بيروت – على وقع تصويت المغتربين في 58 دولة عربية وغربية جرت الجمعة والأحد، طرأ متحول جديد على مشهد الانتخابات البرلمانية لعام 2022، عبر لوائح منبثقة عن المجتمع المدني، وتخوض الانتخابات تحت شعار “التغيير”.

وبينما تعيش البلاد ذروة الاستقطاب السياسي بين لوائح تعكس النواة الصلبة لتحالف قوى 8 آذار المتمثلة بثنائي حزب الله-حركة أمل والتيار الوطني الحر وتيار المردة مع حلفائهم، وأخرى تمثل قوى 14 آذار المعارضة لحزب الله، والتي تخوض الانتخابات لأول مرة بغياب تيار المستقبل، وفي طليعتها حزب القوات والتقدمي الاشتراكي ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة وحلفائهم.

وتتنافس في لبنان 60 لائحة للقوى التي تصف نفسها بالتغييرية من بين 103 تنتشر في 15 دائرة، ويرى كثيرون أن عدم نسج هذه القوى تحالفا عابرا للمناطق أنتج فائض المرشحين واللوائح وتضاربا وتشابها بالعناوين والشعارات السياسية.

فكيف تتشكل خريطة قوى اللوائح المنبثقة عن المجتمع المدني على مسافة أسبوع واحد من الاقتراع في 15 مايو/أيار؟

يمكن القول إن اللوائح المنبثقة عن المجتمع المدني تنقسم إلى 3 مجموعات:

أولا- قوى المجتمع المدني التقليدية الموجودة ما قبل 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وخاض بعض أفرادها انتخابات 2018، مثل ائتلاف “كلنا وطني” الذي شكل حينها 9 لوائح في لبنان ومن أسمائه المعروفة والمرشحة حاليا النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان التي شكلت حاليا بانتخابات 2022 لائحة منافسة في دائرة بيروت الأولى.

ثانيا- قوى المجتمع المدني التي تشكلت ما بعد 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتي انضوت بمجموعات كثيرة ومتفرقة، وشكلت بصورة غير منسقة لوائح بدوائر لبنان، وتضم شخصيات جديدة، معظمها يخوص الانتخابات لأول مرة.

ثالثا- حركات تكرس حضورها المنظم بمعظم دوائر لبنان. ومنها مجموعة “مواطنون ومواطنات في دولة” وأمينها العام الوزير السابق شربل نحاس، الذي يقول إن مجموعته الوحيدة تحمل برنامجا انتخابيا واضحا للخروج من الأزمة. وشكلت هذه المجموعة لوائح منفردة وغير مكتملة، بكل الدوائر، باستثناء دائرة “الجنوب الثالثة” وحملت شعار “قادرين”.

كما ظهرت حركة “سوا لبنان” التي أسسها بهاء رفيق الحريري حديثا، وترفع شعار “دعم قوى التغيير” دون أن يكون بهاء الحريري مرشحًا فيها. لكن هذه الحركة التي ترفع شعار السيادة وتغزو يافطاتها مناطق لبنان، تدعم سياسيا ولوجستيا وماديا، لائحتين: “لتبقى بيروت” في دائرة بيروت الثانية، ولائحة “النهوض بعكار” في دائرة الشمال الأولى” إضافة إلى دعم شخصيات في لوائح أخرى.

مواقف قوى التغيير

حاورت الجزيرة نت 3 شخصيات من لوائح هذه القوى، لتسليط الضوء على طبيعة معركتها، والضيوف هم: نجاة عون صليبا المرشحة عن المقعد الماروني في دائرة جبل لبنان الرابعة (الشوف-عاليه) على لائحة “توحدنا للتغيير”، علي مراد المرشح عن المقعد الشيعي بدائرة الجنوب الثالثة على لائحة “معا نحو التغيير”، وإبراهيم منيمنة المرشح عن المقعد السني بدائرة بيروت الثانية على لائحة “بيروت التغيير”.

نجاة صليبا تترشح في دائرة جبل الشوف-عاليه (مواقع التواصل)

نجاة صليبا: نصرخ بوجه المنظومة “كفى بطشا”

في دائرة جبل لبنان الرابعة التي يتنافس فيها 7 لوائح، يتمحور حضور الطائفة الدرزية ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي يسعى إلى تقليد الزعامة لنجله النائب تيمور جنبلاط، وهو يتحالف مع القوات اللبنانية بمعركته، مقابل تحالف سياسي آخر يضم التيار الوطني الحر، وحزبي الديمقراطي اللبناني برئاسة طلال أرسلان، والتوحيد العربي برئاسة وئام وهاب.

ومن بين لوائح المجتمع المدني في هذه الدائرة، برزت لائحة “توحدنا للتغيير” وتضم أكاديميين ووجوها برزت بحراك 17 أكتوبر/تشرين الأول.

صليبا واحدة من أعضاء اللائحة، لبنانية تحمل الجنسية الأميركية، وهي أستاذة الكيمياء التحليلية بالجامعة الأميركية في بيروت، حائزة على جائزة برنامج L’Oréal-UNESCO للنساء بالعلوم عام 2019، خولتها أن تكون واحدة من بين 100 امرأة في العالم بلغت ذلك.

وتقول إنها، مع زملائها باللائحة، تخوض المعركة الانتخابية بعد انفجار المرفأ في 4 أغسطس/آب 2020، إذ “شعرنا أننا مهددون بمنازلنا وبوجودنا، وأن السلطة لا تتوقف عن انتهاك كرامتنا”.

والواقع الأليم، وفق صيبا، دفع كثيرين لمغادرة لبنان “لكنني قررت مع آخرين ألا نغادر بلدنا وألا نستسلم بإعطائهم البلد كما يريدون، فذهبنا للمواجهة الديمقراطية عبر الانتخابات”.

وتقول “أينما كنا كتغييريين، نسعى لوضع حد لممارسة المنظومة الحاكمة، وأن نصرخ بوجههم كفى بطشا بمصائرنا، مقابل تكريس زعاماتهم ومصالحهم ووجودهم والتنعم بثرواتهم”.

وتشير صليبا إلى أن معركتهم الفعلية هي المطالبة بأبسط حقوق المواطنين من طبابة وأمن غذائي وتعليم ومعيشة، ووضع حد لموجات الهجرة التي أضحت خيارا قسريًا للشباب اللبنانيين “فيما لم يتركوا لنا شيئا من عناوين السيادة والحرية”.

وتتحدث الباحثة عن قمع يتعرض له مواطنون يريدون تأييد قوى التغيير، و”لكن نلحظ تفاعلا كبيرا مع خطابنا، خصوصا مع المغتربين المتحررين من سطوة ممارسات الأحزاب التقليدية”.

وتذكر أن معظم القوى التغييرية ولدت بعد 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، و”تواجه منظومة عمرها أكثر من 40 عاما، مما يعني أن طريق المواجهة طويل، ونحن حاضرون لهم، وسنتحضر كل سنة أكثر، لأن الخطاب التغييري المعارض يتنامى ككرة الثلج”.

وتضيف “عنوان لائحتنا السعي لإقرار قانون موحد للأحوال الشخصية، وتوفير كل السبل لتعزيز حقوق الإنسان والنساء تحديدا، كمعبر إلزامي لمواجهة المنظومة الزبائنية، ولبناء دولة يتساوى فيها الجميع تحت سقف القانون”.

ابراهيم منيمنة يقول أنهم يكسرون أحادية الحريري في بيروت - الجزيرة
إبراهيم منيمنة يقول إنهم يكسرون أحادية الحريري في بيروت (الجزيرة)

إبراهيم منيمنة: نكسر الأحادية بغياب الحريري

في دائرة بيروت الثانية ذات الغالبية السنية يتنافس فيها 9 لوائح، حيث ترك غياب الرئيس الحريري أثرا كبيرا بالمنافسة، وتحاول بعض لوائح المجتمع المدني التقدم، وفي طليعتها لائحة “بيروت التغيير”.

وإبراهيم منيمنة، من أبرز وجوه هذه اللائحة، وهو مهندس معماري ومخطط مدني وناشط سياسي، ترشح عام 2016 في لائحة “بيروت مدينتي” بالانتخابات البلدية، وترشح عام 2018 بلائحة “كلنا بيروت” بالانتخابات البرلمانية دون أن يحالفه الحظ، وكان فاعلا بمظاهرات 17 أكتوبر/تشرين الأول.

يعتبر منيمنة أن انكفاء الحريري أعطى فرصة لكثير من القوى التغييرية أن تتقدم. لكن الأساس، وفق منيمنة، إعطاء مؤشر لأهل بيروت أن الزعامة الأحادية تهدد وجودهم، وأن الاتكال على زعيم واحد، للحل والربط في المدينة، خطر كبير عليها، مما أدى بانسحابه لصنع فراغ كبير، بالقيادة وبالثقافة السياسية التي كانت مغيبة نتيجة التعويل على شخصه فقط.

ويقول إن الناس بالمناطق ذات الغالبية السنية لمست تداعيات هذا الفراغ، بينما “نحن نقدم خطابا سياسيا تغييريا ونموذجا مختلفا بالعمل، يتماهى مع الناس، بإطار ديمقراطي”.

ويشير منيمنة إلى أن عنوان مشروعهم “مواجهة المنظومة بخطاب مبني على فكرة الدولة المدنية والحقوق والمواطنة، ومواجهة السلاح غير الشرعي، وتوزيع خسائر عادلة بالجهاز المصرفي، وإعادة هيكلة الاقتصاد كي يصبح منتجا، ومعظمها تحتاج لدور فاعل للدولة بالشأن العام، يختلف عن الممارسات السابقة، التي تعتمد على المحاصصة الطائفية والزبائنية السياسية”.

أما العلاقات الإقليمية من وجهة نظرهم، فـ “لا بد أن تكون مبنية على المصلحة الوطنية، والتي يقرر شكلها الشعب اللبناني، في حين أنها اليوم تفرض السياسة الخارجية من جهة أركان المنظومة”.

ويعتقد منيمنة أن الدعوة لمقاطعة الانتخابات سقطت نسبيا بغياب الحريري، “إذ نلحظ زخما بالتصويت تجلى بانتخابات المغتربين”.

ويقول إن قوى التغيير نجحت لحد كبير في لبنان، و”أثبتت أن التجارب المناطقية التغييرية هي الأنجح، قابله تشبيك بين المجموعات ميدانيا ولوجستيا وإعلاميا لأن الهدف مواجهة المنظومة”.

علي مراد في دائرة الجنوب الثالثة يترشح على لائحة معا نحو التغيير - الجزيرة
علي مراد يترشح على لائحة “معا نحو التغيير” في دائرة الجنوب الثالثة (الجزيرة)

علي مراد: إنجازنا تاريخي بوجه الثنائي

في دائرة الجنوب الثالثة ذات الغالبية الشيعية، حيث يرتكز الثقل الشعبي لثنائي حزب الله وحركة أمل، سجلت أدنى عدد لوائح بين كل الدوائر، ويتنافس فيها 3 لوائح فقط، بينها الأوفر حظا لائحة الثنائي “الأمل والوفاء”. وبرزت في هذه الدائرة لائحة “معا نحو التغيير” وتضم شخصيات تخوض الانتخابات لأول مرة وبرزت أسماؤها بحراك 17 أكتوبر/تشرين الأول أيضا.

ومن وجوه اللائحة، الأكاديمي وأستاذ القانون علي مراد، الذي يقول إن لائحتهم “معا نحو التغيير” تخوض معركة كسر هيمنة التمثيل السياسي، وانخراط الجنوب بالمعركة الوطنية ككل.

ويشير إلى أن دائرتهم تضم رموزا أساسية للسلطة، ويترشح فيها النائب علي حسن خليل (حركة أمل) والمصرفي مروان خير الدين، بما يمثله من تقاطعات بين حزب الله وحركة أمل، وتقاطعات سياسية ومصرفية وعائلية وطائفية.

ويقول مراد “معركتنا ضد السلطة بلائحة موحدة في الجنوب شكلت إنجازا تاريخيا لنا، رغم إدراكنا صعوبة المواجهة لأنها منطقة نفوذ أساسية لحزب الله وحركة أمل”.

ويعتبر أن دائرتهم تجسد هيمنة السلطة وأحزابها جنوبا، مما يجعلها من الأكثر قساوة في ظل “السيطرة على مؤسسات الدولة وموارد البلديات والوظائف العامة. واستشراء الحالة الزبائنية كمشكلة مزمنة منذ سنوات، مقابل غياب تام للتعددية السياسية”.

ومع توحيد لائحة المعارضة جنوبا، يقول مراد “نقدم خيارات على المستوى الوطني والجنوبي، مقابل خيارات حزب الله الذي حمى النظام بعد 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ويعمل ويستمر بحمايته بالتحالف مع حركة أمل والتيار الوطني الحر وآخرين”.

ويتحدث عن تفاعل إيجابي لأهل الجنوب معهم، و”هو إنجاز إضافي بمنطقة لطالما يحجب أهلها التعبير عن رأيهم، والعبرة بصناديق الاقتراع، خصوصا أننا نسعى لتحقيق خرق وتسجيل حاصل أو أكثر بالدائرة”. في حين “تريد السلطة أن تعيد إنتاج نفسها بالانتخابات، وفي كل دائرة هناك لائحة معارضة يمكن للناخبين صب أصواتهم عليها”.

صور التغييريين في لبنان - الجزيرة
هل تنجح قوى التغيير في إقناع الشارع اللبناني ببرنامجها بعيدا عن الأحزاب التقليدية؟ (الجزيرة)

“القوى التجريبية”: أين أخفقت بخاطبها ومعركتها؟

ينطلق الأكاديمي والكاتب السياسي وسام سعادة مع الجزيرة نت من مقاربته الاصطلاحية للقوى المنبثقة عن المجتمع المدني، واصفا إياها بـ “القوى التجريبية”.

ويعتبر أن لبنان أمام حالتين: “القوى المجربة” التي لها باع طويل بالتجربة السياسية ودور متفاوت ساهم بما وصل إليه لبنان سياسيا ومعيشيا واقتصاديا وأمنيا، وتجربتها لا تبشر بالخير. مقابل “القوى التجريبية” -يقصد القوى المنبثقة عن المجتمع المدني- لديها آمال وتطلعات للتغيير، لكنها تفتقد للممارسة السياسية.

ويستفيض الباحث بشرحه باعتبار أن هذه القوى التجريبية لديها سمتان:

الأولى: قراءة تبسيطية واختزالية للواقع اللبناني، مرتبطة بثنائية “منظومة الأشرار مقابل الشعب” وهو يعكس بالعمق خطابا شعبويا. بينما الواقع اللبناني، برأيه، بحاجة ماسة إلى تمييز كل ملف عن الآخر، وكل فريق عن آخر.

الثانية: ثمة مسائل أساسية لا تقوم هذه القوى التجريبية بتوضيح موقفها منها. ويعطي مثالا: إذا تمكنت من حصد 10 مقاعد في البرلمان، لم توضح إن كانت ستتوحد بموقفها لجهة المشاركة بالحكومة أو عدمها، أو أسلوب فعلها بالسياسة بعد بلوغ الندوة البرلمانية.

ويسأل: هل ستكتفي بالاعتراض على كل شيء أم تفكر بكيفية التفاوض مع القوى النافذة والمسيطرة؟ هل هي مع مشاركة المجتمع المدني المعارض بالحكومات؟ وهل سيكون سلوكها مشابها لشخصيات منبثقة عن المجتمع المدني أصبحوا وزراء بحكومة حسان دياب وبعده نجيب ميقاتي؟

ويجد الباحث أن هذه القوى بالتكتيك السياسي تجريبية أيضا، إذ إن معظمهم يمتهنون السلبية على قاعدة رفض كل شيء كخيار أسهل.

ويقول “مفهوم الموالاة والمعارضة مشوه، إذ شهد لبنان دخول معارضات كثيرة إلى الحكومات المتعاقبة، وهذا لا يحدث بأي حكومة أخرى بالعالم”.

ويتحدث عن نوعين من المعارضة: المعارضة الإصلاحية داخل النظام، والمعارضة الجذرية ضد النظام وخارجه. وفي حالة لبنان، فإن القوى المنبثقة عن المجتمع المدني، تندرج تحت النوع الأول للمعارضة “لكن بنفس الوقت تلزم نفسها بشعارات ضد النظام ككل مما يفاقم التشوش وعدم الوضوح”.

ويوضح أن هذه القوى، وبصرف النظر عن عدد مقاعدها، ستدخل البرلمان بمواجهة استحقاقين: انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب، والمرشح الأقوى هو نبيه بري، وانتخابات رئاسية تحارب القوى المسيحية لأجلها وفي طليعتها التيار الوطني الحر، والأول توطئة للثاني.

ويذكر أنه ما بعد اتفاق الطائف، لم يتمكن لبنان كل الـ 6 سنوات من انتخاب رئيس جديد بانتظام، وكان هناك إما تمديد وإما فراغ دستوري بين رئاستين، أو تمديد ومن ثم فراغ دستوري.

وفي الوقت الذي تسود فيه لغة الطوائف، ومواجهة هذه الاستحقاقات والمسائل التي ستصبح أمرا واقعا منذ يوم 16 مايو/أيار، يرى سعادة أن هذه القوى أمام تحديات كبيرة تتطلب خطوات إجرائية، لا تنفعها السلبية الدائمة، وستحدد تاليا وزن فعلها السياسي أمام الرأي العام.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply