قبل المغادرة على كل سائق أن يواجه تحدي ملء خزان الوقود في سيارته، وهذا قد يكون صعبا للغاية في مناطق قصفت أو حوصرت، كخاركيف وسومي وتشيرنيهيف وماريوبول والعاصمة كييف.

لفيف (غرب أوكرانيا) – ملايين الأوكرانيين ينزحون بسبب الحرب، وفكرة النزوح تراود ملايين آخرين؛ بعضهم يرجو مكانا ما في القطارات المتجهة إلى غرب البلاد، وآخرون يستقلون السيارات الخاصة لهذا الغرض، بينما تندر رحلات الحافلات الدورية.

سَعد من وجد مكانا للجلوس أو الوقوف في أي قطار، حتى وإن كانت الرحلة تستغرق ما بين 9-12 ساعة، فأعداد القطارات قليل جدا بالنسبة لأعداد النازحين، ولا يهم الكثيرين إلى أي مدينة تتجه، ما دامت تتحرك صوب الغرب “الأكثر أمنا”.

لكن راكبي السيارات الخاصة أمام حرب أعصاب وعذاب سفر لم يشهدوه من قبل، يبدأ قبل الانطلاق، ولا ينتهي بالضرورة بعد الوصول.

Ukrainians leave to Poland due to Russian bombing
ازدحام مروري بسبب النزوح الكثيف من أوكرانيا نحو الحدود البولندية (الأناضول)

تحدي الحصول على الوقود

قبل المغادرة وترك البيوت على أمل العودة، على كل سائق أن يواجه تحدي ملء خزان الوقود في سيارته، وهذا قد يكون صعبا للغاية في مناطق قصفت أو حوصرت، كخاركيف وسومي وتشيرنيهيف وماريوبول والعاصمة كييف.

معظم محطات الوقود مغلقة بسبب انقطاع الإمدادات، أو تحدد سقفا معينا لحجم الشراء، لا يكفي لقطع أكثر من 200-300 كيلومتر، من أصل رحلة قد تتراوح ما بين 500-1300 كيلومتر؛ وإذا وجد الوقود، فطوابير السيارات أمام المحطات قد تطول عدة كيلومترات، مع إمكانية النفاد قبل الوصول، ناهيك عن ارتفاع الأسعار.

ولهذا، على كل سائق هنا أن يتأخر ليؤمن ملء خزان سيارته، والحصول على احتياطي كاف، وإلا فإنه سيضطر للوقوف في طوابير الانتظار بعد مسافات بعيدة؛ ومن لم يفعل، أو عول على وجود محطات قريبة في الضواحي، ستنقطع به السبل على الطريق، وقد لا يجد -حينها- مخرجا من هذه المصيبة.

والبرد الشديد يحتم على السائقين إبقاء السيارات تعمل دون توقف، خاصة إذا كان الركاب من الأطفال وكبار السن، ما يعني أن مصروف الوقود سيزيد بنسبة كبيرة.

أزمة مرورية خانقة

وتضاف إلى المعاناة السابقة حقيقة أن الازدحام المروري على الطرق خارج المدن خانق، لدرجة أن رحلة النزوح قد تستغرق أياما بدلا من الساعات، وغالبا عبر طرق بديلة، أو فرعية، بعضها سيئة جدا، بحكم أن الطرق الرئيسية مقطوعة، أو “مستهدفة” من قبل القوات الروسية.

على سبيل المثال، الرحلة اليوم من كييف في وسط أوكرانيا إلى لفيف في الغرب ليست مباشرة عبر منطقتي جيتومير وريفا، ولا تستغرق نحو 5 ساعات كما كانت، بل على السائقين الاتجاه جنوبا أولا، ثم الانعطاف نحو الغرب، مرورا بمدن ومناطق بيلا تسيركاف وفينيتسا وخميلنيتسكي وتيرنوبول، وهذا يستغرق نحو 2-3 أيام.

أما رحلة النزوح من مناطق شرقية كخاركيف، أو شمالية شرقية كسومي وتشيرنيهيف، أو جنوبية شرقية كماريوبول، فتستغرق ما بين 4-6 أيام.

وقوافل السيارات عند كل منعطف أو حاجز أمني قد تمتد عشرات الكيلومترات، خاصة على مداخل ومخارج المدن الكبرى، وتجاوز بعضها يعني قطع 5-7 كيلومترات خلال 4-5 ساعات على أقل تقدير.

Ukrainian Women And Children Arrive In Budapest Fleeing Russian Invasion
وصول أوكرانيين معظمهم نساء وأطفال إلى بودابست فرارا من الحرب الروسية (غيتي)

نوم في السيارات بلا راحة

معظم النازحين يضطرون للنوم جلوسا أو على أغراضهم في المركبات، خاصة أن جميع الفنادق على الطرق والمدن المؤدية إلى الغرب شاغرة، وإذا ما دخل حظر التجول في مكان ما، شُلت الحركة تماما، وكان على الجميع النوم، حتى وإن جافاهم.

وعلى أطراف الطرق تتناثر سيارات النائمين، الذين خارت قواهم تعبا ونعسا، وبعضها يكون في أماكن نائية، بعيدة عن أي عمران، وتضعف فيها شبكات الاتصال لدرجة العدم تقريبا.

ولأن معظم محطات الوقود مغلقة أيضا، حُرم النازحون من فرص الراحة وقضاء الحاجة في أماكن مغلقة، أو حتى الاستعانة بشراء ما يسكت الجوع ويعين على تحمل صعوبة الطريق.

مخاطر محدقة في كل مكان

وهكذا، يبقى النازحون على أعصابهم حتى النهاية، معرضين للكثير من التحديات والمخاطر، التي تشمل انتهاء الوقود، وإمكانية تعطل المركبات، أو التعرض لطارئ أو حادث ما، من دون أمل بمساعدة سريعة.

وفي النهاية أيضا، يبقى تحد كبير بالنسبة لكثيرين، عنوانه العثور على مكان يؤويهم في المستقر بعد رحلة العذاب هذه، أو سبيل لخروج يسير عبر المعابر الحدودية إلى دول أوروبية مجاورة.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply