمر 13 عاما و9 أشهر، واليوم يقترب من 21 عاما، ومنذ ذلك الوقت وهو أسير لدى الاحتلال الإسرائيلي، بعدما حكم بالسجن 12 عاما، وهو من بلدة بيت حنينا بالقدس المحتلة.

تفاعل

أُطلق الرصاص عليهما، في مستوطنة “بسغات زئيف” بالقدس المحتلة بتاريخ 2015/10/12، بحجة محاولتهما تنفيذ عملية طعن، وتعرضا لهجوم من المستوطنين بالدعس وبعدها الضرب، حتى استشهد حسن 15 عاما، وأصيب أحمد إصابات بالغة منها كسر في الجمجمة.

نُشر مقطع فيديو، وقتها أيضا، وأحد المستوطنين يشرع السلاح على أحمد وهو مضرج بدمائه، ويقول له “موت.. موت” مع شتائم بذيئة.

نقل أحمد إلى المستشفى ومكث في العناية المركزة، ولكن، مباشرة تم نقله للتحقيق القاسي من قبل الاحتلال، بالرغم من أن القانون الإسرائيلي يمنع محاكمة أو اعتقال طفل دون 14 عاما.

ومع نشر الفيديو الذي ظهر فيه أحمد، عند اعتقاله، وبعدها فيديو للتحقيق معه وهو يقول “مش متذكر”، تفاعل الفلسطينيون والنشطاء حول العالم مع قضيته بشكل كبير.

غسيل دماغ

يقول أحمد أبو عصب رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين، للجزيرة نت، إن سلطة الاحتلال سعت منذ ذلك الحين إلى إبقاء أحمد مناصرة داخل المعتقل، لأنه أصبح أقرب للأيقونة، واشتهر اسمه، وسعت لتشويه صورته.

وعندما بلغ أحمد 14 عاما، نقلته سلطة الاحتلال إلى معتقلات الجنائيين، وتعرض فيها لمحاولات غسيل دماغ، بأنه لا يوجد احتلال، ولا قضية فلسطينية، وأن اليهود مظلومون بسبب المحرقة، وغير ذلك من تعريضه لضغط نفسي هائل، وفق أبو عصب.

وهو ما تم علاجه لاحقا، بعد نقله للعيش مع الأسرى الفلسطينيين، الذين أسهموا في تحسين حالته بشكل واضح.

أما بلال عودة، من الشبكة الفلسطينية العالمية للصحة النفسية، فقال: إن أحمد مناصرة أصبح يعاني من مشاكل نفسية نتيجة التحقيق المباشر معه وهو بوضع صحي حرج وبإصابة بالغة في رأسه، إضافة إلى عزله في السجن لمدد طويلة، أدت إلى تضاعف المشاكل النفسية لديه وهو في عمر صغير.

محكمة إسرائيلية تدين الطفل أحمد مناصرة
محكمة إسرائيلية تدين الطفل أحمد مناصرة في 2016 (الجزيرة)

عزلٌ وتقييد

وكشف عودة للجزيرة نت، أن الاحتلال كان يقيد إحدى يدي أحمد وإحدى رجليه في جدار الزنزانة لمدة تزيد على 24 ساعة، وهو ما كان يضطره لقضاء حاجته على نفسه، وهو ما زاد من سوء حالته الصحية والنفسية.

وبالرغم من المناشدات التي تدعو إلى علاجه، من قبل أهله ومحاميه، كانت حجة الاحتلال أنه يوجد علاج له في المعتقل، والذي تبين لاحقا أنه عبارة عن أدوية، يعرّفها الأطباء النفسيون بأنه تزيد من مشكلته ولا تحلها، عدا عن عدم وجود رقابة على صرفها.

يقول عودة: إنه في الجانب النفسي كذلك، لا يمكن لمسبب المشكلة أن يكون جزءا من العلاج، أي أن مصلحة سجون الاحتلال لا يمكنها علاجه، لأنها المتسببة في المشكلة أصلا، بل إنه في حالة أحمد وبهذه الطريقة تتدهور حالته الصحية أكثر.

وكانت مصلحة السجون تزيد من عزله في المعتقلات المختلفة، بحجة الاعتداء على آخرين داخل السجن، وهو ما فاقم من حالته النفسية كذلك.

وبعد ضغط لسنوات طويلة من الأهل والمحامين، استطاعت طبيبة نفسية إسرائيلية، أن تزور أحمد في نهاية عام 2021.

وقالت في تقريرها الطبي بشكل واضح، إن أحمد يعاني اليوم من “انفصام في الشخصية”، ما يستدعي علاجه بسرعة، وأن استمرار وجوده في المعتقل سيزيد من تدهور حالته.

حقد دفين

ولم يستطع أهل أحمد زيارته منذ 4 أشهر، وفق عمّ أحمد، الذي قال للجزيرة نت “إن ابننا يتدمر داخل سجون الاحتلال، من ناحيتين، نفسية واجتماعية”.

يقول مناصرة العم، إن الاحتلال يرفض علاج أحمد من خارج المعتقلات، بالرغم من أنه معتقل منذ 7 سنوات، كما أن محاكم الاحتلال رفضت النظر بالإفراج عنه، ورفضت الاستئناف الذي قدمه المحامون ضد القرار أيضا.

ويرى مناصرة أن ابن شقيقه، يعاني من حقد دفين له ولأطفال فلسطين وللأسرى بوجه عام، ولم ينظر الاحتلال إليه من الجانب الإنساني، بل إن الهدف هو عقابه فقط دون النظر إلى حالته الصحية والنفسية.

ولا يوجد خيار أمام العائلة اليوم إلا التعامل مع محاكم الاحتلال، التي لن تفيد في شيء، بل إن عدم وجود مختصين لعلاجه سيزيد الأمور تعقيدا.

حملة للإفراج عن أحمد

وأطلقت مجموعات من الناشطين والأخصائيين النفسيين مؤخرا، حملة حول العالم للتعريف بقضية أحمد مناصرة، والضغط لمحاولة الإفراج عنه، ووُقعت عرائض بعدة لغات من قبل آلاف الشخصيات والمؤسسات حول العالم تطالب بذلك.

ويكشف بلال عودة، من شبكة الفلسطينية العالمية للصحة النفسية، أن هناك (8-10) حالات نفسية صعبة داخل سجون الاحتلال تقترب وتزيد على حالة أحمد مناصرة، ومنهم من يعاني من أكثر من مرض نفسي في آن واحد.

ويدعي الاحتلال، وفق عودة، أن هناك مكانا في سجن الرملة للمرضى النفسيين، وأنه معزول عن السجن ويصفه الاحتلال بأنه مصحة نفسية، ولكن كل من دخل إلى هذه المصحة، يرى أنه يزيد من المعاناة ولا يعالجها كما كل العلاجات الأخرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

لذلك كان لا بد من إعلاء صوت الأسرى الفلسطينيين، الذين يتعرضون لضغوط نفسية وجسدية هائلة، وفق عودة، لإنقاذهم، والمسارعة بعلاج المرضى منهم، لأن مماطلة الاحتلال تزيد من مشاكلهم، وتصعب علاجهم.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply