بينما يشرع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطته البديلة القائمة على عملية عسكرية ضخمة لمحاولة الاستيلاء على جزء صغير على الأقل من شرق أوكرانيا لتبرير حربه غير المشروعة ما زلت آمل أن يسعى هذا “الأحمق” في النهاية إلى صفقة قذرة لحفظ ماء وجهه ووقف الحرب.

هذا ما ذكره الكاتب الأميركي توماس فريدمان في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) قال فيه إنه فكر في من يمكنه أن يسدي لبوتين في هذه اللحظة أفضل نصيحة، واستقر خياره على أحد الأساتذة البارزين للإستراتيجية الكبرى في أميركا جون أركويلا الذي تقاعد مؤخرا كأستاذ متميز لتحليل الدفاع في كلية الدراسات العليا البحرية الأميركية.

ويضيف أنه عندما اتصل بأركويلا وسأله عما سيقوله لبوتين اليوم لم يتردد لحظة ورد “سأقول له: اجنح للسلم أيها الأحمق”، وهو ما علق عليه فريدمان قائلا “إن أول قاعدة بخصوص الحُفر هي أنك إن وقعت في إحداها توقف عن مزيد من الحفر”.

ولفت فريدمان إلى أن أركويلا لم يأت بتلك العبارة من فراغ، موردا قصة من الحرب العالمية الثانية مفادها أنه بعد إنزال النورماندي في 6 يونيو/حزيران 1944 وما تمخض عنه من نصر للحلفاء على القوات الألمانية، وعقب فشل الألمان تحت قيادة المارشال غيرد فون روندستيدت في هجومهم المضاد قام هذا القائد بالاتصال ببرلين لإبلاغ رئيس أركان الجيش فيلهلم كايتل بما حصل، فسأله “ما الذي يجب أن نفعله الآن؟”، ليرد عليه فون روندستيدت “اجنحوا للسلم أيها الحمقى، ما الذي يمكنكم فعله غير ذلك؟”.

وفي اليوم التالي -يقول أركويلا- تمت تنحية فون روندستيدت، وهو ما لا يختلف كثيرا عما فعله بوتين للتو، إذ جلب جنرالا كبيرا جديدا ساعد على سحق المعارضة في سوريا بوحشية مفرطة لإدارة المرحلة الثانية من حربه، مشيرا إلى أن ذلك لم ينجح مع الألمان.

لكن -ودون تقديم أي تنبؤات- أوضح أركويلا سبب اعتقاده بأن جيش بوتين أيضا يمكن أن يواجه في هذه المرحلة الجديدة من الحرب مقاومة شرسة من الأوكرانيين رغم ما يعانونه من نقص في القوة والعتاد.

وأوضح فريدمان أن أركيولا قال إن الإستراتيجية التي يستخدمها الأوكرانيون حاليا تتماشى مع 3 قواعد جديدة للحرب كان هو قد أوجزها في كتاب له عن التحديات الجديدة للحروب.

أما أولى تلك القواعد فهي حسب أركيولا “الكثير الخفيف يتغلب على الفضفاض الثقيل”، وهو ما قال إنه ينطبق على الأوكرانيين الذين يتحركون في وحدات صغيرة مسلحة بأسلحة ذكية، وهي بذلك قادرة على تعطيل تشكيلات أكبر بكثير ومهاجمة طائرات مروحية بطيئة الحركة وما إلى ذلك.

وعلى الرغم من أن الروس يفوقونهم عددا فإن الأوكرانيين لديهم وحدات أكثر بكثير مما يوجد لدى الروس، وعادة ما يتراوح عدد عناصر الفرقة الواحدة بين 8 و10 رجال.

ويؤكد أركويلا أن هذه الوحدات الأوكرانية الصغيرة المسلحة بأسلحة ذكية دقيقة التوجيه مثل الطائرات المسيرة الانتحارية والأسلحة المضادة للطائرات والأسلحة الخفيفة المضادة للدبابات “يمكن أن تقضي على وحدات الدبابات الروسية الأكبر والأكثر تسليحا”.

أما القاعدة الثانية للحرب الحديثة التي تجري في أوكرانيا فهي أن من يكتشف الآخر أولا يتمكن من تحييده، خصوصا إذا كان العدو مكونا من عدد قليل من الوحدات الكبيرة، مثل قافلة بطول 40 ميلا من الدبابات وناقلات الجند المدرعة، فهنا يكفي الأوكرانيين لتحويل حياة المهاجمين إلى جحيم استخدام فرق صغيرة دون الاضطرار إلى تطويقهم بقوة متساوية.

وعن الكيفية التي أصبح بها الأوكرانيون بارعين في اكتشاف عدوهم بسرعة، يقول أركيولا إنهم يستفيدون بشكل جيد للغاية من الطائرات المسيرة الصغيرة، خاصة تلك الطائرات التركية الخارقة، حسب وصفه.

وفضلا عن ذلك كله، يرى أركيولا أن أجهزة الاستشعار البشرية -فيلق المراقبين الأوكرانيين غير الرسمي- هي التي تدمر الروس، إذ يمكن للجدات والأطفال وأي شخص آخر لديهم هواتف ذكية أن يتفوقوا على الأقمار الصناعية، وفقا للكاتب.

إنهم -حسب أركيولا- يتصلون ليكشفوا للجيش الأوكراني المواقع التي توجد فيها الوحدات الروسية وإلى أين تتحرك، وبالتالي فإن ذلك يمنح تلك القوات هذه الميزة الكبيرة في العثور على الروس في هذا البلد الكبير، وهو ما يوفر لوحداتهم الصغيرة المزودة بأسلحة ذكية معلومات استخباراتية في الوقت الحقيقي يمكن استغلالها فورا.

وبخصوص القاعدة الثالثة، يقول أركيولا إن الحرب لم تعد فقط لعبة أرقام، فلم يعد يحتاج فيها لتلك الأعداد الكبيرة حتى يثخن طرف في عدوه، ضاربا مثالا على ذلك مقاطع فيديو انتشرت لقافلة طويلة من الدبابات الروسية يفاجئها الأوكرانيون بإعطاب الأولى منها والأخيرة، وبالتالي جعل القوات الروسية غير قادرة على المناورة وانتهاز ما يتيحه ذلك من فرص.

وعن توقعات أركيولا لتطور الأحداث في أوكرانيا، يقول إن الروس سيستمرون في استخدام القصف المكثف، وسيكونون أقل تحفظا عند القيام بذلك في شرق أوكرانيا مما كانوا عليه في أراضيها الغربية.

ويضيف أركويلا “أنا لا أقول إن الروس سيُطردون من شرق أوكرانيا، وإنما أحاول الإجابة عن السؤال: لماذا كان أداء الأوكرانيين جيدا لهذه الدرجة؟ ذلك لأنهم طبقوا كل هذه القواعد الجديدة للحرب الحديثة”، حسب قوله.

وعلق فريدمان على ذلك بالقول إنهم سيستمرون بالتأكيد في اتباع نفس النهج، مما ينذر بجولة حرب جديدة طويلة ورهيبة ومدمرة بشكل متبادل، إذ من غير المرجح أن يتمكن أي من الطرفين من توجيه الضربة القاضية للآخر، وبعد ذلك من يعلم ما الذي سيحدث؟ يتساءل فريدمان.

ويضيف “ما زلت آمل أن يسعى بوتين الأحمق في النهاية إلى التوصل لاتفاق قذر يحفظ له ماء وجهه يتضمن انسحابا روسيا، ونوعا من الوضع المستقل للمناطق الشرقية الأكثر ولاء لروسيا في دونيتسك ولوغانسك، وتخلي أوكرانيا عن المطالبة بالانضمام إلى حلف الناتو، مع منح كييف الضوء الأخضر للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وإعطائها ضمانات أمنية ضد أي غزو روسي جديد”.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply