بالتوازي مع القتال المستمر على الأراضي الأوكرانية منذ 12 يوما، اندلعت حرب بيانات بين اتحادات كتاب وأدباء وناشري الدول الواقعة ضمن محيط مسرح الأحداث، وأهمها روسيا وأوكرانيا وبلدان البلطيق إضافة للبلدان الأوروبية المختلفة.

وتبدو أزمنة الحرب فرصة لدراسة العلاقة بين السياسة والثقافة، والسلطة والمعرفة، ورجال الدولة والسيف ورجال الفكر والقلم، فهل آثر المثقفون والكتاب والأدباء القيام بمهمة التحليل والنقد وإبداء الرأي كأدوات تأثير بديلة عن أدوات الدولة، أم انحازوا لركب السلطة وأدخلوا أقلامهم في أتون الحرب المشتعلة، أم أن المثقفين أبناء مجتمعهم لا يجوز أن يتأخروا عنه.

يستعرض هذا التقرير بيانات اتحادات الكتاب من البلدان الجارة التي تجمعها روابط ثقافية قوية وقديمة، لكن في زمن الحرب لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وأصبحت خطابات الكتاب والأدباء واتحاداتهم لا تكاد تختلف عن خطابات الساسة.

اتحاد كتاب روسيا

نشر اتحاد كتاب روسيا بيانًا توضيحيًا عما يجري من أحداث بين بلده وأوكرانيا، تضمن تأييده التام للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمن الفدرالي والجيش، واحتوى استنكارًا صريحًا لتصريحات بعض الشخصيات الفكرية والثقافية ضد روسيا، متهمًا إياهم بإطلاق النار من الخلف على الجيش الروسي. واعتبر الاتحاد -في بيانه الذي نشره على موقعه الإلكتروني بتاريخ 28 فبراير/شباط- أن المواجهة ليست بين روسيا وأوكرانيا، إنما الصدام الحقيقي هو بين الروس وحلف الناتو.

وأكد بيان الاتحاد أن كتّاب روسيا متحدون مع الجيش الروسي الذي يؤدي عملًا احترافيًا بمهنية عالية، وصفه -أي البيان- بالحفاظ على الأرواح وبقايا الشرف والكرامة في البلد المجاور. مشيرًا إلى أنّ القيادة الأوكرانية قد دمرت لمدة 8 سنوات عادات وتقاليد وثقافة الشعب الأوكراني، من خلال الترويج للعنصرية وللروسيا فوبيا، مما أدى لظهور جيل من الشباب ناكر وكاره لعادات وماض مشترك بين الشعبين، ومبغض للوحدة السلافية وللرغبة في العيش بسلام وصداقة.

وأعلن البيان أنه قد وافق -بكامل المسؤولية والتفهم- على قرارات رئيس الدولة والأمن الفدرالي إنقاذ جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين ونزع السلاح، وخلع النازية عن الهيكلية الأوكرانية التي أوصلت الحرب لعتبات الدولة الروسية.

واستهل الاتحاد بيانه الذي حمل توقيع رئيسه نيكولاي إيفانوف، بأن الأحداث التي تسود في أوكرانيا لا تترك أحدًا دون أن تشغل له بالًا، ومن حق الوقت أنّ يطالب الشخصيات الأدبية والفنية بالتعبير عن مواقفهم إزاء الوضع الحالي.

وتابع “نرى المجتمع مدمرا، فقد ركض بعضهم إلى الشوارع ملوحين بالأعلام واللافتات، واختبأ الآخرون منهم، بينما تكاثر الصنف الثالث المزيف في المواقع الاجتماعية”. وحث الكتّاب على الإعراب علناً وبوضوح عن موقفهم من المواجهة بين “روسيا وأوكرانيا”.

وأعرب اتحاد كتاب روسيا عن قدرته ورغبته في أن يصبح حلقة وصل بين موسكو وكييف، وبين روسيا وأوكرانيا، من خلال حوار الثقافات والموروث الإبداعي، وذلك لإعادة ما تمزق من العلاقات بين الناس بعناية واعتزاز، بحسب تعبير البيان.

بيانات أوروبية

وأدان اتحاد الكتاب الليتوانيين بيانَ اتحاد الكتاب الروس، مطالبا بقطع العلاقات معهم لتبريرهم ما وصفه بـ”الغزو الدموي لأوكرانيا”، واستنكر ما أسماه تشويه حقائق الاحتلال الروسي لأوكرانيا واعتبار استهداف المدنيين عملية لإحلال السلام.

ودعا اتحاد الناشرين الأوروبيين (FEP) اتحاد الناشرين وبائعي الكتب الأوكرانيين (UPBA) ليكون ضيف شرف خاص به، كنوع من التضامن، وعبّر عن إدانة “الغزو الروسي” لأوكرانيا التي دعا ناشريها أيضا للانضمام لاتحاد الناشرين الأوروبي.

وكتب الاتحاد الأوروبي للناشرين “أفكارنا مع شعب أوكرانيا والمنطقة، وخاصة مع زملائنا المؤلفين والمترجمين والناشرين وبائعي الكتب وأمناء المكتبات”، داعيا لإتاحة الوصول للكتب باعتبارها ضرورة ديمقراطية حتى لو كانت حصنا هشا ضد القنابل، بحسب تعبير البيان.

وعبّر ممثلو الاتحاد أنهم “محظوظون جدًا لأن أوكرانيا هذا العام هي إحدى الدول المشاركة في جائزة الاتحاد الأوروبي للآداب (EUPL)”، وأضافوا “نعتقد أن الأدب يجلب رسالة سلام”.

كما صدر عن مجلس الكتّاب الأوروبيين -الذي يقول إنه يمثل حوالي 160 ألف كاتب ومترجم محترف في قطاعي الكتب والنصوص- بيان يصف الهجوم الروسي على أوكرانيا بأنه “حرب ضد جميع الديمقراطيات، وقيمنا، وقناعاتنا بالسلام، والحرية وحقوق الإنسان”.

وقال رئيس اتحاد الكتاب اللاتفيين أرنو جوندزي “يجب وقف إراقة الدماء. يجب دعم شعب أوكرانيا وزملائنا الكتاب في هذا الوقت الصعب. ما يحدث في أوكرانيا هو تهديد للديمقراطية في جميع أنحاء أوروبا. إذا لم تتوقف الحرب في أوكرانيا، فستكون هذه علامة على أن المعتدي يمكنه فعل ما يشاء في جميع أنحاء أوروبا الشرقية”.

وانضم رئيس اتحاد الكتاب الليتوانيين بيروت جونوسكايت أوغوستينيني، إلى موقف الكتاب الأوروبيين، قائلا “إن اتحاد الكتاب الليتوانيين يقف إلى جانب أوكرانيا ومع زملائنا الأوكرانيين، مجتمعنا المشترك من الكتاب والمترجمين. إننا ندين الغزو الروسي غير المشروع وغير المبرر للأراضي الأوكرانية. نحن ندعم أوكرانيا وسنبذل قصارى جهدنا للمساعدة في الظروف الصعبة”.

ونبه رئيس اتحاد الكتاب الإستونيين تيت أليكسييف، إلى مفارقة مقلقة لدول البلطيق، قائلا “24 فبراير/شباط هو يوم الاستقلال الإستوني. في اليوم نفسه، بدأ الأوكرانيون في الدفاع عن استقلالهم ضد الهجوم الشامل للمعتدي”، بحسب ما نقلته مجلة “وجهات نظر النشر” (Publishing Perspectives).

تعليق التعاون مع روسيا

في السياق نفسه، أصدرت منظمات الكتّاب في دول البلطيق -التي تمثل مؤلفي الكتب والناشرين وغيرهم من المتخصصين، من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا- خطابًا مفتوحًا إلى معارض الكتاب في بولونيا ولندن وفرانكفورت، لإظهار الدعم لأوكرانيا من خلال قطع الاتصالات مع مؤسسات الاتحاد الروسي. تم التوقيع على الخطاب من قبل معهد الثقافة الليتوانية، ودار الأدب اللاتفي/ دار الكتاب والمترجمين الدوليين، ومركز الأدب الإستوني، والأقسام الليتوانية واللاتفية والإستونية في المجلس الدولي لكتب الشباب (IBBY).

وأصدر مدير معرض فرانكفورت للكتاب يورغن بوس، بيانا قال فيه “إن منظمي معرض فرانكفورت للكتاب يدينون بشدة الهجوم الروسي على أوكرانيا بأمر من الرئيس بوتين. على خلفية غزو الاتحاد الروسي لأوكرانيا -وهو انتهاك للقانون الدولي- علق معرض فرانكفورت للكتاب التعاون مع مؤسسات الدولة الروسية المسؤولة.. ويؤكد معرض فرانكفورت للكتاب على دعمه الكامل لجمعيات الناشرين الأوكرانيين”.

افتتاح معرض الكتاب في فرانكفورت في أكتوبر/تشرين الأول 2021 (رويترز)

كما نشر الأمين العام لاتحاد الناشرين الدوليين خوسيه بورغينو، بيانا ردا على الحرب الروسية على أوكرانيا، طالبا دعم اتحاد الناشرين وبائعي الكتب الأوكرانيين.

وكتب بورغينو “ندين هذا الغزو الروسي الإجرامي بأشد العبارات الممكنة. تأسس الاتحاد الدولي للناشرين بهدف دعم السلام. صرح رئيسنا الأول جورج ماسون -في افتتاح المجلس عام 1896- أن المؤتمر الدولي الأول للناشرين.. واحد من العديد من التجمعات التي تهدف إلى تقوية العلاقات السلمية بين الأمم.. لم يتغير هذا الموقف خلال الـ125 عاما الماضية”.

ألمانيا وإيطاليا

وأعرب مجلس أمناء جائزة السلام الألمانية لتجارة الكتب، عن غضبهم من “الهجوم الروسي الوحشي” على أوكرانيا، وناشدوا الشعب الروسي ورئيسه وقف “التدمير المتعمد للسلام والحرية في أوروبا”، بحسب تعبيرهم.

وأعرب المجلس عن تضامنه مع شعب أوكرانيا، وقال “إنهم جزء من المجتمع الدولي الذي يحمي كرامة الإنسان والمشاركة الديمقراطية والمساواة بين الجميع. لديكم الحق في السلام”.

من جانبها، أعربت “رابطة الناشرين الإيطاليين” عن تضامنها مع الأوكرانيين، وقالت “تعيدنا الحرب في أوروبا إلى سنوات وأحداث تاريخية لم نرغب أبدا في استرجاعها”، وتابعت “اليوم أكثر من أي وقت مضى، نأمل أن يرتفع الصوت النقدي للمثقفين والكتاب ورجال السلام وعالم الثقافة في كل دولة، حتى يتمكنوا من إعادة أوروبا إلى طريق الحرية والتعايش”.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply