هل سألت نفسك يوما: لماذا تقع في حب الأشرار الذين تشاهدهم على الشاشة رغم اختلافك معهم أخلاقيا أو فكريا؟ فقد فاز محمود المليجي بحب الجمهور رغم قيامه بدور الشرير في أغلب أدواره، وتحول توفيق الدقن إلى الشرير المفضل للجميع بفضل خفة ظله، وفي السينما العالمية ترك الأشرار -من أمثال الجوكر وغيره- أثرا محببا لدى قطاع عريض من الناس!

البعض يبرر ذلك بكون الأشرار أكثر إثارة ومتعة، خاصة أن ردود أفعالهم غير متوقعة.

دفعت هذه الظاهرة -حسب مجلة “ساينس كونكتد” (Science Connected Magazine)- لإجراء استطلاعات ودراسات علمية من أجل تقصي الحقائق بالأرقام والدلائل.

وبعد سلسلة من التجارب، اُكتشف أن أشرار الحكايات يمنحون المشاهدين مُتنفسا لاستكشاف الجانب السيئ والمظلم أو غير الأخلاقي من أنفسهم، من دون الحاجة للتصرّف بناء عليه في الحياة الواقعية أو تحمُّل العواقب، والأهم من دون التعرُّض للحُكم أو جلد الذات.

ولهذا ينجذب الأغلبية للأشرار الذين يشبهونهم في السمات الشخصية أو يُذكّرونهم بأنفسهم؛ مما يجعلهم قد يفضلون مشاهدة العمل على انفراد لضمان الحفاظ على صورتهم الذاتية من دون تهديد.

ومن خلال القائمة التالية سنتعرّف على أشهر الأشرار في السينما، الذين كانت لديهم وجهات نظر تستحق التأمل وإعادة التفكير قبل التسرّع وإطلاق الأحكام.

الانتقام طبق يؤكل باردا

كعادة المؤلف والمخرج اليوناني يورغوس لانثيموس، يأخذنا عبر فيلمه “مقتل الغزال المقدس” (The Killing of a Sacred Deer) الذي صدر في 2017 إلى مأساة أشبه بالملاحم الإغريقية التي تضعنا أمام اختبار قاسٍ وعنيف.

قصة الفيلم تحكي عن جراح قلب يعيش حياة مستقرة وهادئة مع زوجته وطفليه، لا يُنغصها سوى إدمانه الخمر وهو ما يؤثر عليه مهنيا، إذ يتسبب في قتل مريض نتيجة قلة التركيز أثناء إحدى العمليات الجراحية، ومع ذلك يُنكر فعلته ويتظاهر بالكمال.

لكنه في الوقت نفسه يحاول التكفير عن خطيئته بالتقرّب إلى الابن المراهق للمتوفي، وما لم يتوقعه كان اكتشاف الابن الحقيقة، ورغم سجية الفتى الطيبة فإن مرارة التجربة تجعله ينوي التظاهر بالجهل التام، قبل أن ينتقم من أسرة البطل بأكملها بطريقة مرعبة ولا يمكن التنبؤ بها، قبل أن يضع الطبيب أمام اختيار إجباري وغير إنساني يجعله يذوق من الكأس نفسها.

إلى أي مدى يمكن للغاية أن تبرر الوسيلة؟

“الغاية تبرر الوسيلة” قاعدة شائعة، وإذا لم توضع لها ضوابط وشروط قد يُساء استخدامها إلى حد التسلط والدكتاتورية، لكنها تظل المحرك الأساسي واللافتة التي يرفعها العديد من أشرار الدراما، خاصة إذا صاحب ذلك يقينهم بأنهم يعرفون أكثر.

هذا بالضبط المنهج الذي اتبعه الممثل جي كيه سيمونز أثناء أدائه شخصية “المايسترو” حاد الطباع “فلتشر” في فيلم “ويبلاش” (Whiplash). فرغم أساليبه الغليظة وغير الشرعية أحيانا فإنه طالما وجدها قابلة للتمرير، إذ إن الهدف منها إجبار المبتدئين على بذل أقصى ما يمكنهم فعله ذهنيا وجسديا لتحقيق أحلامهم حتى ولو كان السبيل لذلك إصابتهم بالقلق والاضطرابات النفسية أو إجبارهم على الانعزال مجتمعيا.

جدير بالذكر أن فيلم “ويبلاش” صدر عام 2014، وحصل عنه سيمونز على جائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد، وبجانب ذلك اقتنص العمل أيضا جائزتي أوسكار أفضل مونتاج وأفضل مزج صوت، في حين احتل المرتبة 41 ضمن قائمة أفضل 250 فيلما في تاريخ السينما العالمية، وفقا لموقع “آي إم دي بي” (IMDb) الفني.

أيهما ستختار: الصالح العام أو مصلحة الفرد؟

المُتابع لأفلام الأبطال الخارقين يُدرك كيف يمكن للشيطان أن يكمن في التفاصيل، خاصة حين تصبح المعضلة هي الاختيار بين كفتي ميزان: الأولى تضم بعض البشر، والثانية تضم الصالح العام لبقية العالم.

“الصالح العام خير وأبقى من مصلحة الفرد”. تلك هي النظرية التي اعتنقها “ثانوس” (أحد أكثر الأشرار الخارقين قوة وشرا في عالم مارفل، في فيلم “المنتقمون: الحرب اللانهائية” (Avengers: Infinity War)) حين قرر وضع حد للزيادة السكانية المرعبة والخلاص من نصف سكان كوكب الأرض بسبب قلة الموارد بعد أن صار المتاح لا يضمن استمرارية العيش سوى لنصف سكان العالم، فأي فائدة تُرجى إذا ظل الجميع أحياء لوقت قصير وبعدها فُني العالم بأكمله؟

وفي محاولة منه أن يظل عادلا، قرر المساواة في الظلم والقتل بطريقة عشوائية تنفي عنه تهمة التمييز، لكن الغريب أن قطاعا عريضا من رواد منصات التواصل الاجتماعي وافق على ما فعله ثانوس ووجدوا دوافعه منطقية، حتى أنهم سجلوا موقفهم عبر “تويتر” مُستخدمين وسم “#ثانوس كان على حق” (Thanos was right#).

حين تغيب العدالة

إنهم محض لصوص مكانهم الطبيعي السجون، قد يظن البعض أن هذا هو رد الفعل المتوقع والرأي الشائع لجموع شعب شاهد -على الهواء مباشرة- حفنة من اللصوص يسطون على دار صك النقود الملكية في دولتهم، لكن هذا ليس ما جرى.

على مدار مواسم مسلسل “لا كاسا دي بابل” (La casa de papel)، والمعروف أيضا باسم (Money Heist)، ظل المشاهدون يتمنون التوفيق للفرقة التي كوّنها البروفيسور والنجاح بالسطو على البنوك، اقتناعا منهم بأن الجريمة ليست دنيئة بأي حال وإنما نتيجة منطقية في غياب العدالة الاجتماعية.

حتى أن كثيرين تعاملوا مع الأبطال بوصفهم رمزا ثوريا يمنحهم الأمل ليس في حياة أفضل بالضرورة، بل بأن تتجرّع السلطة الرأسمالية شيئا من المرارة، وأن تدفع ولو ثمنا بخسا جراء جشعها اللامتناهي.


المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply