حالة من الاستنفار تعيشها وزارات الدفاع الأوروبية بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، ومحاولة العسكريين في أوروبا اجتراح حلول جديدة لمواجهة ما يطلقون عليها “التهديدات الجديدة”.

وكانت أول خطوة فعلية يقدم عليها الأوروبيون لتقوية قدراتهم الدفاعية هي التصديق على إنشاء “قوة خاصة للتدخل السريع” قوامها 5 آلاف جندي للتعامل وبسرعة مع أي تهديد يواجه التكتل الأوروبي، ولتكون هذه القوة الخاصة بمثابة “جيش أوروبي مصغر” يتحرك بإمرة الاتحاد الأوروبي بعد سنوات من التردد والنقاشات والمطالبة بإنشاء جيش أوروبي.

هذه المجموعة العسكرية -التي يصفها البعض بأنها ستكون القوة الضاربة للأوروبيين للتدخل وبسرعة في أي أزمة مسلحة تهدد الأوروبيين- أحدثت نوعا من الارتباك حول الأدوار المنوطة بها وعلاقتها بحلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، وكذلك حجم الميزانية المخصصة لها.

فرقة وليس جيشا

ـ عند تفكير الأوروبيين في تشكيل قوات خاصة بهم للدفاع عن أراضيهم كانوا يواجهون بأكثر من معضلة صعبة الحل، الأولى: عدم الرغبة في إغضاب الأميركيين أو إرسال رسائل سلبية لواشنطن بأن وجودها العسكري في أوروبا لم يعد مرغوبا فيه، أو أن الاتحاد الأوروبي بات ينافس الأميركيين على الانتشار العسكري.

ـ المشكلة الثانية هي العلاقة مع حلف الناتو، ذلك أن تأسيس جيش أوروبي ستنظر له واشنطن والمملكة المتحدة وتركيا -وهي أقوى الدول في الحلف- على أنه طعنة في الظهر للحلف وإضعاف له ولوجوده.

ـ في المقابل، كان الأوروبيون يواجهون ضغوطا فرنسية على وجه الخصوص، للمضي قدما في إنشاء جيش أوروبي، خصوصا بعد الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وما زال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مصرا على هذه الفكرة وحاملا لمشعلها.

ـ الحماسة الفرنسية لتشكيل جيش أوروبي تقابل بمشاكل حتى داخل دول الاتحاد الأوروبي، فهناك دول تعلن صراحة أنها لا يمكن أن تساهم ماليا في إنشاء هذا الجيش بنفس القدر الذي قد تساهم به الدول الغنية الكبرى، وثانيا هناك موقف دول أوروبا الشرقية المتمسكة بحلف الناتو أكثر من حماستها لأي جيش أوروبي.

ـ جاءت فكرة هذا المشروع الأول كحل وسط لا يغضب الأميركيين، ولا يغلق الباب تماما أمام المطالب الفرنسية ولا يثير ريبة دول حلف الناتو.

خطوة الألف ميل

ـ جاءت تعليقات المسؤولين الأوروبيين -سواء السياسية أو العسكرية- على خطوة إنشاء “قوة التدخل السريع الأوروبية” بكونها خطوة في مشوار طويل لتقوية القدرات الدفاعية الأوروبية.

ـ يعتبر الجنرال كلاوديو غراتسيانو مهندس هذه الفكرة وعرابها، لكونه رئيس اللجنة العسكرية في الاتحاد الأوروبي، وسبق أن شغل منصب وزير دفاع ورئيس أركان في إيطاليا، وسبق له الخدمة في أفغانستان، وقد كان قائد القوات المشتركة في العاصمة كابل.

ـ في حوار مع مجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) الأميركية تحدث الجنرال الأوروبي عن علمه بأن “الطريق ما زال طويلا” لتأسيس جيش دفاع أوروبي “لكن يجب التحرك الآن وإلا سيكون قد فات الأوان”.

ـ يقدم العسكري الأوروبي المهام المنوطة بهذه القوات، ومنها التحرك في “بيئة عسكرية معادية”، كما ستكون لهذه القوة قدرات عسكرية إستراتيجية كانت الولايات المتحدة هي من توفرها في الماضي، منها مثلا جسر جوي عسكري، والقدرات الاستطلاعية والمخابراتية، والطائرات المسيرة، وأنظمة اتصال فضائية، وأنظمة للحروب الإلكترونية، وأنظمة مضادة للصواريخ.

ـ من ضمن خطط الدول الأوروبية توفير دبابات للقتال من الطراز الحديث، وكذلك طائرات مقاتلة، لتكون بذلك قادرة على التدخل في البر والجو، ومن المتوقع أن تدخل هذه القوات الخدمة سنة 2025.

فكرة قديمة جديدة

ـ عام 2007: بدأ النقاش الأوروبي حول إنشاء قوة عسكرية أوروبية إلا أن دولا كثيرة لم تكن متحمسة للفكرة، وفي مقدمتها ألمانيا.

ـ نهاية عام 2019: أقر قادة الاتحاد الأوروبي الإستراتيجية الأمنية الأوروبية (2020-2025) والتي وضعت 4 أهداف، وهي تطوير القدرات الأمنية للاتحاد، ومواجهة التهديدات العسكرية، وحماية الدول الأوروبية من الإرهاب، وبناء جسم أمني أوروبي.

ـ ما سرع من العمل على إنشاء هذه القوة هو الانسحاب الأميركي الكارثي من أفغانستان، وما صاحبه من غضب أوروبي حول السلوك الأميركي، ثم جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا لتخرج هذا المشروع إلى العلن.

ـ يظهر من تصريحات المسؤولين الألمان أن برلين هي من تتزعم هذه المرة تأسيس هذه الفرقة، فقد أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أنها مستعدة لتكون النواة الصلبة لهذه القوات وتزويدها بما يلزمها لتكون جاهزة بحلول سنة 2025.

معضلة التمويل

ـ يقف عائق التمويل حائلا أمام أي محاولة أوروبية لتأسيس قوة عسكرية، إلا أن الحرب الروسية دفعت كل الدول في أوروبا للإعلان عن زيادة إنفاقها العسكري، وللتغلب على الخلافات حول حجم مساهمة كل دولة اقترحت المفوضية الأوروبية التخلي عن الضريبة على القيمة المضافة لأي مشتريات مشتركة للمعدات الدفاعية التي يتم إنتاجها في أوروبا.

ـ كما تسعى دول أوروبية لإقحام الدول التي توصف بأنها محايدة، وهي جزء من الاتحاد الأوروبي، مثل فنلندا والنمسا والسويد وأيرلندا وقبرص ومالطا، وذلك للرفع من القدرات المالية للإنفاق العسكري.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply