في ثمانينيات القرن الثامن عشر، تمكن المخترع البريطاني جيمس وات من تطوير المحرك البخاري الذي أدى إلى ثورة صناعية شاملة أسهمت في زيادة الإنتاج، وتراكم رأس المال، وإنشاء المصانع وتوسيع خطوطها، وانتقال الفلاحين من قُراهم إلى المدن التي كانت مصانعها الجديدة بحاجة إلى أيدي عاملة على الدوام، فانتقلت الحضارة الإنسانية من اعتمادها الأساسي على الإنتاج والاستهلاك الزراعي وفوائضه التي كانت تُسَخَّر في النمو الحضاري إلى الإنتاج الصناعي الذي بلغ ذروته في منتصف القرن التاسع عشر حين أُنشئت السكك الحديدية، وحل الحديد محل الخشب والمواد الأخرى في كثير من الصناعات الحديثة والثقيلة.

وبفضل الثورة الصناعية استطاع الأوروبيون اختراع الكهرباء، ثم تطورت علوم الفيزياء وبلغت ذروتها مع أينشتاين ومَن جاؤوا بعده، لينطلق البشر في المخترعات الجوية والفضائية والسلكية واللاسلكية والذرية والموصّلات وأشباه الموصّلات التي تتنافس عليها الدول العظمى اليوم، باختصار انطلق قطار الثورة الصناعية إلى الثورة الكهربائية ومنها إلى الثورة التكنولوجية الحالية بفضل ما حدث في بريطانيا إبان القرن الثامن عشر الميلادي.

ونستطيع أن نقرر أن الحضارة الإسلامية كان لها دور لافت في هذه النهضة العلمية ثم الصناعية في الغرب، وذلك موضوع تناوله مؤرخون ومستشرقون أوروبيون كبار مثل البريطاني مونتجمري وات في “فضل الإسلام على الحضارة الغربية”، والألمانية زيغريد هونكه في “شمس العرب تسطع على الغرب”، والفرنسي غوستاف لوبون في “حضارة العرب”، والأميركي ويل ديورانت في “قصة الحضارة”، ثم أكده الباحث الأميركي ذو الأصول العربية جورج مقدسي في “نشأة الكليات” حين بلغ قناعة تاريخية تؤيدها الأدلة بأن معاهد العلم الغربية الكبرى مثل أكسفورد ونابولي وكامبردج وغيرها لم تتأثر بمدارس وكليات الشرق الإسلامي فقط، بل إنها كانت تنهج نفس الأساليب التدريسية والتربوية وتتبنى مصطلحاتها ذاتها[1]. هذا فضلا عن العلوم التجريبية التي برع فيها المسلمون وطوروها وشرعت أوروبا في ترجمتها منذ ما بعد أزمنة الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر الميلادي وما تلاه، وهذا الأمر يتبدى لنا في موسوعة تاريخ العلوم التي أشرف عليها رشدي راشد.

تمكن جيمس وات من تطوير المحرك البخاري الذي أدى إلى ثورة صناعية شاملة أسهمت في زيادة الإنتاج، وتراكم رأس المال، وإنشاء المصانع وتوسيع خطوطها. (غيتي)

ولكن لماذا انطلقت الثورة الصناعية من بريطانيا تحديدا دون غيرها من دول القارة الأوروبية التي كانت تشهد طفرة كبرى في المجالات العلمية والأدبية والفلسفية والاجتماعية، لا سيما ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، حتى إنه لم يمر بضع سنوات على اختراع الماكينة البخارية على يد جيمس وات في بريطانيا عام 1784م إلا واشتعلت الثورة الفرنسية مغيرة شكل فرنسا ومن ثم أوروبا فيما بعد؟

هذا سؤال تناوله العديد من المؤرخين الغربيين بالتفصيل والإسهاب، كلٌّ وفق تحليله، ومن المهم أن نرى الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى قيام الثورة الصناعية التي لم تغير القرن الثامن عشر الميلادي فقط، بل كانت السبب في هيمنة الرأسمالية العالمية حتى يومنا هذا طوال القرنين ونصف القرن الماضيين!

التحليل الاقتصادي لإريك هوبزباوم

يرى المؤرخ البريطاني إريك هوبزباوم (1917-2012م) أن ألمانيا وفرنسا كانتا متقدمتين على بريطانيا خلال القرن الثامن عشر، وأن الحرية الفكرية التي تمتعت بها هاتان الدولتان كانت سببا في تطور العلوم الرياضية والفيزياء فضلا عن العلوم الإنسانية والآداب التي وصلت ذروتها مع فولتير ومونتسكيو وغيرهما من فلاسفة فرنسا، يقول: “مهما كانت الأسباب التي يُعزى إليها التقدم البريطاني فإنها لم تكن تعود إلى التفوق العلمي والتقاني، فقد كان الفرنسيون متقدمين بالتأكيد على بريطانيا في مجال العلوم الطبيعية، وقد شددت الثورة الفرنسية التأكيد على هذا العنصر الإيجابي، ولا سيما في مجالي الرياضيات والفيزياء، وشجعت العلوم في فرنسا، فيما كان الرجعيون (رجال الدين يقصد) يتخوفون منها في إنجلترا، وكان البريطانيون حتى في العلوم الاجتماعية دون هذا المستوى من التفوق”[2].

ما لفت انتباه هوبزباوم، وهو مؤرخ أغرته الشيوعية والأفكار اليسارية عموما، أن نقطة التفوق التي فجّرت الثورة الصناعية في بريطانيا تمثّلت في الاقتصاد. (شترستوك)

ويضرب هوبزباوم أمثلة على المنجزات العلمية التي تفوق فيها الألمان والإيطاليون والفرنسيون إبان القرن الثامن عشر مقارنة بالبريطانيين، مثل مغزل جاكار، وهو أداة أكثر تعقيدا من جميع الأجهزة المناظرة التي اختُرعت في بريطانيا، فضلا عن السفن الفرنسية التي كانت أكثر تقدما، ويُعجب بالمؤسسات التدريبية الألمانية مثل بيرغاكاديمي، بل ويتهكم من التعليم البريطاني في الحقبة ذاتها ويراه “نموذجا مضحكا لسوء الذوق، مع أن مدارس القرى الصارمة والجامعات المتشددة المضطربة الديمقراطية في اسكتلندا الكالفينية قد عوضت عن جوانب القصور فيه”[3].

ولكن ما لفت انتباه هوبزباوم، وهو مؤرخ أغرته الشيوعية والأفكار اليسارية عموما، أن نقطة التفوق التي فجّرت الثورة الصناعية في بريطانيا تمثّلت في الاقتصاد، وأن البريطانيين حتى قبل الثورة قد “قطعوا أشواطا بعيدة وسبقوا منافسيهم الرئيسيين من حيث معدّل حصة الفرد الواحد من المخرجات والتجارة”، بل يذهب هوبزباوم إلى أبعد من ذلك حين “جعل علم الاقتصاد موضوعا أنجلوسكسونيا بارزا… إن العالم الاقتصادي في ثمانينيات القرن الثامن عشر كان يقرأ ما كتبه آدم سميث”[4].

يعزو هوبزباوم تفوق الاقتصاد البريطاني على نظيره في القارة الأوروبية إلى الإصلاحات الثورية التي قام بها الإنجليز ضد الملك البريطاني شارل الأول، وهو يقصد حين قام أوليفر كرومويل والثوار الإنجليز في عام 1649م بمواجهة الملكية واستبدادها وطبقة كبار الملاك والإقطاعيين وانتصروا عليهم، وأعدموا الملك، وأعلنوا إنشاء الجمهورية البريطانية للمرة الأولى في التاريخ الإنجليزي الحديث، ومن ثم تعزيز سلطة البرلمان والحكومات المنتخبة، وحتى مع عودة الملكية بعد موت كرومويل بعد عشر سنوات كاملة، كانت الإصلاحات الثورية قد ترسّخت، وأصبح الملك الجديد مُقرا بهذه الإصلاحات ومتقيدا بها في مؤسسات الحكم المختلفة، لا سيما في البرلمان وانتخاب الحكومة.

يركز تحليل هوبزباوم على الأوضاع الاقتصادية، ودور تجارة القطن وتطوير صناعة الغزل والنسيج في بريطانيا، والوصول إلى لحظة الميكنة التي أدت إلى تسارع الإنتاج، والوصول بهذه المنتجات إلى القارة الأوروبية. (مواقع التواصل)

يرى هوبزباوم أيضا أن الثورة قد عملت على “الإقرار بأن تحقيق الربح والنفع الخاص والتنمية الاقتصادية هو الهدف الأسمى لسياسة الحكومة، كما أن الحل البريطاني الثوري الفريد قد أنهى لأسباب عملية المشكلة الزراعية؛ إذ إن حفنة من مُلاك الأراضي ذوي العقلية التجارية كانوا قد استحوذوا على الأرض التي كان يحرثها المزارعون”. ثم يعود فيقر بأن المناطق الزراعية غير الإقطاعية التي عرفتها بريطانيا على نطاق واسع قبل الثورة الصناعية “قد هيأت نفسها للقيام بثلاثة أنواع من الأنشطة الأساسية في حقبة التصنيع هذه؛ زيادة الإنتاج والإنتاجية لسد الاحتياجات الغذائية للعدد المتزايد من السكان غير الزراعيين، وتوفير فائض كبير متصاعد من العُمال المرشحين للاستخدام في البلدات وفي الصناعات، وتوفير الآليات الكفيلة بتأمين رأس المال التراكمي الذي سيُستثمر في قطاعات اقتصادية مستجدة”[5].

التحليل الثقافي والفكري عند مارشال هودجسون

يركز تحليل هوبزباوم إذن على الأوضاع الاقتصادية، ودور تجارة القطن وتطوير صناعة الغزل والنسيج في بريطانيا، والوصول إلى لحظة الميكنة التي أدت إلى تسارع الإنتاج وزيادته ومن ثم زيادة رأس المال والأرباح، والوصول بهذه المنتجات إلى القارة الأوروبية وإلى ما وراء البحار ما أدى إلى التوسع الصناعي في قطاعات أخرى، ثم الآثار السلبية التي أدت إلى حالات الركود وانسحاق الطبقات المتوسطة وصغار رجال الأعمال، وكلها تفسيرات اقتصادية تميل إلى التحليل اليساري للتاريخ الذي اعتنقه هوبزباوم.

لكن مؤرخا آخر هو الأميركي مارشال هودجسون (1922-1968م) يرى أن التطور الفكري والإبداعي كان السبب الرئيسي في التطور الاجتماعي الذي أدى إلى الثورة الصناعية فيما بعد، ويرى أن هذه الثورة كانت بسبب “التحول الطفري”، وهو مصطلح يبدو بيولوجيا ولكن قصد من ورائه التغيرات الثورية التي حدثت في المجالات الفكرية والاجتماعية والفلسفية والعلمية في بريطانيا، يقول: “تغيّر مما تمّت تسميته بالمجتمع التقليدي إلى ما سُمي بالمجتمع العقلاني. في المجتمع العقلاني، لا يتم اتخاذ القرارات بناء على ما تُمليه أعراف الأجداد، بل على أساس الحساب العملي للمنافع والمصالح المباشرة لكل قرار، ولا يحوز الأفراد على المكانة والسُّلطة على أساس نسبهم أو صلات عائلاتهم، وإنما على أساس كفاءتهم وقدرتهم على المنافسة كأفراد. ستسود المؤسسات المنظّمة والكفاءة على أنقاض الترتيبات العائلية والبطريركية، ولن تتحدد العلاقات الاجتماعية للأفراد بالتزاماتهم الشخصية، وإنما بوضعهم القانوني النزيه”[6].

يؤمن هودجسون أن الثورة الصناعية في جوهرها ثورة ثقافية، يراها في صورة دورات حضارية بدأت في الحضارات الزراعية ثم الحضارات العالمية، مثل الحضارة الإسلامية. (مواقع التواصل)

ما يراه هودجسون سببا رئيسيا ومباشرا في بلوغ الثورة الصناعية هي عملية إعادة عقلنة وتنظيم المجتمع وفق المعايير الرشيدة وتكافؤ الفرص، بحيث تصبح الكفاءة هي معيار الاختيار وقيمة أعلى من الاستمرار في الماضي ما دامت تحقق النفع العام والخاص، “وما إن تستقر أركان العقلانية ويغدو الإبداع أمرا طبيعيا مقبولا حتى تتلو ذلك التحسينات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية على نحو طبيعي. إن ذلك في الواقع هو الانعتاق الأكبر للإنسان من نير الماضي المظلم اللاعقلاني الذي طال عهده”[7].

يؤمن هودجسون أن الثورة الصناعية في جوهرها ثورة ثقافية حدثت غير مرة في التاريخ على مستوى أو آخر، ولهذا يراها في صورة دورات حضارية بدأت في الحضارات الزراعية ثم الحضارات العالمية، مثل الحضارة الإسلامية التي كانت مؤسساتها في العصور الوسيطة “هي مَن تُقدّم الزاد الأكبر من الحساب المستقل، والمبادرة الشخصية”، بل يذهب هودجسون إلى أبعد من ذلك حين يصرح بشجاعة أن “الانتقال الذي كان في أوروبا جزءا من التحديث المرتبط بهذا التحول الطفري/الثوري كان يحملُ في طياته تقريب الغرب إلى ما كان مستقرا ومؤسسا في التقليد الإسلامي”[8].

وهكذا يعزو هودجسون الثورة الصناعية في الغرب إلى التغير الثوري في أنماط التفكير، وانتقال الغرب من المجتمع “التقليدي” إلى المجتمع “العقلاني”، ثم لا يُنكر دور الحضارة الإسلامية في تثوير الفكر الغربي ونقله إلى الموضوعية، ولكن الجديد الذي حدث في الثورة الصناعية ونتائجها كانت “الصورة التقانوية، إذ باتت الاعتبارات التقنية المتخصّصة هي صاحبة الصدارة فوق بقية الاعتبارات، فعلى هذه الصورة لا على غيرها وصل التغير إلى أبعاد غير مسبوقة؛ إذ أسهمت نتائجه في تشكيل ظروف جديدة للحياة التاريخية كلها”[9].

وهكذا يتناول هودجسون تأثير الثورة الصناعية التي يفضل وصفها بـ”النزعة التقانوية” على الحياة العلمية والاجتماعية، وعلى أشكال المؤسسات ورفع فعالية الإدارة الغربية مقارنة بالدولة العثمانية وبالصين القديمة؛ فـ”تزايد الدقة التقنية لأنظمة الملفات والتقارير والأهم تطبيق الحكومة بوصفها جهازا للخدمة المدنية التي يُحكم عليها بقدر منفعتها وفائدتها قد أوصل المؤسسات الإدارية إلى مستوى يفوق ما تحقق في الصين في عهد سلالة سونغ، وجعل التقاليد الحكومية السابقة في أوروبا تبدو بالية وقديمة”. الأمر الذي أجبر الحكومات على توسيع دائرة الكفاءة بدلا من الاعتماد على الطبقات الضيقة من الفئات العليا في المجتمع، و”لولا أن الموظفين الإداريين والأيدي العاملة في المصانع كانت قد تعودت تدريجيا على العمل على أساس القاعدة الجديدة في بريطانيا لما أمكن عند دخول الماكينات المعتمدة على الطاقة في نهاية القرن الثامن عشر إيجاد عُمال ليصنعوا هذه الماكينات المصممة بدقة، فضلا عن إيجاد عمال ليشغلوها بنجاح”[10].

التحليل العسكري والاستعماري عند ويل ديورانت

يشير تحليل ديورانت إلى أهمية العوامل العسكرية والاستعمارية “الكولونيالية” التي هيأت لبريطانيا بلوغ الثورة الصناعية والهيمنة على العالم فيما بعد. (مواقع التواصل)

لدينا تحليل ثالث وأخير للمؤرخ الأميركي ويل ديورانت (1885-1981م) في موسوعته الكبيرة “قصة الحضارة”، فبينما ركز هوبزباوم على تطور الأوضاع الاقتصادية وتقدمها في بريطانيا، وقام تحليل هودجسون على أهمية العوامل الثقافية والفكرية التي أدت إلى تطوير الغرب من التقليدية إلى الموضوعية والعقلانية وبلوغه إلى “النزعة التقانوية”، ينحو ديورانت إلى أهمية العوامل العسكرية والاستعمارية “الكولونيالية” التي هيأت لبريطانيا بلوغ الثورة الصناعية والهيمنة على العالم فيما بعد.

ديورانت كان أكثر مباشرة في عرض السؤال والجواب من صاحبيه، ومن المهم أن نعرض وجهة نظره كاملة لأهميتها؛ فهو يتساءلُ: “لمَ بدأت الثورة الصناعية أول ما بدأت في إنجلترا؟ لأن إنجلترا قد انتصرت في حروب عظمى على القارة وحفظت في الوقت نفسه أرضها من خراب الحرب، ولأنها حقّقت السيطرة على البحار فظفرت بمستعمرات وفّرت لها الخامات واحتاجت إلى السلع المصنوعة، ولأن جيوشها، وأساطيلها، وسكانها المتزايدين، هيئوا لها سوقا متسعة للمنتجات الصناعية، ولأن النقابات الحرفية عجزت عن تلبية هذه المطالب المتسعة، ولأن مكاسب التجارة مترامية الحدود كدست رأسمال يبحث عن وجوه جديدة للاستثمار، ولأن إنجلترا سمحت لنبلائها -ولثرواتهم- بالاشتغال بالتجارة والصناعة، ولأن إحلال الرعي تدريجيا محل فلاحة الأرض أجبر الفلاحين على النزوح من الحقول إلى المدن حيث زادوا من عدد العمال المتاحين للصناعة، ولأن العلم في إنجلترا كان يوجهه رجال ذوو نزعة علمية، في حين كان في القارة منصرفا أغلبه إلى البحث المجرد؛ وأخيرا لأن إنجلترا كان لها حكومة دستورية حساسة لمصالح التجارة”[11].

وبفضل انعزال إنجلترا جغرافيا عن القارة الأوروبية بسبب بحر المانش، هذا “الحصن الذي شيدته الطبيعة ليدرأ عنها شر المرض وذراع الحرب” كما قال شكسبير، حُمي الاقتصاد الإنجليزي من نهب الجند المغيرين وسلبهم، في الوقت نفسه “حفزت حاجات الجيوش البريطانية وجيوش الحلفاء المحاربة في القارة توسعا زائدا في صناعات النسيج والمعادن، بفضل الحاجة إلى آلات تزيد من سرعة الإنتاج ومصانع تستكثر منه”[12].

حصن سنت جورج أول حصن إنجليزي في الهند. (مواقع التواصل)

أصبحت المستعمرات الجديدة لبريطانيا التي امتدت لكندا والهند ونيوزيلندا وأستراليا وجزر الكاريبي وغيرها من أهم الأسباب التي أدت إلى تسارع وتيرة الثورة الصناعية في بريطانيا، فقد دأبت بريطانيا على أخذ المواد الخام من هذه المستعمرات وإدخالها في عملية الإنتاج المتسارع بفضل الميكنة وإرسال المنتجات وبيعها في هذه المستعمرات الجديدة، وهكذا فرضت بريطانيا نمط الاستهلاك على أتباعها المستعمَرين، وفي الوقت عينه حمى البرلمان البريطاني الصناعة الوطنية من المنافسة الخارجية بتقييد الاستيراد، وخفض الضرائب على المنتجات المحلية، وبفضل كل ذلك “حظيت الطبقتان العليا والوسطى برخاء عظيم جدا، وبقدرة شرائية كانت حافزا إضافيا للإنتاج الصناعي” كما يقول ديورانت.

الأمر المهم أن الحكومة البريطانية لم تضيق على أصحاب رؤوس الأموال بمختلف طبقاتهم في عمليات الاستثمار والصناعة، بخلاف فرنسا التي كانت تحظر على النبلاء الاشتغال بالتجارة أو الصناعة، وتُرك الاقتصاد والأسواق لمبدأ العرض والطلب، كل ذلك أدى إلى إفاضة رأس المال، والاستثمار التقني في صناعة المحركات الحديثة التي أدت في نهاية المطاف إلى اختراع الآلة البخارية ثم السكك الحديدية فيما بعد، وكذلك شق القنوات والأنهار لتسهيل نقل البضائع من خلال السفن والمراكب البخارية الحديثة.

وهكذا وقفنا مع ثلاث رؤى تحليلية لمؤرخين غربيين كبار شرحوا الأسباب الكامنة التي أدت إلى تقدم الغرب منذ الثورة الصناعية وحتى يومنا هذا، وبينما تناول مؤرخان الأسباب الداخلية في قلب بريطانيا وأوروبا التي دأبت على تقليدها وهما هوبزباوم وديورانت، أشار هودجسون إلى أثر الحضارة الإسلامية الفكري والثقافي في تغير العقلية الأوروبية من التقليدية إلى العقلانية والابتكار.

__________________________________________________

المصادر

  • [1] جورج مقدسي: نشأة الكليات ص348 وما بعدها
  • [2] إريك هوبزباوم: عصر الثورة، ص82.
  • [3] هوبزباوم: السابق 82.
  • [4] هوبزباوم: السابق ص83.
  • [5] هوبزباوم: السابق ص85.
  • [6] مارشال هودجسون: مغامرة الإسلام 3/265.
  • [7] هودجسون: السابق نفسه.
  • [8] هودجسون: السابق 3/266.
  • [9] السابق.
  • [10] هودجسون: السابق 3/276، 277.
  • [11] ول ديورانت : قصة الحضارة 42/11.
  • [12] ول ديورانت: السابق 42/12.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply