قالت صحيفة لوباريزيان (Le Parisien) الفرنسية إن الحرب في أوكرانيا لا تبدو استثناء من المثل القائل “الحقيقة أولى ضحايا الحرب”، وذلك لأن العديد من الاتهامات والتأكيدات الصادرة عن روسيا تتناقض مع الحقائق التي يستعرضها مراقبون مستقلون وقادة غربيون، مبرزة ما قالت إنه 8 كذبات للكرملين بشأن هذه الحرب.

واستعرضت الصحيفة -في مقال بقلم نيكولا بيرو- تلك “الكذبات” الثماني بغية تقييمها، حيث اتهمت فرنسا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “بالكذب” عندما قال إن أوكرانيا انتهكت القانون الإنساني، وحيث تصر روسيا على أنها لا تقصف مناطق مدنية، رغم النفي والأدلة على عكس ذلك.

1/ إبادة جماعية في دونباس:

في سياق حجج روسيا لبدء الحرب، استعرضت الصحيفة قول بوتين في مؤتمر صحفي إن “ما يحدث في دونباس هو بالضبط إبادة جماعية”، وإن أوكرانيا تسعى إلى إبادة الموالين لروسيا الذين يعيشون في هذه المنطقة الواقعة في شرق أوكرانيا، مع أن الإبادة الجماعية تُعرَّف على وجه التحديد بأنها “جريمة ضد الإنسانية تهدف إلى التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية”، بحسب معجم لاروس الفرنسي.

وعلى هذا النحو -تضيف الصحيفة- فإن وصف القتال الموجود بالفعل في دونباس منذ 8 سنوات بأنه “إبادة جماعية” أمر “سخيف”، بحسب تقدير المستشار الألماني أولاف شولتز الذي قال “نحن قلقون بشكل خاص من تحدث الرئيس بوتين والمسؤولين الروس الآخرين عن إبادة جماعية في دونباس”، كما قالت وزارة الخارجية الأميركية أيضا إن “هذه الاتهامات ليست فيها ذرة من الحقيقة”، بل إن أوكرانيا -التي تنكر منطقيا مثل هذا الاتهام- قد رفعت الموضوع أمام محكمة العدل الدولية.

2/ تعهد الناتو بعدم دمج الدول المجاورة لروسيا:

وقال بوتين أيضا إنهم تلقوا وعودا بأن البنية التحتية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) لن تتقدم شبرا واحدا نحو الشرق، “قالوا شيئا وفعلوا العكس”، موضحا أنه تعرض “للغش والخداع”، لأن حلف الناتو كان قد وعد الاتحاد السوفياتي ثم روسيا في أوائل التسعينيات بأنه لن يدمج جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق في منظمته.

صحيح أن القادة الغربيين في ذلك الوقت -كما يقول الكاتب- قد أصدروا ضمانات شفوية، بعضها لتهدئة الوضع وتسهيل إعادة توحيد ألمانيا، لكنهم لم يتحدثوا نيابة عن الناتو، ولم ينص أي اتفاق مكتوب على مثل هذه القاعدة على الإطلاق. تقول الباحثة أميلي زيما وهي مؤلفة أطروحة حول توسيع حلف الناتو إلى دول أوروبا الوسطى “لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يغير حوار ثنائي بين الأميركيين والسوفيات أو بين الألمان والسوفيات سياسة توسيع الناتو”.

3/ أوكرانيا مبتلاة بالنازيين:

ومن بين الأهداف التي يسعى إليها الكرملين: القضاء على من سماهم بالنازيين الجدد، الذين قال في سياق حجج بدء الحرب إن أوكرانيا ابتليت بهم، إلا أن بعض الخبراء يرون أن مثل هذا القول مبالغ فيه إلى حد كبير “لتشويه سمعة” أوكرانيا، على الرغم من وجود كتائب نازية أوكرانية جديدة بالفعل مثل “كتيبة آزوف”.

ويبدو للمتخصصة في روسيا وفضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي سيسيل فايسي، الأستاذة بجامعة رين 2، أن “استدعاء النازية لتبرير غزو أوكرانيا ليس سوى طريقة للقول للروس إن أجدادكم حاربوا هذه الأيديولوجية، ويجب أن تستمروا في هذه الحرب”.

4/ انتهاكات أوكرانيا للقانون الإنساني:

أما في سياق الأكاذيب خلال الحرب، فقد وصفت الرئاسة الفرنسية المكالمة الهاتفية التي جرت يوم 12 مارس/آذار الحالي بين الرئيس إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز وفلاديمير بوتين بأنها “صريحة” و”صعبة”، وفيها استنكر الرئيس الروسي “عمليات اغتيال المعارضين خارج نطاق القضاء و”أخذ الرهائن المدنيين واستخدامهم دروعا بشرية، فضلا عن نشر الأسلحة الثقيلة في المناطق السكنية بالقرب من المستشفيات والمدارس ورياض الأطفال”، من قبل القوات الأوكرانية.

وعليه يكون بوتين قد اتهم أوكرانيا بارتكاب “انتهاكات صارخة” للقانون الإنساني، إلا أن “هذه مجرد أكاذيب” كما أخبرت بذلك الرئاسة الفرنسية خلال جلسة استجواب نظمت بعد فترة وجيزة من هذا التبادل، وذلك ما اتفق معه الأكاديمي نيكولا تينزر مدير موقع “ديسكروسي” (DeskRussie)، قائلا إنه “لا يوجد دليل على هذا النوع من الأشياء من جانب السلطات الأوكرانية”.

5/ الجيش الروسي لا يستهدف المدنيين:

منذ بداية الحرب، وروسيا تؤكد بانتظام أنها لن تستهدف المواطنين المدنيين في أوكرانيا، ومع ذلك فإن الشهادات والمشاهد المنقولة تبدو بليغة. تقول كارول غريمو بوتر، أستاذة الجغرافيا السياسية بجامعة مونبيلييه المتخصصة في العالم الروسي “عندما تظهر صور القصف واستهداف المنازل والمستشفيات والشركات، وكل ما يمت للحياة اليومية بصلة، يمكننا أن نرى بوضوح الكارثة الإنسانية التي تشكل هذه الحرب”، موضحة أن مدينة ماريوبول في جنوب شرق أوكرانيا تحت الحصار منذ عدة أسابيع، وقيل إن ما لا يقل عن 2100 من سكانها قتلوا، “مما يعني قطعا أن روسيا تقصف مناطق مدنية”، وهو ما يقول نيكولا تينزر إنه “تكتيك بشار الأسد خلال الحرب في سوريا”.

6/ عملية عسكرية:

وأعلن الرئيس الروسي يوم 24 فبراير/شباط الماضي إطلاق “عملية عسكرية” في أوكرانيا، وهو ما درج الإعلام الروسي على قوله متحاشيا لفظة “حرب” خشية بث الذعر في الشعب الروسي، “لكنني أعتقد -كما تقول كارول غريمو بوتر- أن الروس ليسوا مخدوعين لأنهم أيضا تصل إليهم الصور، ومن البديهي أن الأمر يتعلق بالحرب عندما تغزو روسيا دولة وتستهدف مناطق مدنية”، إلا أنها “ليست حربا شاملة ما دامت روسيا لم تنشر كل ترسانتها”، بحسب نيكولا تنزر.

7/ أسلحة أميركية بيولوجية في أوكرانيا:

اتهمت روسيا الولايات المتحدة بتمويل مختبرات بيولوجية للأغراض العسكرية في أوكرانيا، مع أن واشنطن نفت ذلك بشدة، والحقيقة -كما تقول الصحيفة- هي أن أميركا تمول برنامجا رسميا “للحد من أضرار الأسلحة البيولوجية” في الدولة المجاورة لروسيا، يتضمن معايير السلامة في بعض المختبرات.

أما أوكرانيا فلديها “مرافق للبحوث البيولوجية”، وقد أعلنت الدبلوماسية الأميركية فيكتوريا نولاند أن الولايات المتحدة تعمل منذ بداية الحرب مع السلطات هناك، “على سبل منع هذه المواد البحثية من الوقوع في أيدي القوات الروسية إذا اقتربت منها”.

8/ مقتل 498 جنديا روسيا فقط

وفي تسليطها الضوء على ما قالت إنها أكاذيب روسيا، رأت الصحيفة أن تقرير وزارة الدفاع الروسية يوم 2 مارس/آذار الحالي، الذي أعلنت فيه مقتل 498 جنديا روسيا في أوكرانيا، مخالف لرأي جميع الخبراء، وهو يقلل كثيرا عدد الضحايا، كما أن مقتل 12 ألف جندي روسي الذي أعلنته أوكرانيا، هو الآخر مبالغ فيه.

وقد خلص الكاتب إلى أن الحقيقة هي بالتأكيد بين الاثنين، وقد لا تكون بعيدة عما أفاد به مسؤولون أميركيون لصحيفة نيويورك تايمز يوم 9 مارس/آذار من أن القتلى بين 5 آلاف و6 آلاف جندي روسي.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply