دأبت الحروب البشرية في صراعاتها الأزلية على تغيير ملامح الأوطان، كذلك لم ينج منها البشر، مثلهم كمثل الحجر، فإذا ما سلم جسد المرء ونجى ربما لا تسلم نفسه، وفق ما يعتقد بعض علماء النفس، ولكن ما أثر الحرب على الأديب والأدب على وجه التحديد؟

ولأن الأدب مهذب ومطهر للنفس البشرية كما يقال، صار كثير من الكتاب يوصفون بأنهم رقيقون، وأصحاب هشاشة من الداخل، لذا فإن الكاتب مثله مثل الأبنية يتهشم جراء ما يخلفه الدمار والموت، ولو أن الحرب وضعت أوزارها وأُعيد بناء ما تحطم من بنى تحتية، ترى من الذي سيعيد الكاتب لسابق عهده، إذا ما أُصيب بلوثة الأدلجة؟

للحرب شكلان، شكل أنتج من خلاله بعض الأدباء أدبا عظيما، متخذين منه مادة أولية لنصوصهم نقلت لنا معاناة الأمم إزاء ما لحقها من وجع وأذى، إذ يؤدي هذا النوع غرضا إنسانيا كبيرا.

أما شكلها الثاني فولّد نصوصا تطفو على سطحها وتغوص بعمق أيديولجيات المتحاربين، ولهذا الشكل دلائله الكثيرة، منه ما جاء في تخليد وتمجيد بعض قادة الحرب، ما دفع بالناس الى المحرقة على حساب أوطانهم.

في هذه الزاوية تفتح الجزيرة نت نافذة لكتاب وكاتبات من الشعب الروسي والشعب الأوكراني لكي يدلوا برأيهم حول مصير الأدب أثناء الحرب وبعدها، وعن آرائهم فيما يصرح به بعض كتّاب الحروب أو معاديها، وبعض الاتحادات، وعن موقف شعوبهم منها، وعن واجب الأديب وموقفه الإنساني من قبول الحرب أو رفضها والاعلان عنها صراحة، وانحياز الأديب لوطنه وإن كان بادئا الحرب أو الاصطفاف للإنسان عابرا للجنسية والقومية، أي عسكرة الأدب وأدلجته.

ولد صاحب رواية “محقق من الجبل الاصلع” ألكسندر بروكوفيتش في 24 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1969 في كييف، اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، ثم انتقل ليعيش في سانت بطرسبورغ في روسيا، لينشئ ويترأس هناك دار نشر “أستريل”.

رواية الكسندر بروكوفيتش
رواية “سفينة القرم” للكاتب الروسي ألكسندر بروكوفيتش (مواقع التواصل)

ألكسندر بروكوفيتش كاتب وسيناريست، كتب ونشر العديد من الروايات والبحوث منها “مغاوير الجبل الأصلع” و”سفينة القرم” و”محقق من الجبل الأصلع” و”نهاية أخرى للعالم- كتاب قصصي”، بالإضافة إلى كتاب عن المهارات الأدبية “دورة لمؤلف مبتدئ”، كما نظم وأشرف على ما يعرف باسم الدورات الأدبية “براعة النص”، فإلى الحوار:

  • ما موقف الشعب الروسي من الحرب بشكل عام؟ وموقف اتحاد كتّاب روسيا بشكل خاص، وموقفك الشخصي بشكل أخص؟

لا أعتقد أنّ ثمة موقفا للشعب الروسي، فضلا عن ذلك إذا ما كنا نتحدث عن روسيا، فإننا نتحدث عن عدد من القوميات والمواطنين الروس، لذا فإن الآراء مختلفة، لأسباب عديدة، منها العلاقات الشخصية، والوعي، والمستوى الفكري وما إلى ذلك. أعتقد أنّ معظم الناس اليوم يدعمون حكومتهم. وإنّ موقف اتحاد كتاب روسيا، بطبيعة الحال، هو ذاته موقف الحكومة، لأنه في الواقع هيئة حكومية. من رأيي أنّ أية حرب هي إخفاق للسياسة الخارجية. أية حرب -عموما- لا ينبغي أن تكون قائمة.

  • أما تعتقد أنّ من واجب الكاتب أن يرفض الحروب ويعلن عن ذلك؟

ينبغي على أي شخص طبيعي أن يرفض الحرب، هذا بديهي، مثل تنظيف الأسنان أو إلقاء التحية. يجب ألا يقتل الناس. نقطة على رأس سطر. كما آمل أن يندرج الكتّاب ضمن فئة الناس الطبيعيين. أما بخصوص الإعلان أو عدم الإعلان -أي الإفصاح من عدمه- فهذه مسألة خاصة، لا سيما في روسيا، فربّما يكون لذلك الاختلاف عقوبة.

  • هل يقف الأديب لجانب الإنسان أي كان مشربه؟ أم أنه من الواجب عليه أن يصطف لجانب وطنه أولا وإن كان وطنه هو المعتدي؟

يبدو لي إذا ما عرض سؤال الجنسية أو القومية أمام شخص بصفة عامة، ويتخذ على ضوئه قرارا، فإنّ هذا مناهض للإنسانية، أعتقد أنه لا يوجد أمر من هذا القبيل كقاعدة عامة، ونحن نشكل جزءا من الوطن، مثل الحكومة، أو أي من سكانها، وهو جزء فقط، وعليك أن تتعايش معه أو تستبدل الوطن، تصطف إلى جانبه أو لن تصطف. إن هذا الموضوع مؤداه بالأحرى هو المشاركة أو عدم المشاركة في الأجندة السياسية. أكرر ما قلت؛ لا أحد يدين لأحد بشيء، إن هذا أمر شخصي.

  • هل تساهم الحروب في خلق أدب مختلف؟

ربّما جميع الصدامات يمكن أن تكون نوعا من الغذاء للكاتب، لكن من الأفضل معرفته من خلال استعراض الأرشيف. وبكلّ تأكيد، إن الحرب ستوفر بعضا من أدب الشهادات، أو أدبيات الأدلة، والباقي يعتمد على قدرة وموهبة المؤلف. لكني أخشى أن تكون في تلك النصوص الكثير من الكراهية.

  • ما رأيك بعسكرة الأدب، هل سيعود الأدب إلى العسكرة؟

فيما يتعلق بالأدب الروسي، فإن موضوع الحرب المنتصرة، وقهر الإمبراطوريات، نُفّذ كثيرا، كلّ شيء قد تم هنا. وبشكل عام، الأدب العظيم والكبير ليس موضوعا، بل هو التخمين والتكهنات.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply