كييف- شكلت “اتفاقية الحبوب” في يوليو/تموز من العام الماضي انفراجة كبيرة لقطاعي الزراعة والاقتصاد في أوكرانيا بعد تعثّر كبير بسبب حرب روسيا عليها، وخففت وطأة الأزمة في دول العالم المحتاجة إلى صادراتها، خاصة الفقيرة منها.

وساهمت الاتفاقية في تصدير نحو 33 مليون طن من الحبوب الأوكرانية على مدار عام، 60% منها إلى دول في قارتي أفريقيا وآسيا، بحسب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وعاد ذلك على اقتصاد أوكرانيا بمليارات الدولارات كمصدر وحيد للعائدات حاليا.

ساهم اتفاق تصدير الحبوب الصيف الماضي في انفراجة اقتصادية كبيرة لأوكرانيا والدول المستوردة منها (غيتي)

جبهة جديدة بعد “التعطيل”

وما إن تعطلت الاتفاقية بانسحاب روسيا منها في 17 يوليو/تموز الجاري حتى استنفرت أوكرانيا كل جهودها، وبات من الواضح أن “جبهة الحبوب” اشتعلت، وأنها قد تتجاوز أبعاد الاقتصاد والإنسانية إلى نواحٍ سياسية وعسكرية.

وتؤكد كييف أن انسحاب روسيا يأتي ضمن خطة مسبقة تهدف من خلالها موسكو إلى حصار الموانئ والهيمنة على البحر الأسود، ثم احتكار سوق الحبوب العالمي بالهيمنة على أسواق التصدير الأوكرانية قسرا.

ويُجمل الخبير في معهد الدراسات الاقتصادية الأوكراني أندريه يرمولايف تداعيات الأمر على أوكرانيا قائلا “ببساطة، وقف التصدير سيشل عمليات الزراعة التي تعتبر مصدر 45% من الناتج المحلي، هذا كارثي علينا، ويصعب على الدول الداعمة تعويضه”.

خيارات محدودة

وتقف أوكرانيا مستنفرة أمام 3 خيارات أو مسارات لتجاوز الأزمة والعثور على بدائل، ولكل منها إيجابيات وسلبيات تُدرَس محليا ودوليا بعناية، وهي:

  1. عودة إلى الاتفاقية دون روسيا

وهذا الخيار هو المفضل بالنسبة لأوكرانيا على ما يبدو رغم مرارة الحرمان من عمل باقي الموانئ، ومنع تصدير أي شيء آخر غير الحبوب.

وتروج كييف لهذا الخيار من خلال حث تركيا والأمم المتحدة (وسيطتا الاتفاقية) على الاستمرار، ولا سيما أن أوكرانيا وقعت معهما الاتفاقية لا مع روسيا، وبالتالي تعتبر أن موسكو انسحبت من التزاماتها وفق الاتفاقية الخاصة بها.

وفي هذا الإطار أيضا، تكثف الدبلوماسية الأوكرانية نشاطها محاولة إقناع تركيا التي أنشأت مركز لوجستيا خاصا بالاتفاقية في إسطنبول، ومطالبة الدول الشريكة بمساعدتها على تأمين ممر الحبوب بصورة تبعد روسيا وتهديداتها عن المشهد تماما.

ويعلق ميكولا بيليسكوف -وهو خبير عسكري في المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية- على هذا المسار للجزيرة نت فيقول “هذا أفضل وأسرع وأرخص مسار، قد يبدو أن أوكرانيا تبالغ بمطالب الحماية، لأن فيه إشراكا مباشرا أو غير مباشر لقوات أجنبية في الحرب، ولكن الغرب أدرك أن تداعيات التباطؤ هنا كارثية أكثر عليه وعلى اقتصاده وأمنه”.

وأضاف “أوكرانيا لا تحتاج إلى قوات ولم تطلبها، بل إلى أسلحة تدافع بها عن ممر الحبوب وتحميه، وإلى دوريات أجنبية أو رقابة أممية تعينها على هذا الغرض”.

U.N. ship brings food relief from Ukraine to drought-hit Horn of Africa in Djibouti
شحنات من القمح الأوكراني وصلت إلى جيبوتي في أفريقيا بناء على اتفاقية تصدير الحبوب (رويترز)

2. بدائل لوجستية برية ونهرية

والمسار الثاني المطروح هو العودة إلى البدائل (المحدودة) الموجودة قبل توقيع الاتفاقية في 22 يوليو/تموز 2022، من طرق تصدير برية ونهرية وخطوط سكك حديدية مع دول الجوار، ومنها إلى باقي دول العالم.

ويبدو أن الغرب متحمس أكثر لهذا المسار، فدول إقليمية مجاورة أبدت استعدادا للتعاون اللوجستي مع أوكرانيا، والمفوضية الأوروبية تعهدت بإيجاد طرق تعوّض تعطيل اتفاقية الحبوب بالكامل.

لكن هذا المسار لا يروق لكييف بشكل واضح، وربما سبب ذلك يعود إلى المشاكل التي لاحت في الأفق قبل العودة إليه.

ويقول الخبير الاقتصادي أندريه يرمولايف إن “هذه الطرق تعني إقرارا أوكرانيا بخسارة الموانئ بعد المطارات، وزيادة تكلفة التصدير بالنسبة للمنتجين، ثم ارتفاعا عالميا تشهده أسعار الغذاء”.

ويضيف الخبير إلى كل ما سبق حقيقة أن دولا مجاورة لأوكرانيا ترفض تسهيل خروج حبوبها لأنه يضر بإنتاجها وصادراتها المحلية -وعلى رأسها بولندا- رغم أنها من أهم الدول التي تدعم أوكرانيا بالمال والسلاح.

3- خطة “عمليات مضادة” في البحر

أما الخيار الثالث فعسكري بامتياز، وتتوعد بموجبه كييف بضرب سفن روسيا العسكرية وغير العسكرية كرد فعل مماثل لما أعلنه الجانب الروسي.

وطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هيئة الأركان ووزارات الدفاع والخارجية والبنى التحتية بخطة أوكرانية لإنقاذ اتفاقية الحبوب.

لكن العزم الأوكراني يصطدم -على ما يبدو- بواقع صعب لا يمكن إنكاره ويوضحه الخبير العسكري ميكولا بيليسكوف قائلا إن “أوكرانيا غير قادرة حاليا على فتح جبهة مواجهة واسعة مع روسيا في البحر الأسود، وإطلاق عمليات مضادة لفك حصار الموانئ وحركة السفن”.

ومن ناحية أخرى، يرى الخبير أن “أوكرانيا تحاول من خلال خططها ونشاطها الدبلوماسي إقناع الدول الداعمة بأهمية مساعدتها على حل جذري لهذه القضية، حتى وإن كان في ذلك بعض المخاطر”.

ويتوقع بيليسكوف أن تجمع أوكرانيا بين الخيارات المطروحة، وأن تتفاعل بعض الدول مع هذا الأمر فعلا من خلال تزويد كييف بدفاعات قوية لمدنها الساحلية وموانئها، وأسلحة متطورة تشكل تهديدا للوجود الروسي في منطقة البحر الأسود، بما في ذلك أراضي القرم.

ويختم بأن “حرب روسيا خلقت تهديدات وأزمات عالمية، وبشكل عام، دول كثيرة في الغرب تتعامل مع موضوع دعم أوكرانيا اليوم على أنه ضرورة متعددة الأسباب وليس من باب الكرم ونبل المواقف”، على حد قوله.


المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply