القاهرة – “سنكون دوما صوتا للصحافة الحرة القائمة على الحقيقة”، بهذه الكلمات أكدت منصة “متصدقش” (لا تصدق) لتدقيق المعلومات بمصر نهجَها عقب الإفراج عن عضو فريق تحريرها الصحفي كريم أسعد، وبعد صعود أسهمها إعلاميا.

وجاء هذا الصعود على خلفية نشر المنصة تفاصيل القضية المعروفة إعلاميا بـ”طائرة زامبيا”، بالتزامن مع صمت وسائل الإعلام الرسمي حيالها، إلى جانب قضايا جماهيرية عدة شملها تعتيم رسمي من بينها حادثتا “العريش” و”مدينتي”.

وأثيرت تساؤلات عديدة بشأن الطائرة الخاصة التي احتجزتها زامبيا قبل أيام عند وصولها من مصر وعلى متنها أموال وأسلحة، وذلك بعدما كُشفت أسماء معظم ركابها وتبينت هوياتهم، وبينهم عدد من المصريين.

دور متنامٍ

و”متصدقش” منصة إعلامية مستقلة أسسها الصحفي المصري الراحل محمد أبو الغيط في عام 2018، ويديرها حاليا مجموعة من الشباب الصحفيين المصريين المستقلين، وفق بيان رسمي للمنصة، في وقت تتهمهم فيه وسائل إعلام مقربة من الحكومة بالعمل لصالح المعارضة.

وتحدث مراقبون للجزيرة نت عن تفوق العديد من منصات الصحافة البديلة على الإعلام الرسمي في مصر، بسبب ما وصفوه بسيطرة السلطات المناهضة في أحيان كثيرة لحرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات، وهو ما تنفيه الحكومة المصرية عادة.

وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في وقت سابق، إن الدور الهام المتنامي للإعلام، والحرية الواسعة التي يتمتع بها، تقابلهما مسؤولية كبيرة في التحلي بأعلى درجات المهنية والموضوعية والوطنية باعتبار الإعلام شريكا أساسيا في مسيرة التنمية.

احترام الحقيقة

وكسرت منصة “صحيح مصر” لتدقيق الأخبار، في يوليو/تموز الماضي، التعتيم الرسمي عن أحداث واقعة مقتل الصيدلانية المصرية بسمة علي على يد ضابط في الجيش يدعى زياد حسام في مدينة “مدينتي” بالقاهرة الجديدة، ونشرت التفاصيل كاملة، قبل أن يعلن المتحدث العسكري توجيه النيابة العسكرية تهمة القتل العمد للضابط القاتل.

كما جذب الكاتب والسيناريست بلال فضل جمهورا كبيرا إلى قناته على يوتيوب، وفق مراقبين، من خلال تركيزه على الحديث عن القضايا الممنوع تداولها في مصر، ومنها “مذبحة رابعة”، واحتجاز الرئيس الراحل محمد مرسي، وتطورات “حادث العريش”، وواقعة “طائرة زامبيا”، الأمر نفسه برزت فيه كذلك صفحة “الموقف المصري” على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

تعليقا على هذه التطورات، يقول وكيل نقابة الصحفيين المصريين الأسبق محمد عبد القدوس، في حديث خاص للجزيرة نت، إن تفوق الصحافة البديلة على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر على الإعلام الرسمي مرجعه “احترام هذه المؤسسات الجديدة للحقيقة وأهميتها وضرورة وصولها للجمهور، على عكس العقلية القديمة للمؤسسات الحكومية التي تقوم على الانغلاق وتلبي رغبات السلطة المتعسفة فقط، وتحجم عن نشر أي حقائق”.

ويضيف عبد القدوس أن الصحافة تشهد عصرا جديدا وآفاقا مفتوحة، ولن يوقفها أية قيود في مصر، وبالتالي يجب أن تحترم مؤسسات الدولة الصحافة المصرية، وتقر بحقوق الصحفيين الأساسية، وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير والحق في تداول المعلومات وإعلان الحقيقة.

حسام الوكيل يرى أن المنصات الرقمية للتحقق بمصر باتت بديلا في ظل التعتيم الرسمي على الحقائق (الجزيرة)

بديل حقيقي

وفي حديث للجزيرة نت، يستنكر الكاتب الصحفي حسام الوكيل، رئيس تحرير منصة “تفنيد” -إحدى مبادرات تدقيق المعلومات وصحافة البيانات- ما حدث لزملائه في منصة “متصدقش” من ملاحقة وانتهاك للحريات الصحفية التي كفلها الدستور المصري.

ويرى الوكيل أن ظهور منصات التحقق في مصر كان ضروريا لإيجاد بديل حقيقي لحالة الاختناق التي تعيشها الصحافة المصرية، حيث “تقدم للجمهور المصري صحافة حرة يفتقدها في المؤسسات الإعلامية الرسمية، وتسلط الضوء على الأخطاء التي تقع فيها المؤسسات المختلفة، فضلا عن تتبع الشائعات والأخبار المضللة والقضايا المهمة في حياة الناس بمعلومات مدققة تحقق الحد الأدنى من المعرفة المطلوبة في ظل تصاعد سياسات الحجب بمصر”.

تعويض الغياب

ووفق إحصائيات المرصد العربي لحرية الإعلام، هناك أكثر من 600 موقع إلكتروني بمصر قيد الحجب، ولا يزال 42 صحفيا وإعلاميا بالسجون المصرية بسبب كتاباتهم وآرائهم، بينهم اثنان من شبكة الجزيرة هما ربيع الشيخ وبهاء الدين نعمة الله.

من جانبه، يرى مدير المرصد الكاتب الصحفي قطب العربي، في حديثه للجزيرة نت، أن منصات التحقق والتدقيق الصحفي مثل “متصدقش” وأمثالها عوّضت غياب الصحافة الحرة إلى حد كبير، ونجحت خلال الفترة الماضية في كشف العديد من القضايا والأحداث التي فرضت السلطات عليها تعتيما متعمدا بهدف تسويق الرواية الرسمية أو إخفاء معلوماتها تماما، ومن هذه القضايا “حادث العريش” وبعض الحوادث الأخرى و”طائرة زامبيا” مؤخرا.

ويضيف العربي أن انزعاج السلطات المصرية من هذه المنصات، رغم محدودية انتشارها بحكم وصولها للناشطين على صفحات التواصل لا إلى أغلبية الشعب المصري، يكمن في كشفها الحقيقة، الذي أظهر في تغطية حادث الطائرة الأخيرة تورّط مسؤولين رسميين فيها. ومن هنا تم القبض على صحفي “متصدقش” ولم يفرج عنه إلا بعد ضغوط قادتها نقابة الصحفيين.

ويرجّح العربي، الذي تولى منصب الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة بمصر سابقا، أن تبدأ السلطة بالاهتمام بهذه المنصات، ومعرفة من يعملون فيها سواء من داخل مصر أو خارجها لملاحقتهم، وفق رأيه.


المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply