تعد الميتوكوندريا من العضيات الجوهرية في الخلية التي تضطلع بدور حيوي في إنتاج الطاقة. فهل لها أي أدوار أخرى غير معهودة؟

بينما تقرأ هذا المقال، فإن شعاعا من الضوء يعبر قرنيتك مسافرا عبر حدقة عينك وعدستها حتى يصل إلى شبكية العين؛ حيث توجد الخلايا المستشعرة للضوء -كالخلايا العصوية والمخاريط- التي تمرر بدورها هذه المعلومات البصرية إلى الدماغ بعد ترجمتها إلى إشارات كهربية في العصب البصري، ومن ثم تحدث الرؤية.

عدسات جديدة

غير أن دراسة حديثة -نشرت في دورية “ساينس أدفانسز” (Science Advances) في الثاني من مارس/آذار الجاري- قد أضافت عدسة جديدة لهذه العملية؛ إذ أشارت الدراسة إلى أن الميتوكوندريا -وهي عضيات خلوية مسؤولة عن إنتاج الطاقة في الخلية- تعمل كعدسات دقيقة للمساعدة في إيصال فوتونات الضوء إلى الخلايا العصبية.

وطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته “معاهد الصحة الوطنية” (National Institutes of Health) الأميركية، يقول الدكتور وي لي -اختصاصي الأعصاب وكبير مؤلفي الدراسة- “لقد دهشنا بهذه الظاهرة المذهلة التي تُظهر دورا مزدوجا للميتوكوندريا؛ فبالإضافة إلى وظيفتها الأيضية الراسخة التي تُنتج الطاقة، فإن لها دورا في عملية الإبصار”.

وتعد الميتوكوندريا عضيات دقيقة مذهلة؛ إذ تضطلع بإنتاج الطاقة، ومن ثم تمكن الخلية من إتمام وظائفها. ولو أنك تتذكر هيأتها مما درسته من مقررات في علم الأحياء، فإنك حتما تعرف أنها ليست ذاك الهيكل الذي قد يبدو فعالا في توجيه الضوء.

وقد استخدم الباحثون في هذه الدراسة سنجاب الأرض المخطط ليكون نموذجا مثاليا لدراسة هذه الظاهرة؛ إذ تمتاز هذه الحيوانات غير الليلية بامتلاكها الكثير من الخلايا المخروطية لتمييز الألوان. كما أنها لا تمتلك الكثير من الخلايا العصوية -مقارنة بغيرها من الثدييات الأخرى على الأقل- لتتمكن من الرؤية في الظلام، وهو الأمر الذي سمح للباحثين باستكشاف طبقة معزولة من هذه الخلايا المخروطية التي تحتوي على ميتوكوندريا حية.

الميتوكوندريا عضيات دقيقة مذهلة تضطلع بإنتاج الطاقة في الخلية (غيتي)

تمركز خاص

وللوصول إلى هذه النتائج، فقد تم تشريح الشبكية إلى 3 أجزاء، ومن ثم إزالة جميع الطبقات عدا الخلايا الحساسة للضوء (المستقبلات الضوئية) حتى يتم فحصها بالمجهر. وقد سلط الباحثون الضوء على هذه المستقبلات الضوئية التي تحتوي على ميتوكوندريا حية، وهو ما مكنهم من استكشاف دورها الجديد بوصفها عدسة دقيقة.

وقد بدا هذا الأمر غريبا بالنسبة للباحثين، إذ لاحظوا أن الميتوكوندريا تتموضع في الجزء الخارجي المستشعر للضوء في خلايا الشبكية المخروطية؛ ومن ثم، فإن هذا يعني إمكانية اصطدام فوتونات الضوء مباشرة بالميتوكوندريا، مما قد يتسبب في تشتت الضوء في اتجاهات مختلفة أو حتى امتصاصه. وهو ما سيمنع وصوله إلى الخلايا العصبية في نهاية المطاف. كما أن هذه العضيات المعقدة والغنية بالدهون ستؤثر على مرور الضوء كما يقول الباحثون.

ولكن على الرغم من إمكانية تشتت الضوء أو امتصاصه بفعل هذه العضيات، فقد أظهر الباحثون -باستخدام تقنيات التصوير المجهري والمحاكاة- أن الميتوكوندريا تركز الضوء ليسقط على الجزء الخارجي من خلايا الشبكية المخروطية. ومن ثم فإن هذا التموضع المحكم للميتوكوندريا يساعد على توجيه الضوء وتركيزه على خلايا الشبكية.

التموضع المحكم للميتوكوندريا يساعد على توجيه الضوء وتركيزه على خلايا الشبكية (غيتي)

خاصية “ستايلز-كروفورد”

ورغم أن الخلايا المخروطية للثدييات متشابهة إلى حد كبير، فإننا لا نستطيع الجزم بأن هذا الأمر يحدث في الخلايا البشرية أيضا؛ ولذا، فإننا بحاجة إلى مزيد من البحث.

وطبقا للتقرير الذي نشره موقع “ساينس ألرت” (Science Alert)، يذكر جون بول -المؤلف الأول للدراسة- أن هذه الوظيفة الشبيهة بالعدسة قد تفسر أيضا الظاهرة المعروفة باسم خاصية “ستايلز-كروفورد” (Stiles-Crawford).

وتعد خاصية “ستايلز-كروفورد” ظاهرة خاصة بالمستقبلات المخروطية، وتنص على أن الضوء الذي يدخل إلى مركز حدقة العين يُحدِثُ استجابة في الخلايا المخروطية أكثر من الضوء الذي يمر بالقرب من حافة الحدقة.

وقد اكتشف الفريق -بالأدلة التجريبية ومن خلال نماذج المحاكاة- أن تفاعل الميتوكوندريا مع الضوء يتطابق مع خاصية “ستايلز-كروفورد”، مما يعني أن الميتوكوندريا قد تكون هي السبب في هذه الظاهرة.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply