القاهرة- مع تضاؤل فرص وضع الحرب الروسية على أوكرانيا أوزارها عما قريب تثير العقوبات الغربية على روسيا تساؤلات حول مدى تأثيرها على مصالح مصر الأمنية والجيوسياسية في محيطها الإقليمي، فكيف ستتعامل القاهرة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تستفيد من التقييد الأميركي لنشاط موسكو وتناقض المصالح بين الطرفين؟

ومع مرور أكثر من أسبوعين على الحرب لا تزال القاهرة تراقب بحذر دون ميل أو تأييد واضح لطرف على حساب آخر، ففي الوقت الذي أيدت فيه القرار الأممي المطالب بانسحاب روسيا من أوكرانيا سارعت بالإشارة إلى رفضها توظيف العقوبات الاقتصادية ضد موسكو في الأزمة.

وفي هذا الصدد، اتفق خبيران سياسيان -في تصريحات للجزيرة نت- على ضرورة أن تحرص مصر على توازن علاقاتها الإستراتيجية وعدم اتخاذ مواقف مجانية لصالح أحد الأطراف، بل أن تكون مبنية على تحقيق مصالح واضحة وتقييم دقيق لحسابات المكسب والخسارة.

وبعودة سريعة إلى صفحات التاريخ العربي الحديث ثمة صراعات إقليمية كانت قد استغلتها القاهرة لصالحها، كان أبرزها في تسعينيات القرن الماضي حين شاركت في تحالف دولي بقيادة أميركية لتحرير الكويت من الغزو العراقي، إذ تمكنت من إسقاط الكثير من ديونها والحصول على العديد من المنح الخليجية والأوروبية.

وتسعى الجزيرة نت في هذا التقرير إلى رصد أبرز الملفات المصرية المرتبطة مع روسيا، ومدى تأثرها إيجابا أو سلبا بالعقوبات المفروضة على موسكو.

سد النهضة

– رغم إعلان أديس أبابا مؤخرا تشغيل السد جزئيا فإن القاهرة لا تزال بحاجة إلى دعم غربي في دعم المفاوضات أو إعادة طرح الملف مجددا على المنظمات الدولية بعد أن بدت موسكو أقل تحمسا لمصر في هذا الشأن.

– في إشارة إلى أن أوروبا قادرة على التأثير ذكرت الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي والبحر الأحمر أنيت ويبر قبل أيام أن الاتحاد الأوروبي “مستعد لنقاش أكبر” لملف السد.

 

– في صيف العام الماضي عرقلت روسيا جهود مصر والسودان في جلسة لمجلس الأمن الدولي بشأن السد، ولاحقا أبرمت اتفاقا عسكريا مع إثيوبيا.

– هذا الموقف أثار تساؤلات -آنذاك- حول مدى قدرة مصر على الاعتماد على مواقف روسيا في دعم قضاياها المصيرية.

مراكز بحثية أميركية حثت واشنطن على تعزيز الوساطة في مفاوضات السد، مما يؤهلها للعب دور أكبر في منطقة القرن الأفريقي، فضلا عن تقويض التحركات الروسية والصينية التي تهدف إلى تهديد المصالح الغربية على المدى البعيد.

ليبيا وسوريا

– تبدو القاهرة أكثر تقاربا مع موسكو من واشنطن في ملفي ليبيا وسوريا تحديدا، وعزز ذلك الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة من قضايا ونزاعات الشرق الأوسط.

– في ما يتعلق بالملف الليبي تأتي الحرب الأوكرانية في وقت تشهد فيه البلاد إرهاصات مرحلة جديدة من عدم الاستقرار نظرا لإلغاء الانتخابات الوطنية ووجود حكومتين ترى كل منهما أنها صاحبة الشرعية.

– يمثل دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر خيطا يجمع القاهرة وموسكو في ليبيا وإن كانت القاهرة قد أعادت حساباتها وبدأت التسويق لمسار سياسي لم يعد يستبعد الغرب الليبي.

– يمكن أن تجبر الحرب الأوكرانية موسكو على سحب مرتزقة فاغنر الروس من ليبيا، الأمر الذي قد يمثل فرصة للقاهرة لتمهيد الطريق نحو خروج المرتزقة الأجانب وبما يعزز موقفها في المفاوضات مع الجانب التركي في الملف الليبي.

الملاحة والغاز

– الحرب الأوكرانية أدت إلى النظر للغاز المصري باعتباره أحد بدائل إمدادات الغاز الطبيعي الروسي لأوروبا.

– أحدثت اكتشافات الغاز الضخمة في شرق البحر المتوسط سلسلة من الصراعات الإقليمية، في وقت تسعى فيه القاهرة إلى التحول إلى مركز إقليمي للطاقة.

– في أغسطس/آب الماضي قال السفير الروسي لدى القاهرة جيورجي بوريسينكو في تصريحات للإعلام المصري إن بلاده لا تزال تعتبر منتدى غاز المتوسط (مقره القاهرة) منافسا لها في مجال الطاقة، لكنها ستنظر في الانضمام إليه بصفة مراقب.

– تمثل روسيا واحدة من أبرز المنافسين الدوليين لقناة السويس البحرية وتروج لمسارات بديلة للمجرى الملاحي المصري، وقد تساهم العقوبات الغربية في تعطيل أو تأجيل تنفيذ هذه الأفكار.

– في صيف العام الماضي وقعت روسيا والإمارات اتفاقا لتطوير خط شحن حاويات عبر القطب الشمالي، في مسار تروج له موسكو على أنه بديل لقناة السويس، وخط سوميد المصري الذي يربط البحرين أيضا.

– ارتفاع أسعار البترول يساهم في زيادة قيمة صادرات البترول المصري من ناحية، وزيادة إيرادات قناة السويس من ناقلات النفط العابرة بالقناة من ناحية أخرى.

 

أوراق المناورة

مشددا على عدم وجود مصلحة إستراتيجية لبلاده من تقييد نشاط روسيا الإقليمي إذا كان هذا التقييد لصالح الولايات المتحدة حث الأكاديمي والمحلل السياسي المصري حسن نافعة بلاده على السعي نحو علاقات إستراتيجية متوازنة بين الشرق والغرب، في ضوء اتجاه حركة موازين القوى في النظام الدولي تدريجيا -لكن- ببطء لمصلحة روسيا والصين.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أوضح نافعة أن مصر ليست متضررة من الوجود الروسي في سوريا أو في ليبيا، كذلك ليس لروسيا موقف حاسم أو تأثير كبير على إثيوبيا في ملف السد.

وعن تداعيات تحجيم إمدادات الطاقة الروسية، أشار إلى أن ملف غاز المتوسط ليس مرتبطا بمصر وحدها ولكن بمجمل الدول الأعضاء في المنتدى.

ومتفقا قليلا مع نافعة، رأى عبد الله الأشعل أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية الأسبق أن النظام المصري لا يناور بين روسيا وأميركا، مشيرا إلى أن القاهرة حاليا أقرب إلى واشنطن ولا تستطيع الابتعاد عنها، لكنها لا تطيق معاداة روسيا.

وفي تصريحات للجزيرة نت، يرى الأشعل أن الموقف الروسي من ملف السد أكثر واقعية، إذ إن القاهرة باتت بلا أوراق في أفريقيا، كما أن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن اتخذت صف إثيوبيا بسبب تراجع مكانة مصر في الإقليم.

وفي ما يتعلق بملفي ليبيا وسوريا، توقع الأشعل وجود تأثير محتمل في حال تحجيم الدور الروسي على رؤية مصر، لاعتبارين: الأول يرتبط بالجماعات المسلحة في سوريا التي ستستقوي بأميركا وأوروبا بعد تورط روسيا في الملف الأوكراني.

والاعتبار الثاني يرتبط بدعم القاهرة وموسكو الحكومة السورية، وفي مرحلة ما يمكن أن تقوى الأخيرة وتواجه روسيا التي لها قواعد عسكرية وتسيطر على القرار السوري حتى الآن.

كما توقع الدبلوماسي السابق حدوث أزمة طاقة عالمية في المرحلة المقبلة أوسع كثيرا من ملف الغاز، مستبعدا أن تصبح مصر بديلا لروسيا في إمدادات الغاز.

وفي سياق غير بعيد، دعا الكاتب الصحفي عماد الدين حسين إلى عدم اتخاذ مواقف “مجانية” في الحرب على أوكرانيا، على أن تكون مبنية على عملية حسابية دقيقة تقيّم المكاسب والخسائر من تأييد أحد الطرفين.

وفي مقال بجريدة الشروق نصح حسين بمطالبة الطرف الذي ستؤيده بلاده أن تقول له بوضوح “نتوقع منك في المقابل أن تؤيدنا في قضية مهمة بالنسبة لنا كعرب أو كمصر، مثل قضية سد النهضة على سبيل المثال”.

 

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply