هناك خشية حقيقية من أن تدمر القوات الروسية مدينة ماريوبول الساحلية المطلة على بحر آزوف تدميرا كاملا للانتقام وبث الرعب في جميع أنحاء أوكرانيا، فلماذا هذه المدينة بالذات؟

سؤال حاول الكاتب فردريك كولر الإجابة عنه في تقرير له بصحيفة “لوتان” (Le Temps) السويسرية، لافتا في البداية إلى أن سكان ماريوبول البالغ عددهم 430 ألف نسمة يتعرضون منذ 16 يومًا لقصف الجيش الروسي برا وجوا، ليلا ونهارا.

وأشار إلى أن هذه المدينة تعاني منذ ما لا يقل عن أسبوع من حصار خانق، لدرجة أن الأخبار القليلة الواردة من داخلها تتحدث عن انتشار الجوع بين من تبقى من قاطنيها، فضلا عن تراكم الجثث في ما يمكن الآن وصفه “بالمقبرة الجماعية”، حسب تعبيره.

ووصفت رئيسة بعثة الصليب الأحمر بالمدينة ساشا فولكوف الوضع قائلة إنه لم يعد في هذه المدينة ماء ولا كهرباء ولا غاز للتدفئة كما نهبت المحلات والصيدليات، وهناك من يشتكون أنه لم يعد لديهم طعام للأطفال، فضلا عن كون الناس بدؤوا يتشاجرون من أجل الطعام ويتلفون السيارات لسرقة بنزينها.

ويقول الكاتب إن السكان حاولوا الفرار، لكن القتال لم يترك لهم فرصة لتحقيق ذلك ولم تؤمن لهم ممرات “إنسانية”، مشيرا إلى أن عدد المدنيين المحاصرين غير معروف؛ فهناك من يتحدث عن 200 ألف أو 300 ألف كما أنه لا يعرف عدد الوفيات هناك.

Destruction of children's hospital as Russia's invasion of Ukraine continues, in Mariupol
دمار كبير في القصف المتواصل على ماريوبول (رويترز)

لماذا ماريوبول؟

هذا ما يجيب عنه الكاتب بقوله إن هذه المدينة كانت الأكثر تلوثًا في أوكرانيا، إذ توجد في ضواحيها مصانع الصلب، كما أن ميناءها هو الأكبر على بحر آزوف وهو بوابة شرق أوكرانيا، وهي في واقع أمرها تشكل عقبة أمام التواصل الإقليمي الذي حلمت به موسكو بين روسيا وجزيرة القرم.

ويقول الكاتب إن ماريوبول تعيش في حالة حرب منذ 8 سنوات، ظل فيها الجنود الأوكرانيون يحفرون الخنادق والنساء ينسجن الشبابيك المموهة، كما ظلت السلطات تُعدّ السكان لهذا الهجوم، فتحولت المدينة إلى حصن حصين، ومع ذلك يؤكد الكاتب أن ثمة خشية من التضحية بهذه المدينة وتدميرها لكسر معنويات الأوكرانيين.

ويرى كولر أن “بوتين في حربه الشاملة يرغب في كسر عزيمة الأوكرانيين وإظهار تصميمه وبث الرعب، تماما كما فعل في الشيشان من خلال تدمير غروزني وفي سوريا عبر سحق حلب”.

وأبرز الكاتب أن بوتين لا يمكن أن يجرؤ على تدمير كييف لأنها تعدّ “قدس” الأرثوذكسية الروسية، كما استبعد إقدامه على تدمير أوديسا الممتلئة بالرموز الروسية، حسب قوله، متوقعا أن يكتفي الجيش الروسي بخنق هاتين المدينتين وتفادي إحداث دمار كبير فيهما.

أما ماريوبول التي تعدّ ملتقى طرق الهجرات، فلا يبدو أن لها عند الروس أي شيء يشفع لها، حسب الكاتب، مشيرا إلى أن الجيش الأوكراني استعادها في عام 2014 بعد أن كان متمردو دونباس وداعموهم الروس على وشك السيطرة عليها وذلك بفضل دعم كتيبتي “آزوف” و”برافيي سيكتور” المتطرفتين. ومنذ ذلك الحين، يقول الكاتب، غذت هذه الجماعات شبه العسكرية والقومية المتطرفة دعاية الكرملين التي تربط القوة الأوكرانية بالنازيين، وهو “أمر سخيف”، وفقا للكاتب الذي يؤكد أنه لا يوجد أي فرد من هذه الكتائب، منذ حلّها، في الحكومة الأوكرانية، “لكن طعم إبادة ماريوبول يشبه الانتقام أيضًا”، وفقا للكاتب.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply