طهران- رغم التباين في اللغة وبعض التقاليد والطقوس بين الثقافتين الفارسية والعربية، فإن تجربة الأجواء الرمضانية العربية بتفاصيلها في طهران أمر متاح، إذ تحوّل حي “دولة آباد” إلى أكبر تجمع للعرب جنوبي العاصمة الإيرانية.

فبعد مرور نحو 4 عقود على أول دفعة من المهاجرين العراقيين الذين حطوا رحالهم في “دولة آباد”، أضحى هذا الحي يعرف بـ”منطقة العرب”، مستقطبا الجاليات العربية الوافدة من العراق وسوريا ولبنان والدول العربية الأخرى، فضلا عن تبديده هاجس الغُربة لدى المواطن الأهوازي الذي يفضل العيش في العاصمة طهران.

ويحتضن حي “دولة آباد” الكثير من أبناء القوميات الإيرانية؛ كالفرس والأكراد والأتراك، غير أن طابعه العربي يجعل منه وجهة مفضلة لسكان العاصمة في رمضان، لأن الجاليات العربية لا تتعامل مع الشهر الفضيل كونه شهر صيام وحسب، بل يمثل لها مناسبة بهية تزيد الحي رونقا.

أسماء المحلات التجارية توحي بحنين أصحابها إلى مدنهم العربية (الجزيرة)

حي “دولة آباد”.. طابع عربي

ما إن تطأ قدما الزائر هذا الحي حتى تستقبله المحلات التجارية بأسمائها العربية، إلى جانب اللافتات الفارسية. ورغم تراجع ارتداء الزي العربي، المتمثل في الدشداشة (الثوب) خلال السنوات الأخيرة، فإن لغة المارة قد توهم الزائر بأنه دخل أحد أحياء بغداد.

“كباب ليالي بغداد” و”شاورما الشام” و”حلويات بيروت” و”تمور الأهواز” وغيرها… أسماء توحي بحنين أصحاب المحلات التجارية إلى تلك المدن، كما أن أسماء الكثير من المساجد ودور العبادة تدل على تجمع أهالي بعض المدن العربية هناك، منها “أهالي كربلاء” و”الكاظمية” و”الأكراد الفيلية”… وغيرها من المسميات.

الجالية العراقية تقيم حفلا لتلاوة القرآن الكريم عقب الإفطار 4 (الجزيرة)
الجالية العراقية تحيي ليالي رمضان بتلاوة القرآن لإضفاء أجواء تشعرهم بتلك الموجودة في البلدان العربية (الجزيرة)

وقبيل أذان المغرب، يبدأ كبار السن التجمع قبالة بوابة المساجد والحسينيات لتجاذب أطراف الحديث، كما تستعد خدمة المضايف والمواكب الدينية لتحضير الشاي والقهوة العربية، حرصا على إضفاء أجواءٍ تشعرهم بتلك الموجودة في البلدان العربية خلال الشهر الكريم.

ومن خلال محادثة قامت بها الجزيرة نت مع الجموع أمام المساجد والحسينيات، تبيّن أن أغلبهم من العراق، رغم حضور مصلين آخرين من داخل إيران، سواء من العرب أو غيرهم.

القائيني يستذكر تهجيره من العراق بذريعة جذوره الإيرانية (الجزيرة)
المواطن الإيراني طالب القائيني يستذكر تهجيره من العراق بذريعة جذوره الإيرانية في حقبة النظام السابق (الجزيرة)

طقوس رمضانية في “منطقة العرب”

يوضح طالب القائيني (صاحب متجر في حي “دولة آباد”) أنه مواطن عربي-إيراني هُجّر قسرا من قبل النظام العراقي السابق بذريعة جذوره الإيرانية. ويؤكد حصول الكثير من أبناء الجالية العراقية على الجنسية الإيرانية، في حين لا يزال عددٌ آخر منهم يحمل إقامة يتم تجديدها سنويا.

يقول القائيني للجزيرة نت إنه لا فرق في الطقوس الرمضانية بين العرب وغيرهم من الإيرانيين، مستدركا أن وجبة الإفطار عند العرب عادة تكون دسمة، خلافا لما يفضله المواطن الإيراني في تناول وجبات خفيفة عقب أذان المغرب.

ويتابع أن الشرائح الإيرانية تشارك الجالية العربية في طقوسها الدينية، وأن خطباء المساجد يحرصون على تلخيص كلماتهم بالفارسية، مراعاةً للذين لا يتحدثون العربية.

وعقب صلاة المغرب، تسارع الجالية العربية إلى “فك الريق” على الشاي والتمور، ثم الذهاب إلى البيوت لتناول وجبة الإفطار، غير أن بعض الإيرانيين يفضلون الإفطار على الموائد التي تبسط في المساجد عقب صلاة الجماعة.

مهاجر عراقي يحضر القهوة العربية لتوزيعها على المارة بعد الإفطار (الجزيرة)

أكلات شعبية

وليس بعيدا عن المساجد ودور العبادة، تعج المطاعم الشعبية بالصائمين قبل أذان المغرب لتناول الأكلات العربية على أنغام الموسيقى الهادئة التي تأخذ الزبائن إلى بغداد تارة وإلى الشام تارة أخرى.

يقول كرار (وهو نادل في مطعم شعبي) إن الحي أصبح قبلة للإيرانيين الراغبين في التعرف على الثقافة العربية والمشاركة في الفعاليات الدينية التي تنظمها الجالية العربية خلال شهري رمضان ومحرّم، مشيرا إلى أن بعض الأكلات والحلويات العربية -مثل اللقيمة النجفية والباقلاء بالدهن- لا تتوافر في العاصمة طهران سوى في حي “دولة آباد”.

وبجانب “حسينية أمير المؤمنين”، يحرص مهاجر عراقي على تقديم القهوة العربية للمارة، ويشرح آخر عادات تقديمها وطقوس شربها للإيرانيين الذين يعبّرون عن إعجابهم بالتزام العرب بتراثهم الثقافي.

أما الشاي، فلا بد أن يكون داكنا على الطريقة العراقية، ليذكّر المواطن الإيراني مازيار (56 عاما) بـ”الزيارة الأربعينية” إلى كربلاء، التي يحرص عليها في العشرين من شهر صفر كل عام.

الجالية العراقية في إيران تقيم حفلا لتلاوة القرآن الكريم عقب الإفطار في حي “دولة آباد” (الجزيرة)

مشاركة شعبية

وعقب الإفطار، تعود الجموع إلى المساجد والحسينيات لقراءة الأدعية المأثورة وتلاوة جزء من القرآن الكريم، قبل أن يرتقي رجل دين المنبر لتقديم محاضرة توعوية وفقهية باللغة العربية، تتخللها جمل بالفارسية لتسهيل فهمها على غير العرب والجيل الجديد من أبناء الجالية العربية الذين ولدوا وكبروا في إيران ولم يروا موطنهم الأصلي.

ولدى مغادرتنا حي “دولة آباد”، التي صادفت منتصف رمضان المبارك، نسمع مكبرات الصوت تصدح بنشيد “قرقيعان وقرقيعان… الله يعطيكم رضعان”، وسط حشد غفير من الجالية العربية والإيرانيين، في مشهد يعبّر عن عمق العلاقة بين شرائح المجتمع الإيراني.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply