ليلى الخليلي لم تتردد في تبني فكرة غرفة العلاج باللعب بوصفها مشروعا فريدا يحتاجه أطفال غزة، الذين يعانون مشكلات سلوكية مختلفة بسبب الحروب الإسرائيلية.

غزة- حققت الأخصائية النفسية منار سلمي نجاحا ملفتا مع الطفل مجد (6 أعوام) في إطار “غرفة العلاج باللعب”، وهي مبادرة فريدة من نوعها في قطاع غزة، تهدف إلى مساعدة الأطفال في التخلص من سلوكيات طارئة.

لشهور طويلة، منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة في مايو/أيار من العام الماضي، ظل الطفل مجد يعاني من الخوف واضطرابات النوم وفقدان الثقة.

وتقول سلمي للجزيرة نت خلال أيام قليلة من التزام مجد بنشاطات “غرفة العلاج باللعب”، بموجب “موافقة مستنيرة” من الأهل، تتضمن “تعاقدا سلوكيا” بين ذوي الطفل والغرفة للقيام بأدوار تشاركية، وباستخدام معززات إيجابية تشجيعية للطفل، كانت النتائج إيجابية وتحققت في وقت قياسي.

وفي حالة الطفل مجد، الذي هجر غرفة نومه منذ الحرب وأصبح أكثر التصاقا بوالدته وتمسكا بالنوم إلى جوارها، استخدمت سلمي -بمساعدة أسرته- معززات إيجابية لمدة أسبوع واحد، كالجوائز التحفيزية، وكانت النتائج ملفتة، فقد استعاد ثقته في نفسه، وأصبح أكثر قدرة على التعبير، وهو الآن في مرحلة التعافي كليا من آثار الخوف التي علقت به.

غرفة العلاج باللعب وجدت تفاعلا من ذوي الأطفال في الأيام الأولى من افتتاحها (الجزيرة)

منهجية العلاج باللعب

مجد ليس حالة استثنائية في غزة، وبحسب سلمي فإن نتائج مسح على أطفال “روضة أحباب الطفولة”، وعددهم 450 طفلا وطفلة، أظهرت حاجة 55 طفلا وطفلة إلى تدخلات لمساعدتهم على التخلص من سلوكيات علقت بهم، جلها نتيجة الحروب والاعتداءات الإسرائيلية، وتركت آثارا سلبية على حياتهم اليومية.

ولا يوجد تقدير دقيق لأعداد الأطفال الذين يعانون من مشكلات نفسية مرتبطة بالاحتلال وسياساته ضد غزة، غير أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” (UNICEF)، قالت في تقرير لها في يونيو/حزيران الماضي، وبعد أسابيع قليلة من توقف الحرب، إن مليون طفل يعيشون في غزة، يعاني 250 ألفا منهم من مشكلات نفسية.

ولا تفضّل سلمي استخدام أوصاف مثل “أمراض أو مشكلات نفسية” مع حالات الأطفال التي تتعامل معها غرفة العلاج باللعب، وتقول هي سلوكيات طارئة أبرزها الخوف والعناد والتشتت الذهني والقلق واضطرابات النوم، وتحتاج إلى الكثير من الصبر في التعامل معها من أجل تعديلها واستعادة الطفل شخصيته المتزنة.

وتعتمد الغرفة برنامجا جمعيا يتضمن 12 جلسة، يتم من خلاله تقسيم الأطفال إلى مجموعات من 5 أفراد، وتوفير مساحة آمنة لهم للتعبير عن مشاعرهم من خلال اللعب، وهي بمثابة “مرحلة معاينة” الهدف منها الكشف المبكر عن السلوكيات الطارئة على الأطفال، التي تستلزم ما وصفته الأخصائية النفسية بـ”تدخل تعديل السلوك”.

وإثر ذلك، والحديث للأخصائية سلمي، يتم فرز هؤلاء الأطفال إلى برنامج الجلسات الفردية للتعامل مع كل طفل بخطة تعديل سلوك تناسب حالته، وبمشاركة فاعلة من الأسرة التي يتوجب عليها توقيع “موافقة مستنيرة” تمنح الغرفة الموافقة على التعامل مع طفلها، وتتعهد في الوقت نفسه بالقيام بدور مساند في المنزل للوصول إلى النتائج المرجوة بأسرع وقت.

افتتاح أول غرفة للعلاج باللعب في غزة بجهود تطوعية لمساعدة الأطفال على التخلص من السلوكيات الطارئة (الجزيرة)

فكرة وطموح

واستلهمت ريم جعرور مؤسسة فريق “إنكلوجن كرو” (INCLUSION CREW)، الذي تصفه بأنه “تطوعي إنساني”، فكرة تأسيس أول غرفة للعلاج باللعب خاصة بالأطفال في عمر ما دون المدرسة من تجربتها الشخصية مع أطفالها الثلاثة: مريم (7 أعوام) ومحمد (6 أعوام) والرضيعة سارة.

وكانت غرفة ألعاب أطفالها المنزلية “مصدر إلهام” لها للتفكير في تأسيس غرفة تعتمد منهجية علمية للكشف المبكر عن سلوكيات طارئة على الأطفال، سواء الناجمة عن حروب وعنف الاحتلال، أو بفعل تداعيات جائحة كورونا، وتقول جعرور -للجزيرة نت- إن الغرفة تعتمد أسلوب الملاحظة للكشف المبكر، ومن ثم وضع برنامج تعديل سلوك بالتوافق مع الأسرة.

وتمثل نوعية الألعاب، التي اختارتها جعرور بناء على دراسات علمية، ولكل منها دلالة على سلوك معين أو أكثر، أدوات مهمة تساعد الأخصائية النفسية خلال جلسات محدودة على التشخيص الدقيق للسلوكيات الطارئة على شخصية الطفل، وبالتواصل مع الأهل يتم تأكيد التشخيص، مبديةً إعجابها بالوعي الكبير من أهالي الأطفال وتجاوبهم مع الغرفة في أيامها الأولى.

وتأمل جعرور بعد تقييم المرحلة الأولى التي تمتد لثلاثة أشهر، ودراسة نتائج عمل الغرفة وأثرها على الأطفال في “روضة أحباب الطفولة” في مدينة غزة، من الانتقال إلى مرحلة تطوير الغرفة، وتعميم الفكرة على رياض الأطفال في مدن قطاع غزة كافة.

تعاني نسبة كبيرة من أطفال غزة من سلوكيات طارئة بسبب تداعيات الحروب والاعتداءات الإسرائيلية (الجزيرة)

جيل آمن ومستقر نفسيا

وقالت مديرة الروضة ليلى الخليلي للجزيرة نت إنها لم تتردد في تبني فكرة غرفة العلاج باللعب بوصفها مشروعا فريدا يحتاجه أطفال غزة، الذين يعانون مشكلات سلوكية مختلفة، وأكثرها شيوعا التشتت ونقص التركيز وفرط الحركة ونوبات الغضب الشديد والعناد والخوف والخجل.

وبدت الخليلي راضية عن النتائج التي حققتها الغرفة مع أطفال الروضة حتى اللحظة، وقالت “رغم المدة القصيرة على تأسيس الغرفة وافتتاحها، فإنها تحقق نجاحات يومية في التعامل مع الأطفال، وتساهم في الحد من الظواهر النفسية والسلوكية (السلبية) عبر منهجية العلاج باللعب”.

واستنادا إلى هذه النتائج، والتعاطي الإيجابي من ذوي الأطفال مع الغرفة ونشاطاتها، تدعم الخليلي تطوير الفكرة وتعميمها لتصبح في كل روضة على مستوى قطاع غزة غرفة للعلاج باللعب، تقدم الدعم النفسي للأطفال قبل دخولهم المدرسة من أجل بناء جيل مستقر وآمن نفسيا.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply