في دراسة جديدة -نُشرت في عدد شهر مارس/آذار الجاري بدورية “إيرث ساينس ريفيوز” (Earth-Science Reviews)- قام فريق بقيادة عالم الحفريات ماتس إريكسون من “جامعة لوند” (Lund University) السويدية، بجمع وتحليل الأبحاث السابقة لأحد الزواحف البحرية المعروف باسم “إكتيوصور” (Ichthyosaur).

وقام الفريق بتتبع التاريخ البحثي والتحليلي عن طريق تجميع البيانات الرقمية والتشريحية من البقايا الصلبة والرخوة، وإجراء مراجعة شاملة لمدة 300 عام، وربط تلك المعلومات بأحفورة مكتشفة حديثا، ومحفوظة بشكل استثنائي، وتمكن الفريق من إنشاء أحدث إعادة بناء علمية للإكتيوصور، وهو ما اعتبره علماء الأحافير أحدث إعادة بناء لحيوان قديم من عصور ما قبل التاريخ.

الإكتيوصورات

تنتمي الإكتيوصورات إلى الرتبة المعروفة باسم إكتيوصوريا أو إكتيوبتيرجيا، وهي تسمية قدمها السير ريتشارد أوين عام 1840. والإكتيوصورات من الزواحف البحرية المنقرضة التي عاشت في زمن الديناصورات، لكنها شكلت مجموعة منفصلة عن الديناصورات وربما لم تكن مرتبطة بها ارتباطا وثيقا.

وازدهرت الإكتيوصورات خلال معظم حقبة الدهر الوسيط، وظهرت لأول مرة منذ حوالي 250 مليون سنة، وبقي منها نوع واحد على الأقل على قيد الحياة حتى نحو 90 مليون سنة مضت.

وكانت الإكتيوصورات وفيرة بشكل خاص في وقت لاحق في العصر الترياسي وأوائل العصر الجوراسي، حتى تم استبدالها كأعلى الحيوانات المفترسة المائية بمجموعة أخرى من الزواحف البحرية، وفي أواخر العصر الطباشيري، تضررت بشدة من قبل حدث نقص الأكسجين، وانقرضت سلالتهم الأخيرة لأسباب غير معروفة.

وقد تركت الإكتيوصورات وراءها سجلا غنيا بالحفريات، وقد أصبح العلم مدركا لوجودها أوائل القرن التاسع عشر، عندما تم العثور على أول هياكل عظمية كاملة لها في إنجلترا، وفي وقت لاحق من ذلك القرن، تم اكتشاف العديد من حفرياتها المحفوظة بشكل ممتاز في ألمانيا، بما في ذلك بقايا الأنسجة الرخوة.

ربط الباحثون المعلومات المتراكمة على مدى 300 عام بأحفورة مكتشفة حديثا (إيرث ساينس ريفيوز)

اهتمام متجدد

ومنذ أواخر القرن العشرين، كان هناك اهتمام متجدد بالإكتيوصورات، مما أدى إلى زيادة عدد حفرياتها المكتشفة في جميع القارات، حتى وصلت إلى أكثر من 50 جنس معروف حتى الآن.

وتباينت أطوال الإكتيوصورات من متر واحد إلى أكثر من 16 مترا. وتشبه الإكتيوصورات الأسماك الحديثة والدلافين، لكن أطرافها تحولت بالكامل إلى زعانف، تحتوي في بعض الأحيان على عدد كبير جدا من الأصابع.

وتمتلك بعض الأنواع على الأقل زعنفة ظهرية. وقد كانت رؤوسها مدببة، وغالبا ما حمل الفكان أسنانا مخروطية تساعد في اصطياد الفريسة الأصغر. وكانت لبعض الأنواع أسنان أكبر حجما ذات نصل يمكنها من مهاجمة الحيوانات الكبيرة. وكانت العيون كبيرة جدا، وربما تكون مفيدة عند الغوص العميق.

وكان العنق قصيرا، وفي ما بعد كان للأنواع جذع صلب نوعا ما، وكان لهذه الزعانف أيضا زعنفة ذيل عمودية، تستخدم لضربة دفع قوية. واستمر العمود الفقري، المكون من فقرات مبسطة تشبه القرص، في الفص السفلي من زعنفة الذيل. وكانت الإكتيوصورات تتنفس الهواء وذات دم حار وتحمل صغارا، وقد يكون لديها طبقة من الدهن للعزل عن درجات الحرارة الباردة.

إعادة بناء رقمية للإكتيوصور عن طريق استخدام التقنيات الحديثة (إيرث ساينس ريفيوز)

لقاء رائع بين العلم والفن

وبحسب تقرير لموقع “ساينس ألرت” (Science Alert)، أوضح عالم الحفريات يوهان ليندغرين من جامعة لوند “كانت النقطة المرجعية لدينا هي سحلية سمكية تم العثور عليها في هولزمادن بألمانيا… كانت هذه الحفرية في السابق موضوعا لدراسة مكثفة حول بيولوجيا ولون عظايا الأسماك، وهو ما قمت به مع إريكسون والعديد من الزملاء الآخرين”.

متسلحا بعدد كبير من الأحافير، استعان الفريق بالفنان إسبن هورن لنحت إعادة بناء بالحجم الطبيعي لأنواع الإكتيوصورات “ستينوبتريجيس كوادريسيسس” (Stenopterygius quadriscissus)، واستغرقت العملية نحو عام، وتضمنت النحت على الصلصال والطباعة ثلاثية الأبعاد.

الحيوان الناتج ذو بشرة ناعمة، مثل السلاحف جلدية الظهر “ديرموشيليس كورييسيا” (Dermochelys coriacea) وهي من الزواحف البحرية الحالية. وخلصت الدراسات السابقة إلى أن هذا النوع، مثل الزواحف البحرية الأخرى، فقد مقاييسه في أثناء انتقاله التطوري إلى المحيط.

كما أنه منحوت كما لو كان محميا بطبقة من الجلد، وقد تم العثور على دليل على ذلك في أحفورة “ستينوبتريجيس” (Stenopterygius) الألمانية، وهذه الطبقة السميكة من الدهون كانت ستساعد في عزل الإكتيوصور عن درجات الحرارة الباردة.

مراحل متعددة لعملية إعادة البناء العلمية والفنية للإكتيوصور (إيرث ساينس ريفيوز)

وأظهرت أحافير الإكتيوصورات أيضا دليلا على الميلانوسومات، وهي عضيات خلوية تحتوي على صبغة داكنة من شأنها أن توفر حماية من الأشعة فوق البنفسجية. وتم العثور على الأسنان الصغيرة أيضا في الإكتيوصورات الحقيقية المتحجرة.

وقال الباحثون إن النتيجة هي لقاء رائع بين العلم والفن، وأحدث تمثيل للإكتيوصور حتى الآن. على الرغم من أنه من الممكن أن تظهر المزيد من المعلومات في المستقبل، فإن الفريق لا يتصور أن أي شيء سيتغير بشكل كبير.

قال إريكسون “إعادة البناء لدينا هي التفسير الأكثر حداثة علميا، ونأمل أن يكون صحيحا، لما بدت عليه هذه الحيوانات”. وأضاف “سيكون مفيدا للطلاب والباحثين الذين يرغبون في معرفة المزيد عن سحلية السمك الشهيرة”.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply