بيروت- بدأ العدد العكسي للانتخابات البرلمانية اللبنانية المقررة في 15 مايو/أيار 2022، مع إقفال وزارة الداخلية باب الترشّح بنهاية أول أمس الثلاثاء، وسط قلق من استحقاق يأتي على وقع انهيار تاريخي يعصف بالبلاد منذ نهاية 2019.

وأعلن وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي إغلاق باب الترشح على 1043 مرشحا، بينهم 115 امرأة (بنسبة 15%)، مقارنة بـ 976 مرشحاً بينهم 11 امرأة في انتخابات 2018.

ويتعيّن على المرشحين الانضمام للوائح (القوائم) الانتخابية قبل 5 أبريل/نيسان المقبل، ويسقط ترشّح من لا ينضم لأية لائحة، حيث يقوم القانون الانتخابي على النظام النسبي، ويكون الترشيح وفقه غير فردي بل ضمن قائمة انتخابية، وكذلك الاقتراع في 15 دائرة انتخابية، يكون للائحة مع إمكانية إعطاء “الصوت التفضيلي” لأحد أفرادها حصرا.

وتتنافس اللوائح التي ستشكلها الكتل السياسية، على 128 مقعدا برلمانيا، موزعة بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

وتظهر بيانات وزارة الداخلية اللبنانية أن أعداد الناخبين المسجلين بالقوائم الأولية ناهز 3.97 ملايين، بينهم أكثر من 225 ألف مغترب.

Members of a terrorist group planning suicide bombings detained in Lebanon
وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي أعلن إغلاق باب الترشح ليل الثلاثاء (الأناضول)

فما دلالات أرقام المرشحين؟

يشير رئيس شركة “الدولية للمعلومات” جواد عدرة، إلى أن وجود 1043 مرشحا، يعني وجود 70 مرشحا بالمعدّل لكل دائرة، و8 مرشحين لكل مقعد.

وقال عدرة إن عدد المرشحين يدل على أن لبنان سيكون أمام عدد كبير من اللوائح، وستأخذ المعركة طابعا شخصيا بين المرشحين. ويرجّح سعي بعض القوى السياسية لخلق لوائح انتخابية “ملغومة” بمرشحين غير مباشرين، لتشتيت الأصوات تسهيلا لمعركة فوزها.

تجري الانتخابات بغياب أبرز قيادات المكون السني بعد عزوف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عن المشاركة (رويترز)

عزوف قيادات التيار السنّي

إلى حين نضوج اللوائح، ستتضح الخطوط العريضة للمعركة الانتخابية طائفيا وسياسيا ومناطقيا وطبيعة التحالفات الناشئة عن ذلك، والمفارقة الأبرز، أن الانتخابات تجري لأول مرة منذ 30 عامًا بغياب قيادات الصف الأول من المكون السّني في لبنان.

ومقابل عزوف زعيم تيار “المستقبل” بزعامة سعد الحريري عن المشاركة بالانتخابات ترشحا واقتراعا، وهو صاحب أكبر كتلة سنية بالبرلمان الحالي مؤلفة من 19 نائبا، عزف عن الترشح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رغم وجود مرشحين له شمالي لبنان.

كذلك عزف رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة رغم دعمه لتشكيل لوائح في بيروت والمناطق ذات الغالبية السنية، وقبلهم امتنع عن الترشح رئيس الحكومة السابق تمام سلام.

تحديات القوى السنية

ومع ذلك، ثمة كثافة بأعداد المرشحين السّنة، مما يعني أن مناطقهم ستشهد تشكيل عدد كبير من اللوائح. وهنا، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي أمين قمورية، أن اعتكاف الحريري ترك شعورا لدى شريحة من القوى السنية، ومنها من انشقت حديثا عن “المستقبل”، أن لديها فرصة مواتية لتصدّر المشهد الانتخابي، ووراثة الأكثرية السنية بالبرلمان.

من ناحيته، يرى الكاتب والمحلل السياسي داوود رمال، أن عزوف القيادات السنية عن الترشح الشخصي قد يؤدي إلى أقل نسبة اقتراع بتاريخ الطائفة في لبنان.

لكن الكاتب والباحث في مركز كارنيغي مهند الحاج علي، يرى أن غياب هذه القيادات قد يصب في مصلحة شخصيات سنية تملك قدرة مالية لجلب الأصوات.

أمّا الشخصيات والقوى السنية المدعومة من حزب الله فلديها، وفق الحاج علي، قدرة على كسب مزيد من المقاعد. لكن يخشى الحزب، برأيه، من خلل بالبرلمان المقبل إذا كسب مقاعد سنية إضافية، كونه قد يمهد لاحتقان سني شيعي ليس من مصلحته، “فيما أولويات الحزب ألا يخسر الغطاء المسيحي، ويقطع الطريق على محاولات كسر حليفه التيار الوطني الحر”، الذي يملك حاليا أكبر تكتل مسيحي بالبرلمان.

وقال الباحث الحاج علي للجزيرة نت، إن مساعي الرئيس السنيورة لتشكيل لوائح سنية، بالتحالف مع زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وآخرين، “لا تعني أن قدرته التجييرية قوية كونه غير مشارك بالانتخابات”.

حركة أمل وحزب الله مرتاحان تجاه نتيجة الانتخابات اللبنانية
الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل يواجهان تحدي إنتاج الأسماء نفسها للمرشحين وغياب النخب الفكرية (الجزيرة)

تحديات البيئة الشيعية

ويُعد تحالف الثنائي حزب الله وحركة أمل الأقوى شيعيا، بظل غياب منافسين ندّيين لهما. ويقول قمورية للجزيرة نت إن معركة الثنائي هي قطع الطريق على أي خرق، ولو بمقعد، لقوى المعارضة في بيئتهما.

ويجد الكاتب رمال أن ثمة حالة اعتراض بالساحة الشيعية يتغاضى عنها كثيرون، ويرجّح ترجمتها بأسلوبين: شريحة تعتكف عن التصويت، وشريحة ستضع الأوراق البيضاء بصناديق الاقتراع.

وقال للجزيرة نت، إن أحد أسباب الامتعاض في البيئة الشيعية، هو إنتاج الثنائي للأسماء نفسها للمرشحين، دون فتح الباب أمام شخصيات تعبّر عن النخب الثقافية والفكرية والأكاديمية الشيعية.

ومع ذلك، تكمن قوة الثنائي بغياب المرشحين المنافسين الأقوياء، بحسب رمال، و”إغلاقه اللوائح بالكامل في مناطق نفوذه”.

وقال إن المعارضة الشيعية تعجز عن تشكيل لوائح قوية بمواجهة الثنائي، لأن الشهيات مفتوحة على الترشح، مما يفاقم تشتت الأصوات لصالح تكريس نفوذ حزب الله وحركة أمل.

إشكالية الساحة المسيحية

ويتصدر مشهد الساحة المسيحية صراع مرشحي القوى التقليدية، كالتيار الوطني الحر وحزب القوات والكتائب وتيار المردة، وعدد من الشخصيات والقوى المعارضة.

ويطرح أمين قمورية إشكالية الساحة المسيحية بالسؤال: هل يبقى التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل هو الأقوى مسيحيا، أم هناك قوى أخرى ستأخذ منه الأكثرية البرلمانية؟

يرى داوود رمال أن المال السياسي أكثر ما ينشط بالدوائر المسيحية، نظرا لوجود مرشحين متنفذين وكبار المتمولين، مما يصعب المعركة على فريق باسيل، وهو يواجه ضغوطا استثنائية وتحديدا بعد فرض عقوبات أميركية عليه، “إذا لم يجارِ خصومه ماليا”.

من جانبه، يجد مهند الحاج علي أن الساحة المسيحية ستشهد معركة شرسة تمهيدا لمعركة الانتخابات الرئاسية، و”سيتركز التنافس الانتخابي بين قوتين أساسيتين، لقضم الجزء الأكبر من مقاعد زعيم التيار جبران باسيل، وهما القوات اللبنانية ومجموعات المعارضة المسيحية”.

تحديات الدروز

أما في الساحة الدرزية، التي يتصدر وليد جنبلاط زعامتها، فتأخذ الانتخابات أبعادا حساسة، على قاعدة أنها معركة وجود. ويعتبر قمورية أن جنبلاط يخوض معركة سيطرته على الساحة الدرزية، وتحديدا بمنطقة الشوف، حيث ينافسه النائب السابق وئام وهاب، حليف حزب الله.

ولذلك، يتوقع الحاج علي أن يركز جنبلاط خطابه باتجاه الحفاظ على إرث الدروز التاريخي، كسبا لأكبر قدر من الأصوات والمقاعد.

تجري الانتخابات هذه المرة وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة يعانيها لبنان منذ عام 2019 (رويترز)

قوى غير جاهزة

وتتجه الأنظار لمرشحي القوى المعارضة المنبثقة عن انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، التي لم تتمكن من نسج ائتلاف موحد لها عابر للطوائف والمناطق، مما أنتج فائضا كبيرا بالمرشحين والمجموعات وتضاربا في العنوانين السياسية.

ويقول الحاج علي إن القوى البديلة غير جاهزة للانتخابات، لأنها لا تملك قدرة تمويلية ولا لوجستية ولا تنظيمية، ولا حتى آلة إعلامية لخوضها.

ويعتبر الباحث أن مواجهة النخبة السياسية معقدة للغاية، لأنها تمسك بمفاصل الدولة، ونجحت بتهريب أموالها للخارج. وقال إن “القدرة المالية للسلطة السياسية صارت أعلى بكثير من الانتخابات السابقة، مما يعزز نفوذها باستمالة المواطنين الذين دفعتهم الأزمة نحو فقر مدقع”.

مخاطر التأجيل

يعتقد الحاج علي أن الطبقة السياسية ليس من مصلحتها إجراء الانتخابات، و”بعضها يسعى خفية لتأجيلها، لكنها لم تجد الذريعة القوية حتى بانسحاب الأقطاب السنية التقليدية”.

ويقول رمال إن الانتخابات قائمة كمطلب دولي، ومسألة إجرائها لم تعد شأنا داخليا، إذ إن أي حدث إقليمي كبير مؤثر على لبنان يستطيع خلط الأوراق والحسابات فيه.

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply