قالت “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية إنه في اليوم الثامن من الحرب على أوكرانيا، عندما قصفت روسيا المدارس ومراكز الطوارئ ودمرت المناطق السكنية، أيقظت لدى السوريين مرارة المناظر المستعادة في حلب وإدلب والغوطة، وتصاعدت أصواتهم للتعبير عن تضامنهم مع الضحايا والتنديد بعنف موسكو، التي يتهمونها بجعل بلادهم مختبرا لتجريب ترسانتها العسكرية والتدرب على دعايتها دون عقاب.

وأضافت الصحيفة الفرنسية أن التضامن الذي يظهره السوريون تجاه الأوكرانيين لا يأتي فقط من تجربة مشتركة للاحتلال العسكري الروسي، بل يأتي كذلك من إدراكهم المتزايد أن ما يحدث في أوكرانيا هو نتيجة لما سمح العالم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفعله في سوريا، كما يقول المدافع السوري عن حقوق الإنسان مروان سفر جلاني على صفحته على تويتر.

وذكرت الصحيفة -في تقرير لمراسلها في إسطنبول دلفين مينوي- أن روسيا عندما دخلت في الصراع السوري عام 2013، بعد عامين من الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد، كانت تهدف بعد اتفاق مع واشنطن إلى الإشراف على تفكيك الأسلحة الكيميائية في دمشق، ولكن استعراض السفن الحربية الروسية التي تعبر مضيق البوسفور إلى قاعدتها في طرطوس كان يشير إلى أن موسكو لديها أفكار أخرى.

وبعد ذلك بعامين، عندما أضفى بوتين الطابع الرسمي على تدخله العسكري إلى جانب الجيش السوري، مدعيا ​​أنه يريد محاربة تنظيم الدولة الإسلامية -كما يقول المراسل- بدا مرة أخرى أن نواياه مختلفة تماما، ليتضح أن سيد الكرملين، الذي ينوي تأمين وصول بلاده إلى البحر الأبيض المتوسط، قد شرع بلا ضمير في حملة عسكرية للقضاء على جميع أشكال المعارضة المعتدلة لسلطة دمشق، متجاوزا كل الخطوط الحمر التي سبق أن أقرتها واشنطن.

تحت نيران القوات الجوية

وكانت حلب، تلك المدينة التي انقسمت عام 2016 إلى جزءين، شرقي في يد المعارضة وغربي تحت سيطرة نظام بشار الأسد، هي المثال المأساوي -كما يرى الكاتب- على وحشية الروس، عندما تعرضت الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة للحصار والقصف بلا هوادة لمدة 3 أشهر، دون أي تمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية.

وحينها، أطلق العنان لطائرات “سوخوي 24” (Sukhoi 24) لتحلق في السماء بلا هوادة، مطلقة نيرانها على القوافل الإنسانية والأسواق والمدارس والمباني السكنية، في تنفيذ -وفق الكاتب- لسياسة الأرض المحروقة التي مارسها الروس في غروزني عام 1999، والتي تعرضت خلالها المستشفيات بشكل متعمد للقنابل العنقودية، تماما كتلك التي ألقيت على خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، حسب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية.

وينقل الكاتب عن الطبيب زاهر سحلول عبر الهاتف أن “المأساة الأوكرانية مألوفة بشكل رهيب بالنسبة لنا. فبعد أن اختبر بوتين أسلحة جديدة في سوريا ضد السكان المدنيين، أعاد إنتاج النمط نفسه من خلال إفراغ المدن من سكانها وحصارهم، في تكتيك ضار، به يخلق موجات من اللاجئين في أوروبا تغذي أقصى اليمين، وتؤدي إلى استقطاب المجتمعات وزرع الفوضى بعيدا عن بلده”.

شهادة بجرائم حرب

ويتحدث الطبيب السوري المقيم في شيكاغو عن سابق معرفة، بعد أن عمل -أثناء مهامه المتعددة في سوريا منذ بداية الحرب- في مستشفيات تعرضت للقصف، وكان شاهدا على جرائم الحرب التي ارتكبها الأسد وحليفه الروسي، حيث تقول منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان إن نحو 600 مركز طبي تعرضت للهجوم خلال الحرب في سوريا، 40% منها بعد التدخل الروسي عام 2015، وقتل فيها ما لا يقل عن 930 طبيبا وممرضا.

وأشار الكاتب إلى أن كل هذا تم الإبلاغ عنه بدقة، ولكن عدم اهتمام الغرب شجّع بوتين على الاستمرار في وتيرته وجعل الأرض السورية قاعدة تدريب لصراعات أخرى، وهو ما لا تخفيه موسكو، إذ يقدر مقطع فيديو صادر عن وزارة الدفاع الروسية أن عدد الجنود “المدربين على القتال” يزيد عن 63 ألف جندي في سوريا، كما يفتخر وزير الدفاع سيرجي شويغو بأنه اختبر أكثر من 320 نوعا من الأسلحة هناك.

وبحسب الكاتب، فإذا كان لدى الطبيب زاهر سحلول أي نصيحة يقدمها لزملائه الأوكرانيين فهي “أن يتحلوا بالصبر في هذه الحرب الجديدة التي ستطول”، في مواجهة رئيس روسي قادر على ارتكاب أسوأ الانتهاكات لتوسيع إمبراطوريته، مضيفا “بالأمس كنت على اتصال بطبيب بالمستشفى الرئيسي في لفيف يتحدث عن نقص الأدوية وعن المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج بشكل عاجل. وكما هي الحال في سوريا، سيضطر المتدربون إلى العمل كأطباء، وسيصبح الممارسون العامون جراحين، مع قلة النوم والإرهاق والصدمات. ولكن عليك أن لا تنهار. إذا غادر الأطباء، سينهار المجتمع بأكمله. بوتين كالأسد يعرف ذلك. وهذا هو سبب استهدافهم”.

الحرائق اشتعلت في كثير من المباني على أثر القصف (الوروبية)

حرب المعلومات

ويورد الكاتب أن الناشط السوري رائد صالح أيضا عينه على أوكرانيا، فهو يقدم -في مقطع فيديو على تويتر- تضامن منظمته “الخوذ البيضاء” الكامل مع السكان، ويصر في مقابلة مع موقع “مونيتور” على أنه “من المهم توثيق كل شيء في الوقت الفعلي”، ولذلك يقترح على فرق الإنقاذ الأوكرانية تركيب كاميرات صغيرة على خوذهم، للتحايل على آلة الدعاية الروسية التي لم تتوقف عن استهداف منظمته غير الحكومية.

وخلص الكاتب إلى أن الحرب الدائرة على الأرض الأوكرانية، كما هي الحال في سوريا، هي أيضا حرب معلومات، خاصة أن بوتين مثل الأسد يفعل كل ما في وسعه لتشويه المعلومات الموضوعية والموثوقة بمساعدة المتصيدين الذين يهاجمون النشطاء والأطباء والصحفيين، وبنشر الأخبار المزيفة التي يتم بثها على الشبكات الاجتماعية، مع دعم جرعة جيدة من الخطاب المعادي للغرب وأميركا، من أجل زرع البلبلة وترويع السكان.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply