لفت تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول وضع قوات الردع النووي في حالة التأهب انتباه صانعي القرار الأميركي، خاصة أنه جاء بعد بدء المعارك في أوكرانيا.

وجاءت خطوة بوتين بمثابة تهديد مبطن للولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، وتتسق مع ما تضمنته “إستراتيجية روسيا للأمن القومي” التي خرجت للنور في يونيو/حزيران الماضي.

وعلى الرغم من أن عدد الأسلحة النووية الروسية قد انخفض بشكل حاد منذ نهاية الحرب الباردة، فإنها تحتفظ بمخزون من آلاف الرؤوس الحربية، مع نشر أكثر من 1500 رأس حربي منها على صواريخ وقاذفات قادرة على الوصول إلى أي منطقة في الأراضي الأميركية.

ومن أهم ما تضمنته الإستراتيجية الروسية بخصوص السلاح النووي أن:

  • العالم المعاصر يمر بمرحلة تحول مع زيادة خطر تحول نزاعات مسلحة إلى حروب إقليمية ستشمل دولا خاصة الدول ذات الترسانة النووية.
  • العمل جار في العالم بنشاط على تحويل المجال الفضائي والمعلوماتي إلى مجالات جديدة لخوض القتال.
  • عددا من الدول في العالم تصنف روسيا بـ”تهديد” وحتى “خصم عسكري”.
  • استمرار تدرب حلف الناتو على سيناريوهات استخدام السلاح النووي ضد روسيا يزيد من المخاطر العسكرية التي تواجهها البلاد.

ودفعت خطوة الرئيس بوتين -بوضع قوات الردع النووي في حالة تأهب قصوى- إلى أن تصدر خدمة أبحاث الكونغرس (الجهة البحثية التي تمد أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب بالتقارير اللازمة في المجالات الإستراتيجية) تقريرا في الأول من مارس/آذار الجاري يتناول مراجعة للعقيدة العسكرية للسلاح النووي الروسي.

 مبدأ “التصعيد لخفض التصعيد” (escalate to de-escalate)

وصل المحللون الأميركيون إلى استنتاج أن روسيا اعتمدت إستراتيجية “التصعيد لتخفيف التصعيد”، حيث تهدد باستخدام الأسلحة النووية حال مواجهة أي دولة عضو في حلف الناتو، في محاولة لإقناع الولايات المتحدة وحلفائها بعدم خوض أي صراعات مستقبلية.

وجاء في إستراتيجية الأمن القومي الأميركي المؤقتة، التي صدرت في الرابع من مارس/آذار 2021، أن “روسيا لا تزال مصممة على تعزيز نفوذها العالمي ولعب دور تخريبي على الساحة العالمية”.

وعبر ذلك عن مخاوف أميركية من تغير السلوك الروسي على الساحة العالمية، وهو ما بدا ظاهرا في خطوة شنها الحرب على أوكرانيا.

وأشارت دراسة الكونغرس إلى أن القوات النووية الروسية تتشكل من أنظمة إستراتيجية بعيدة المدى -بما في ذلك الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات، والقاذفات الثقيلة- وأنظمة إيصال قصيرة ومتوسطة المدى.

خلال الحرب الباردة، تعهد الاتحاد السوفياتي بأنه لن يكون أول من يستخدم الأسلحة النووية في أي صراع.

وبعد الحرب الباردة، لم تحتفظ روسيا بسياسة “عدم الاستخدام الأول للسلاح النووي” السوفياتية، وراجعت عقيدتها النووية عدة مرات للاستجابة للمخاوف بشأن بيئتها الأمنية وقدرات قواتها التقليدية.

وتشير كل المؤشرات إلى أن روسيا قد وضعت اعتمادا أكبر على الأسلحة النووية وقد تهدد باستخدامها حال استفحال الصراعات الإقليمية.

بالإضافة إلى ذلك، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مارس/آذار 2018 أن روسيا تطور أنواعا جديدة من الأنظمة النووية.

وفي حين يرى البعض أن هذه الأسلحة هي محاولة روسية لتحقيق قدر من التفوق على الولايات المتحدة، يشير آخرون إلى أنها تمثل على الأرجح ردا روسيا على المخاوف بشأن قدرات نظم الدفاع الصاروخي الأميركية المتطورة.

وتشمل هذه النظم الروسية الجديدة، من بين نظم أخرى، صاروخا ثقيلا عابرا للقارات لديه القدرة على حمل رؤوس حربية متعددة، ويمكن إطلاقه بعدة سبل، منها صواريخ أسرع من الصوت، أو غواصات أو صواريخ كروز العاملة بالطاقة النووية.

تطور العقيدة النووية الروسية

لقد غيرت روسيا وعدلت العقيدة النووية السوفياتية لتلبية ظروف عالم ما بعد الحرب الباردة.

وفي عام 1993، رفضت روسيا صراحة تعهد الاتحاد السوفياتي بعدم استخدام أول تعهد، ويرجع ذلك جزئيا إلى ضعف قواتها التقليدية في ذلك الوقت.

وقد عدلت روسيا في ما بعد عقيدتها العسكرية ومفهومها للأمن القومي عدة مرات على مدى العقود القليلة الماضية، ويبدو أن الصيغ المتعاقبة في التسعينيات تعتمد بشكل أكبر على الأسلحة النووية.

مطلع يونيو/حزيران 2020، أصدرت روسيا وثيقة جديدة حول “المبادئ الأساسية لسياسة الاتحاد الروسي بشأن الردع النووي”.

وتشير هذه الوثيقة -على وجه التحديد- إلى أن روسيا “تعتبر الأسلحة النووية حصرا وسيلة للردع”.

ونصت الوثيقة على أن سياسة الردع النووي الروسية “دفاعية بطبيعتها، وتهدف إلى الحفاظ على إمكانيات نووية على المستوى الكافي للردع النووي، وتضمن حماية السيادة الوطنية للدولة وسلامتها الإقليمية، وردع الخصم المحتمل من العدوان على الاتحاد الروسي أو حلفائه”.

وتدرج الوثيقة عددا من التهديدات التي قد تواجهها روسيا والظروف التي قد تنظر في ظلها في استخدام الأسلحة النووية.

ويشير التقرير إلى أن روسيا يمكن أن ترد بالأسلحة النووية عندما تتلقى “بيانات موثوقة عن إطلاق صواريخ باليستية تهاجم أراضي الاتحاد الروسي أو حلفائه”، أو ردا على “استخدام خصم ضد روسيا أو حلفائها للأسلحة النووية أو أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل”.

وتضمنت أيضا أن روسيا يمكنها الرد بالأسلحة النووية في أعقاب “هجوم من قبل الخصم ضد مواقع حكومية أو عسكرية حرجة في الاتحاد الروسي، من شأنه أن يقوض إجراءات رد القوات النووية، أو أي عدوان على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية يتسبب في تهديد وجودي لروسيا”.

وعلى عكس كل الوثائق الروسية السابقة، لم تدعُ هذه الوثيقة إلى الاستخدام الوقائي للأسلحة النووية في أثناء الصراعات التقليدية، لكنه لا يحل تماما مسألة إذا ما كانت روسيا سوف تصعّد إلى الاستخدام النووي إذا كانت تخسر حربا تقليدية.

وخلص التقرير إلى أن روسيا “يجب أن يكون لديها أسلحة نووية قادرة على إلحاق ضرر محدد بأي دولة معتدية أو أي تحالف من الدول”.

بوتين: لا تتشككوا في ردنا النووي

ونتيجة لذلك، جادل العديد من المحللين بأن روسيا تبنت عقيدة نووية “تصعيدية لتخفيف التصعيد”. ويزعمون أنه عندما تواجه روسيا احتمال الهزيمة في صراع عسكري مع حلف الناتو، فإنها قد تهدد باستخدام الأسلحة النووية في محاولة لإجبار أعضاء الحلف على الانسحاب من ساحة المعركة.

خلال خطاب ألقاه الرئيس بوتين أمام مجلس الدوما الروسي في مارس/آذار 2018، بدا وكأنه يؤكد الدور الواسع للأسلحة النووية في عقيدة روسيا القتالية قائلا: “أود أن أشير إلى أن عقيدتنا العسكرية تقول إن روسيا تحتفظ بحق استخدام الأسلحة النووية فقط ردا على هجوم نووي، أو هجوم بأسلحة دمار شامل أخرى ضد البلاد أو حلفائها، أو عمل عدواني ضدنا باستخدام الأسلحة التقليدية التي تهدد وجود الدولة ذاته”.

مضيفا: “كل هذا واضح ومحدد للغاية. وعلى هذا النحو، أرى أن من واجبي أن أعلن ما يلي: أن أي استخدام للأسلحة النووية ضد روسيا أو حلفائها، سواء بأسلحة قصيرة أو متوسطة أو طويلة المدى، سيعدّ هجوما نوويا علينا، وسيكون الانتقام فوريا، مع كل ما يصاحب ذلك من عواقب. وينبغي ألا يكون هناك شك في ذلك على الإطلاق”.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply