غزة – تهدد الحرب الروسية على أوكرانيا بانهيار عملية إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة، وتواجه شركات المقاولات المحلية خطر الإفلاس، جراء ما تصفه بـ”الارتفاع الجنوني” لأسعار مواد البناء والإنشاءات.

ويخشى المقاول الفلسطيني حاتم حسونة أن لا يتمكن من تسليم مدارس تعرضت لتدمير في الحرب الإسرائيلية في مايو/أيار 2021، كان قد تعاقد على إعادة إعمارها وتسليمها قبل بدء الموسم الدراسي الجديد في سبتمبر/أيلول المقبل.

وقال حسونة -للجزيرة نت- إنه تقدم قبل نحو 3 أشهر للفوز بعقد إعادة إعمار هذه المدارس، بناء على أسعار لمواد البناء مختلفة تمامًا عن الأسعار الحالية التي شهدت قفزة عالية تقدر بنحو 35%، وذلك يشكل خسارة فادحة.

خطر الإفلاس

وبسبب هذه الخسائر نتيجة فروق الأسعار يتوقع حسونةإذا استمرت الأزمة الحالية مدة أطول أن تعلن بعض شركات المقاولات إفلاسها، وخروجها من سوق العمل نهائيا، وذلك يترتب عليه تعميق أزمة البطالة وارتفاع معدلات الفقر في غزة التي تعاني بالأساس من تردٍّ خطير في الأوضاع المعيشية.

وحسب سجلات اتحاد المقاولين في غزة، فإن 250 شركة تعمل في قطاع المقاولات والإنشاءات، تشغل أكثر من 30 ألف عامل بشكل مباشر، إضافة إلى إسهامها في توفير نحو 20 ألف فرصة عمل أخرى في مهن مرتبطة بهذا القطاع.

ويعمل لدى حسونة في شركته 98 موظفا برواتب شهرية ثابتة، يعيلون عائلات مكونة من نحو 600 فرد، ويقول إن قطاع المقاولات يعاني من أزمات مركبة منذ بضع سنوات، تخللتها معوقات مرتبطة بجائحة كورونا والحرب الإسرائيلية، وتداعيات الانقسام الداخلي، لتأتي الحرب الروسية وتعمق هذه الأزمات.

ويحذر حسونة من “كارثة حقيقية” ستؤثر في مناحي الحياة كافة في غزة لدى انهيار قطاع المقاولات، ومنع وقوع هذه الكارثة يتطلب تدخلا عاجلا من كل الجهات المعنية.

هذا التدخل يحدده المقاول أسامة كحيل -للجزيرة نت- بـ3 خيارات، هي: وقف المشاريع مؤقتا مع دفع المصاريف الإدارية للمقاولين، إلى حين انقشاع الأزمة، أو فسخ العقود ودفع تعويضات للمقاولين عن ما يترتب على ذلك.

والخيار الثالث الذي يفضله كحيل هو الاستمرار بالعمل مع تكفل الحكومة بشكل أساسي، والمانحين أيضا، بتحمل فروق الأسعار، لمنع انهيار الشركات وتسريح العمالة والتسبب في أزمة بطالة حادة.

كحيل الذي شغل منذ سنوات طويلة منصب نقيب المقاولين يدعم موقفه من تبنّي هذا الخيار بأن هناك مشاريع إستراتيجية لا يمكن وقف العمل بها مثل بناء المستشفيات والمدارس، وإعادة إعمار المنازل التي تعرضت للتدمير في الحرب، وذلك يستدعي تضافر الجهود من أجل منع “انهيار منظومة الحياة والعمل كليا في غزة”.

نحو 100 شركة مقاولات على الأقل مهددة بالإفلاس في غزة (الجزيرة)

أزمات مركبة

وقال نقيب المقاولين في غزة المهندس علاء الأعرج -للجزيرة نت- إن مشاريع البناء والإنشاءات تواجه “خطر التوقف الإجباري”، بفعل الارتفاع المتسارع لأسعار مواد البناء التي تفوق قيمها كثيرا نسب أرباح شركات المقاولات.

وقدّر الأعرج أن 100 شركة مقاولات على الأقل مهددة بالإفلاس، إذا لم تسفر الجهود الحالية التي يبذلها الاتحاد مع الجهات المشغلة والمانحين الدوليين عن تدخل وتحمل فروق الأسعار الهائلة الناتجة عن “التأثيرات الصارخة” للحرب الروسية.

وبرأي الأعرج فإن تداعيات هذه الحرب كانت أشد على غزة من غيرها من دول العالم، بفعل ما تعانيه أساسا من هشاشة المنظومة الاقتصادية، جراء سنوات الحصار الطويلة والقيود والحروب الإسرائيلية.

وتسببت هذه القيود، فضلا عن تداعيات جائحة كورونا في العامين الماضيين، في خروج أكثر من 100 شركة من سوق العمل، تاركة وراءها -حسب الأعرج- آلاف القضايا العالقة والمشكلات المالية التي تفتك بالمجتمع، محذرا من “كارثة أشد وأكبر” قد تؤدي إلى الانهيار التام.

وقال إن قطاع المقاولات هو الأكثر تضررا من تداعيات الحرب الروسية، وتأثيرها على أسعار مواد البناء والإنشاءات، التي شهدت ارتفاعا بنسبة 36% على سعر الحديد، و60% على سعر خلطة الأسفلت “البيتومين”، و40% على سعر الألمنيوم، و35% على سعر النحاس 35%، وجميع المواد الأخرى.

وفضلا عن ذلك، ارتفعت أجرة النقل البحري لشحن مواد البناء الواردة إلى غزة من ألفي دولار إلى 17400 دولار، ويقول الأعرج إن هذه الأجرة ارتفعت بعد جائحة كورونا إلى نحو 5 أضعاف، وزادت أكثر بعد اندلاع الحرب الروسية، حتى إن أجرة النقل أصبحت تفوق أسعار بعض مواد البناء الواردة أساسا.

تواجه شركات المقاولات في غزة خطر الإفلاس والانهيار بفعل تداعيات الحرب الروسية على الأسعار-رائد موسى-الجزيرة نت
شركات المقاولات في غزة تواجه خطر الإفلاس والانهيار بفعل تداعيات الحرب الروسية على الأسعار (الجزيرة)

قيود

واستدعت هذه الأزمة تشكيل لجنة مشتركة مؤلفة من وزارة الأشغال العامة والإسكان واتحاد المقاولين، للبحث مع الجهات المانحة، بغية “احتواء الموقف”.

وقال وكيل الوزارة المهندس ناجي سرحان -للجزيرة نت- إن هذه اللجنة لم تصل حتى اللحظة إلى آلية متوافق عليها مع الجهات المعنية، لأسباب عدة، أبرزها “قيود شروط التمويل”.

وأكد سرحان أن عملية إعادة الإعمار التي لم تشهد “انطلاقة حقيقية” بعد نحو 10 شهور من الحرب الإسرائيلية ستتأثر على نحو خطير بتداعيات الحرب الروسية وارتفاع الأسعار.

ويرجع سرحان البطء الشديد في إعادة الإعمار إلى ما وصفها بـ”التحضيرات المبالغ فيها” من جانب الممولين، وتأخر وصول الأموال، مقدرًا ما أُنجز حتى اللحظة بنحو 5% فقط من مشاريع إعمار ما دمرته الحرب.

وتقدر وزارة الأشغال العامة والإسكان قيمة إعادة الإعمار بأكثر من 400 مليون دولار، كخسائر مباشرة للحرب الإسرائيلية التي أسفرت عن دمار هائل لآلاف المنازل والوحدات السكنية، والبنى التحتية، والمنشآت التجارية والصناعية.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply