اعتبر الباحث والأكاديمي الأميركي “ياكوب غريجييل” أن الحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة منذ أكثر من شهر أظهرت أنه لا يوجد تهديدات أو معايير محددة تحكم العالم، بل فقط توازنات إقليمية تتطلب صيانة مستمرة.

وذكر الباحث بالجامعة الكاثوليكية الأميركية بواشنطن -في مقال له بصحيفة “وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal)- أنه بالرغم من الوضوح الذي أظهرته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في الدفاع عما تسميه “نظاما دوليا قائما على القواعد” فإن شيئا من هذا القبيل غير موجود، ولا وجود أيضا لأي فضاء أمني ممتد تحكمه قواعد عالمية أو بعض القوى الرئيسية.

كما لا يوجد -يضيف الباحث- “تهديد عالمي” يواجه جميع الدول على قدم المساواة، بل هناك بدلا من ذلك قوى تنقيح إقليمية تهدد الدول القريبة منها، كما أن التوازنات الإقليمية المؤقتة وديناميكياتها مدفوعة بسباقات تاريخية محلية؛ مما يجعل مناطق عدة عبر العالم غير مستقرة وعرضة للحروب.

وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية كانت هذه الأنظمة الإقليمية -في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا- مستقرة نسبيا والمنافسة المحلية خافتة، مما أعطى انطباعا بوجود نوع من النظام العالمي.

واعتبر الليبراليون هذا الاستقرار العالمي نتاجا للقواعد الدولية ولظهور عدد متزايد من الديمقراطيات وتجارة دولية أكبر حجما ونطاقا، أي “نظاما قائما على القواعد” يعززه النفس الديمقراطي والاستقرار الاقتصادي، فيما رأى الواقعيون نظاما عالميا مدعوما بتوازن تقريبي بين القوى العظمى (الولايات المتحدة وروسيا والصين) مع وجود الأسلحة النووية كعامل تهدئة فعال.

وهاتان الرؤيتان للنظام العالمي -يضيف الباحث- تركزان بشكل مبالغ فيه على الطبيعة العالمية للاستقرار، لكن النظر إلى العالم من منظور الأنظمة الإقليمية يعكس صورة أكثر إثارة للقلق.

فقد كانت حروب روسيا في جورجيا عام 2008 وأوكرانيا منذ عام 2014 -فضلا عن المواقف الإيرانية في العراق واليمن وسوريا والتوسع العسكري الصيني في آسيا- علامات على تنامي التقلبات المحلية، لكنها كانت مساعيا مؤقتة أجرتها قوى مراجعة مترددة وفحصتها القوة الأميركية.

أما حرب روسيا الحالية فهي أول هجوم عسكري شامل يهدف إلى تغيير ميزان القوى المحلي بشكل جذري، حيث تسعى موسكو إلى أن تكون القوة الحاسمة في أوروبا لذلك فهي بحاجة إلى الهيمنة على أوكرانيا.

أنظمة هشة

ويرى غريجييل أن الأنظمة الإقليمية في العالم هشة لسببين؛ أولهما أن القوة العسكرية مرشحة للاستخدام في المنافسات المحلية أكثر من توظيفها في النزاعات بين الخصوم البعيدين. وبات من المرجح الآن أن تسعى القوى التعديلية إلى تحقيق أهدافها، مثل احتلال الأراضي أو السيطرة على الحياة السياسية لدولة مجاورة، من خلال الحرب أكثر من المفاوضات.

أما السبب الثاني فهو أن بؤر التنافس المحلي محدودة جغرافيا؛ لكنها قد تستمر لفترة طويلة، حيث تستند النزاعات المحلية على الادعاءات التاريخية وتثير الجرائمُ المتصورة أو الحقيقية التي ارتكبت في الماضي الرغبةَ في الانتقام، وتحفز التطلعاتُ إلى العظمة المطالبَ الإقليمية، والثقة الوطنية بالنفس تسبب عداء مستميتا للجيران.

وعندما تكمن جذور العمل السياسي في الادعاءات الوطنية بالعظمة –يختم الكاتب- تصبح التسوية الدبلوماسية صعبة ويبدأ خيار الصراع الطويل يبدو أفضل من أي تسوية توافقية وحفر الخنادق أكثر شرعية من الجلوس على طاولة المفاوضات.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply