قال وزير الخارجية البريطاني الأسبق وليام هيغ إن الإخفاقات الأولية للقيادة العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي تجلّت في خسائر فادحة في العدد والعتاد وأظهرتها مشاهد الأعطال المتكررة والأسلحة المتطورة المتخلى عنها في الحقول هي على الأرجح “فشل للثقافة والمعايير العسكرية التي أنتجها نظام قائم بشكل كبير على جشع وأنانية وفساد امتد ليشمل كل مفاصل الدولة بما في ذلك الكرملين نفسه”.

وأشار هيغ -في مقال له بصحيفة “تايمز” (The Times) البريطانية- إلى أن “أخطر مشكلة يتخبط فيها نظام الرئيس فلاديمير بوتين بعد مغامرته الحربية الأخيرة هي بالأساس إستراتيجية”.

فقد بدأنا فجأة ندرك -يضيف هيغ- طبيعة “دولة بوتين” القائمة على نظام يقدّر قوة العتاد الخشنة في حين يتجاهل قوة التخطيط والتنسيق الناعمة، نظام يمكنه أن ينظم استعراضات للقوة قد تخيف حتى المراقبين ويلقي بقنابل عشوائية على مدنيين مرعوبين لكنه يعاني ضد خصم قوي، نظام قوي ظاهريًّا لكنه أجوف من الداخل.

وذكر الدبلوماسي البريطاني السابق أن هذه النتيجة التي تكشفت الآن بوضوح هي المحصلة الطبيعية للغرق في وحل الفساد لنظام يقوده “طاغية” ويتسم بطابع الإهمال الصارخ والحاجة الدائمة إلى الخداع، حتى خداع الجيش بشأن ما يُخطط له.

فربما يكون عشرات الآلاف من الجنود الروس قد صدّقوا ربما “أكذوبة” أنهم كانوا بصدد تنفيذ مناورات بعد بدء العملية العسكرية التي قررتها قيادتهم في أوكرانيا، كما آمن الكرملين على الأرجح بالتأكيدات الاستخباراتية لجهاز الأمن الفدرالي “إف إس بي” (FSB) بأن المقاومة الأوكرانية ستكون ضعيفة، وهو سبب اعتقال كبار ضباط الجهاز الآن.

هذا نظام -يضيف هيغ- تكذب فيه القيادة العليا على قواتها، وتكذب فيه وكالات التجسس على القيادة، ولتبرير كل ما يحدث تكذب بنية السلطة كاملة على العالم الخارجي والشعب الروسي، حتى إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تجرأ وأعلن بوضوح الأسبوع الماضي أن بلاده لم تهاجم قط أوكرانيا.

ويؤكد هيغ أن الأكاذيب في هذه المنظومة التي نسجها بوتين، والتي ستكون لها تداعيات مهمة في المستقبل “موجهة للقاعدة وللقمة وللخارج” بشكل يستحيل معه على الجندي الروسي المرابط في الجبهة معرفة الحقيقة وكذلك الجنرالات في موسكو.

لكن ذلك لا يعني أن القوات المسلحة الروسية قد استنزفت ولا قدرة لها على الاستمرار، بل قامت بتجميع صفوفها وستتعلم بلا شك من الدروس، وسيبقى امتلاك موسكو لترسانة نووية ضخمة عاملا مركزيا في السياسة العالمية.

ومع ذلك -يضيف هيغ- فإن ضعف الجيش الروسي يبقى انعكاسا للنظام السياسي الذي يقف وراءه، وهو هيكل فارغ سيفقد سمعته واحترامه بسرعة كبيرة عندما تتكشف حقيقته المبنية على السرقة والأنانية لشعبه، وهو ما قد يستغرق شهورًا أو سنوات، لكن الأفضل لأتباع بوتين أن يبدؤوا منذ الآن التفكير في طريق للهروب.

خطأ لا يغتفر

وتظهر الأخطاء العسكرية الأولية للجيش الروسي في أوكرانيا أن موسكو لا تستطيع الآن تحقيق هدفها المتمثل في جعل هذا البلد جارا طيّعا، مهما وسّعت نطاق حربها ومهما بلغ عدد الأبرياء الذين ستتسبب في قتلهم.

وحتى أصدقاء موسكو المقربون -يختم هيغ- يمكنهم رؤية هذا الأمر حيث تسعى بيلاروسيا بهدوء للبقاء خارج الحرب في حين تحولت الصين إلى مسرح لنقاش مفاجئ بشأن العملية العسكرية الروسية، فقد سُمح لأحد الأكاديميين البارزين في شنغهاي بنشر ورقة تصف “العملية العسكرية الخاصة الروسية” بأنها “خطأ لا يغتفر”، ويقول في الورقة إن أفضل خيار لبوتين هو إنهاء الحرب عبر “محادثات سلام”، وهو ما لا يعني بالضرورة أن هذه البلدان ستغير نهجها لكنه يظهر على الأقل أنها قادرة على رؤية الحقيقة.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply