بيروت- على مسافة أيام من إقفال باب الترشح للانتخابات البرلمانية في 15 مارس/آذار المقبل، يتفاقم الإرباك لدى القوى السياسية التي تمثل الطائفة السنية في لبنان.

ويرى مراقبون أن صدى تعليق زعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري لعمله السياسي ومشاركته بالانتخابات لم يهدأ حتى داخل صفوف التيار، إذ لم تتقبل بعض كوادره معنى الانسحاب من الحياة السياسية، وهو ما تجلى أخيرا بإعلان مصطفى علوش نائب رئيس تيار المستقبل استقالته من منصبه، علما أنه أحد أبزر مؤسسي التيار قبل 24 عاما، وواكب مسيرتي الرئيس الراحل رفيق الحريري ونجله سعد.

ورغم أن ما يعرف بالحريرية السياسية تصدرت زعامة الطائفة السنية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي وعرفت كتيار عابر للمناطق، فإن الطائفة تميزت بألوان سياسية مختلفة، بين حركات دينية كالجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع الإسلامية، وبين شخصيات موالية لحزب الله وقوى وزعامات مناطقية مثل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المتحدر من طرابلس، وهو لم يحسم أيضا خياره بالترشح.

ومع ذلك، سبب قرار الحريري، منذ نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، اهتزازا سياسيا كبيرا للحلفاء والخصوم.

وكي لا يفهم موقف الحريري بأنه دعوة لمقاطعة الانتخابات، بدأ حراك ديني تصدره مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وحراك سياسي من قبل قيادات من الطائفة السنية، للتشديد على ضرورة المشاركة بالانتخابات ترشحا واقتراعا.

حركة السنيورة

وفي نهاية فبراير/شباط الماضي أعلن رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة أنه يدرس خيار ترشحه للانتخابات في 15 مايو/أيار، ودعا الناخبين السنة للمشاركة الكثيفة وعدم المقاطعة، وهو ما عزز الانقسام داخل تيار المستقبل، بين مصرّين على الالتزام بقرار الحريري الذي اشترط عدم ترشح أحد من حزبه إلا إذا استقال من التيار، وبين مؤيدين لموقف السنيورة كمصطفى علوش.

وفي حديث للجزيرة نت، يقول السنيورة إن لبنان يشهد ما وصفها بـ”الأزمة الوطنية”، مشيرا إلى أن المعركة “بين من يريد الدولة ومن يتصرف بعكس منطقها، أي حزب الله”.

وقال إن انسحاب الحريري أثر سلبا في المشهد الوطني والطائفي، و”ما أفعله ليس انقلابا داخل الطائفة، وسأكون أول من يقف مع الحريري إذا عاد إلى الحياة السياسية”.

لكن السؤال برأيه: هل يجب السماح بمقاطعة الناخبين السنة للانتخابات؟ ويجيب أن فعلا كهذا “سيقود إلى هزيمة كبيرة لفكرة الدولة”.

والحل وفقا لرئيس الحكومة الأسبق “التصدي للمقاطعة كما يتيح الدستور، والدعوة للمشاركة الكثيفة بالانتخابات”.

ويؤكد بتصريحه أنه يعمل على تشكيل لائحة انتخابية في بيروت والمناطق ذات الثقل السني، والتي يملك قدرة على التأثير فيها، وفق وصفه. ويرى أنه غير مقيد بخيارات “المستقبل”، وأنه يتحرك انطلاقا من قناعاته وخبرته السياسية، “للتصدي لكل من يريد إبقاء الدولة رهينة لديه”.

ويشدد السنيورة على ضرورة عدم تخلي الطائفة السنية في لبنان عن دورها التاريخي، مذكرا أن موقفه يحتاج لاحتضان داخلي أولا، و”لاحتضان عربي وخليجي دفاعا عن التوازنات الطائفية اللبنانية”.

علوش وخلفيات الاستقالة

من جانبه، يكشف مصطفى علوش بعض جوانب خلافاته مع الحريري، ويقول للجزيرة نت إن استقالته نتيجة تراكمات، وإن موقعه بوصفه نائبا لرئيس التيار لم يتح له المشاركة في القرارات المصيرية، فكان مجرد متلق، رغم موقفه الرافض لانسحاب الحريري من الحياة السياسية.

ويتحدث عن تحذيراته المتكررة للحريري مما يسميه “خطورة إبقاء الساحة السنية فارغة للطارئين وموالي حزب الله”. ويشير إلى أن تفاهمه مع السنيورة جعله يواجه انتقادات داخل “المستقبل” واتهامات بعدم الوفاء، “فقدمت استقالتي 3 مرات حتى قبلها الحريري”.

وقال “هاجسي ليس الترشح أو عدمه بل الحد من الضياع الذي سبّبه الحريري لقاعدته جراء عدم تقديم إجابات واضحة عن المشاركة أو مقاطعة الاقتراع”. ويوضح أنه يعمل مع السنيورة ومجموعة من الشخصيات لتشكيل حالة سياسية، سواء بمشاركتهم المباشرة أو دعم إحدى اللوائح رغم التحديات المالية.

بالمقابل، تتصرف الشخصيات السنية الموالية لحزب الله كأنها غير معنية بخيارات “المستقبل” وقواعده، فتستكمل تحضيراتها للانتخابات وتنسج لوائحها وتحالفاتها في مختلف الدوائر.

وفي طليعة هؤلاء نواب “اللقاء التشاوري” المقربين من حزب الله، وهم: عدنان طرابلسي (جمعية المشاريع-بيروت)، فيصل كرامي (طرابلس)، جهاد الصمد (الضنية)، وليد سكرية (البقاع الشمالي)، عبد الرحيم مراد (البقاع الغربي).

ويرفض طرابلسي وصف حالة الطائفة السنية بالتخبط، “لأنها ليست حكرا على أحد”، وقال -للجزيرة نت- إن السنة اليوم يختبرون مخاضا لإفراز ممثلين جدد عنهم. وأكد طرابلسي جهوزيتهم لخوض الانتخابات مع حلفائهم، “لكننا لم ننته من تشكيل اللوائح”، ويرى أن تحدياتهم ترتبط بالوضع المعيشي والاقتصادي والسياسي.

الرابحون والخاسرون

يسلط الباحث والمتخصص بالشأن الانتخابي كمال فغالي الضوء على واقع الطائفة السنية منذ ما قبل تعليق الحريري عمله السياسي، متحدثا عن استطلاعات أظهرت أن الإحباط الشعبي والسياسي يصيب المناطق ذات الغالبية السنية أكثر من غيرها، لأنها “أكثر فقرا وتهميشا كمدن وقرى شمالي لبنان”.

ويوضح -للجزيرة نت- أن “المستقبل” تراجع حضوره الشعبي في السنوات السابقة، كأغلب الأحزاب، لكن انسحاب الحريري قد يؤدي برأيه إلى تغيير موازين القوة، “نظرا لاحتمال تشتت الأصوات ومقاطعة شريحة واسعة من مؤيديه”.

ويعود لانتخابات 2018، حين تصدرت لائحة “المستقبل” ببيروت المرتبة الأولى، وتلتها لائحة حزب الله. ويقول “أما إذا استمر الوضع هكذا “فقد يتمكن حزب الله من تصدر المرتبة الأولى ببيروت، ويكسب مقاعد سنية إضافية مؤيدة له عبر حلفائه في مختلف المناطق”.

ويضيف أن قوى التغيير والمعارضة السنية قد لا تتمكن من جذب كثير من الأصوات “بسبب انقساماتها وعدم توحدها بائتلاف واحد”.

بالتوازي مع ذلك، يرى الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب أن الارتدادات السلبية لانسحاب الحريري لن تنتهي، متوقعا -في حديث للجزيرة نت- أن تؤدي إلى تراجع حركة الترشيحات من الطائفة السنية، وأن تؤثر في نسبة المشاركة ونوعية من سيمثلونها بالبرلمان المقبل.

وقال إن التحدي الأساسي يتمثل في المواءمة بين قرار الحريري ومن سيملأ الفراغ، ويجد أن ثمة مراوحة واسعة من الاحتمالات المقبلة، ومنها:

  • ظهور زعامات سنية جديدة.
  • أو إعادة فتح بعض البيوتات السياسية السنية والتمكن من التقدم والتحرك.
  • أو “إهداء” بعض مقاعد هذه الشريحة إلى قوى 8 آذار وتحديدا حزب الله.
  • أو وصول شخصيات مؤهلة لتشغل المرحلة الانتقالية تمهيدا لعودة الحريرية المحتملة بعد 4 سنوات للانتخابات.

ويرى أيوب أن حركة السنيورة قد تشد العصب وتضفي حيوية ما، لكنه برأيه “لن يزيد نسبة المشاركة السنية كثيرا”. ويرجح مواجهته لمطب كبير “إذا قرر المستقبل الانتقال من الحياد الإيجابي إلى الحياد السلبي -وأتوقع ذلك- أي منع فوز السنيورة بأصوات تيار المستقبل”.

ويجد أن أكثر المتضررين مما يصفه بإرباك الساحة السنية هو الحريري وتياره، “لأن التجربة التي راكمتها الحريرية السياسية، وتحديدا منذ وصول رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة عام 1992 يُراد لها أن تُشطب”.

وخلافا لكثيرين، يرى أيوب أن المتضرر الثاني هو حزب الله الذي يناسبه وجود تيار معتدل على رأسه الحريري، ولا يناسبه تقدم مجموعات سنية مناهضة له، تختلف بسلوكها عن الحريري الذي كان يربط النزاع مع الحزب.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply