طهران- على وقع العداء المتصاعد منذ أكثر من 4 عقود، تُشكل الصفقة الأخيرة لتبادل السجناء بين واشنطن وطهران مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من أصول إيران المجمدة في كوريا الجنوبية اختراقا في سياق التنافس الإستراتيجي بينهما. وهو ما يطرح علامة استفهام كبيرة بشأن موقع الاتفاق من الصراع الإيراني الأميركي.

ففي ضوء التحشيد الأميركي في المياه الخليجية، وتأكيد واشنطن أنها “ستواصل فرض جميع العقوبات على إيران والتصدي بحزم لأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة وخارجها”، يرى بعض المراقبين الإيرانيين أن الصفقة تأتي في سياق الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة -الهادفة إلى احتواء الصين وإفشال روسيا في حربها على أوكرانيا- أكثر مما تأخذ إستراتيجية طهران بعين الاعتبار.

جرعة مسكّنة

في هذا السياق، يضع الدبلوماسي الإيراني السابق في الأمم المتحدة كوروش أحمدي الاتفاق الإيراني الأميركي في إطار المفاوضات الرامية إلى تفاهم غير مكتوب بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، إلا أنه يشكك في جدوى ما سماها “الجرعات المسكّنة” في ضمان المصالح الوطنية العليا لبلاده.

وأوضح أحمدي للجزيرة نت أن الإدارة الأميركية الديمقراطية ستوظّف الإفراج عن السجناء في إطار تنافسها السياسي مع الجمهوريين خلال رئاسيات 2024 من جهة، وتنافسها الإستراتيجي مع القوى الشرقية -لا سيما الصين وروسيا- من جهة أخرى.

ومن ثم، فإن “الإفراج عن جزء صغير من أموال طهران وغض واشنطن نظرها عن صادرت البترول الإيراني عوامل مساعدة لتطبيق العقيدة الأميركية وأولوياتها الإستراتيجية في شرق آسيا”، حسب قول أحمدي، وذلك في إطار السيطرة على أسعار الطاقة عالميا، وخفض التوتر في الشرق الأوسط، موضحا أن التحشيد العسكري في المياه الخليجية ومطالبة السفن التجارية بالابتعاد عن مياه إيران يأتيان في هذا السياق.

أحمدي يرى أن المشكلات الاقتصادية في إيران أكبر من أن تحل عبر إلغاء تجميد مليارات الدولارات (الصحافة الإيرانية)

تحدي قرار (2231)

ويرى الدبلوماسي الإيراني السابق أن التأكيد الأميركي على ضرورة إنفاق إيران أموالها المفرج عنها لأغراض إنسانية فحسب وتحت رقابة البيت الأبيض مؤشر على أنه لا يوجد توجّه أميركي بعد لرفع العقوبات عن طهران، مستدركا أن المشكلات الاقتصادية في إيران أكبر من أن تحل عبر إلغاء تجميد مليارات الدولارات، وتساءل “ماذا لو عرقلت واشنطن استخدام هذه الأموال عقب الإفراج عن الموقوفين؟”.

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أعلن أن بلاده حصلت على الضمانات اللازمة لتنفيذ بنود التفاهم من قبل الجانب الأميركي.

وقال أحمدي إنه “علی ضوء الحديث عن مفاوضات للتوصل إلى تفاهم غير مكتوب بين طهران وواشنطن، فإن تبادل الموقوفين قد يكون الخطوة الأولى للاتفاق المحتمل التالي، موضحا أن بلاده لن تجني من الاتفاقات الصغيرة سوى تجميد الضغوط الغربية عليها مؤقتا.

ورأى أنه من الصعب جدا أن تتمكن بلاده، عن طريق التوصل إلى اتفاقات صغيرة مع واشنطن، من دفع الدول الغربية إلى إخراج ملفها النووي من جدول أعمال مجلس الأمن الدولي بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2025.

وخلص أحمدي إلى أن احتمالات إعادة العقوبات الأممية على بلاده ستكون كبيرة وفقا للبند (11) من القرار الأممي (2231) في حال عدم اتخاذ طهران سياسة خارجية متوازنة بدلا من الرهان على التوافقات الصغيرة في ملفات متفرقة. وكرّس هذا القرار الاتفاق النووي الإيراني المبرم في 2015، والذي بموجبه تقرر رفع العقوبات تدريجيا عن إيران.

تكتيك سياسي

في المقابل، يذهب طيف من الأوساط الإيرانية إلى اعتبار خيار التفاوض مع الولايات المتحدة “تكتيك” تنتهجه طهران وفق مصالحها العليا، ولا يمت بصلة إلى إستراتيجية الجمهورية الإسلامية في تعاملها مع “الشيطان الأكبر”، كما تسمي الولايات المتحدة.

في غضون ذلك، يؤكد السفير الإيراني السابق في أرمينيا والبرازيل علي سقائيان أن لا أحد في بلاده يمانع التفاوض مع الدول التي تعترف بها طهران والجلوس إلى طاولة الحوار لتذليل العقبات وضمان المصالح الوطنية، معارضا الفريق الذي ينتقد اتفاق طهران مع واشنطن “على ملف إنساني مثل تبادل السجناء”.

خطط جاهزة

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول سقائيان إن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي كان واضحا في تحديد إستراتيجية بلاده حيال الولايات المتحدة عقب مقتل القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني في غارة أميركية مطلع 2020 على طريق مطار بغداد. وأضاف أن طهران تتخذ من “إخراج القوات الأميركية من المنطقة” إستراتيجية كبرى لها.

ورأى أن المساعدة في ملف إنساني مثل تبادل السجناء لا ينفي المساعي الإيرانية المتواصلة مع حلفائها في سبيل تحقيق إستراتيجية تقويض الحضور الأميركي في المنطقة، مؤكدا أن بلاده لم ولن تثق بما سماها “السياسات المنافقة للعدو” وأنها تسخّر الدبلوماسية لتفويت الفرصة على الجهات التي تريد النيل من الشعب الإيراني، على حد قوله.

ولدى إشارته إلى تعاون بلاده مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال الأشهر الماضية، يقول سقائيان إن هذه الخطوة حالت دون إصدار مجلس محافظي الوكالة الذرية قرارا ضد بلاده، مؤكدا أن طهران لديها خطط معدة مسبقا للتعامل مع شتى التحديات “التي يسوّق لها الأعداء” في الأوساط الدولية والأممية.


المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply