موسكو- أثار إعلان السفارة الروسية في تل أبيب -يوم الجمعة الماضي- التوقيع على اتفاقية مع بلدية الاحتلال في القدس لتوضيح حدود ومساحة قطعة أرض تملكها روسيا في القدس الغربية، في تسوية بين الجانبين، الكثير من التساؤلات بشأن أبعاد هذا القرار.

وعقب الإعلان عن توقيع الاتفاقية، انتشرت على نطاق واسع أنباء تتحدث عن التوصل لتفاهمات بين الجانبين لإنشاء ممثلية دبلوماسية روسية رسمية في القدس.

ومما عزز هذه الهواجس اعتبار وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين أن افتتاح فرع للسفارة الروسية في القدس هو “بمثابة إنجاز سياسي يعزز مكانة القدس”، ولا سيما إشارته إلى أن المفاوضات بين بلدية القدس والجانب الروسي حول هذه القضية جرت بتوجيه من الحكومة الإسرائيلية.

لكن بالعودة إلى بيان السفارة الروسية في إسرائيل بهذا الخصوص، فإنه ينص على أنه قد “تم في 18 مايو/أيار التوقيع على اتفاقية ودية وبروتوكول خاص بين روسيا وبلدية القدس، بمساعدة السفارة الروسية ووزارة الخارجية الإسرائيلية، بخصوص توضيح حدود ومساحة قطعة الأراضي الروسية في القدس الغربية”.

ويتابع البيان بأن” التوقيع على هذه الوثائق جاء نتيجة لعملية متعددة السنوات بدأتها وزارة الخارجية الروسية، وننطلق من أنه سيتم استخدام ملكية الأرض المذكورة، على وجه الخصوص، لبناء مجمع من المباني والهياكل والمرافق، لتلبية احتياجات القسم القنصلي للسفارة الروسية في إسرائيل”.

تسوية عادلة

وأضاف البيان “ونحن على يقين من أن هذه الخطوة تعمل بشكل كامل على تعزيز العلاقات الودية المتعددة الأوجه بين روسيا وإسرائيل، وتتماشى مع مسار بلادنا الذي لم يتغير نحو تسوية عادلة في الشرق الأوسط”.

ووفق البيان، يدور الحديث عن “قطعة الأرض التي تقع عند تقاطع شارعي الملك جورج الخامس ومعلوت في القدس الغربية، وحصل عليها الجانب الروسي عام 1885، وهي مذكورة في البند 50 من “جرد العقارات الروسية في فلسطين وسوريا، باستثناء تلك التي تعتبر ملكية خاصة”، وذلك بتاريخ 19 يونيو/حزيران 1895، الذي أعده مدير القنصلية العامة للإمبراطورية الروسية في القدس حينها ألكسندر ياكوفليف.

ويتضح من البيان المذكور أنه لم يتحدث عن أي بعد سياسي، أو أية تسوية بين الجانبين تشمل تفاهمات حول إنشاء ممثلية دبلوماسية روسية رسمية في القدس.

ومع ذلك، استخدمت صحيفة “إسرائيل اليوم” ووسائل إعلامية إسرائيلية أخرى، عبارة: إنشاء بعثة دبلوماسية روسية رسمية في القدس، تتماشى مع موقف موسكو التقليدي بالاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل.

 اصطياد في الماء العكر

هذا التباين وضعه الخبير في شؤون الشرق الأوسط أندريه أونتيكوف في سياق محاولة وسائل إعلام إسرائيلية استغلال الحدث للإضرار بعلاقات روسيا مع العالمين العربي والإسلامي، مشيرا بشكل خاص إلى التقارب بين موسكو وبلدان عربية -وعلى رأسها السعودية- في عدد من الملفات الحيوية، وكذلك إلى المرحلة التي تعيش فيه العلاقات بين موسكو وطهران أعلى مراحل التنسيق والتعاون بين البلدين.

ويوضح أونتيكوف -في حديث للجزيرة نت- أن الموقف الرسمي الروسي يتمثل في الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، وبالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، لكنه يستبعد بشكل شبه قاطع أن تقوم موسكو بخطوة لا مردود من ورائها سوى الإضرار بالعلاقات مع البلدان العربية والإسلامية، في الوقت الذي تعيش فيها العلاقات بين موسكو وتل أبيب ذروة توترها.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ذهبت مواقع إسرائيلية ناطقة بالروسية إلى الزعم بأن روسيا تعهدت بفتح قسم قنصلي في القدس، حتى دون الإشارة إلى عبارة “الغربية”.

وقالت المواقع الإخبارية الإسرائيلية إن الاتفاقية بين الجانبين تنص على أنه بعد توقيعها، ستبدأ روسيا في تشييد المبنى في غضون 5 سنوات، وأن هذا المبنى الجديد سيقع في ساحة انتظار السيارات بين شارعي الملك جورج ومعلوت، وأنه إلى أن يبدأ البناء، ستستخدم السفارة الروسية مواقف السيارات المجانية الموجودة في هذا الموقع، على الرغم من أنها ستغلق بمجرد بدء البناء.

ملف قديم

وبحسب المحلل السياسي سيرغي بيرسانوف، فإن المسألة لا تتعدى نطاق حسم ملف ملكية الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في الأرض المقدسة، ولا سيما على ضوء عملية توحيد الكنيسة الأرثوذكسية الروسية التي دامت 20 عامًا، بعد أن انقسمت خلال الثورة البلشفية.

ويشير بيرسانوف إلى أن الكنيسة الروسية تمتلك عشرات العقارات في القدس وأماكن أخرى في الأراضي المقدسة، حصلت عليها في القرن التاسع عشر، والآن تطالب روسيا بإعادتها جميعها تحت اسم توضيح حدود مساحة هذه الأراضي، موضحا بأنه تمت إعادة بعض القطع بالفعل، ومن مصلحة روسيا إعادة الباقي.

بموازاة ذلك، يرى بيرسانوف أن إسرائيل نفسها تريد إنهاء كافة فصول ملف ممتلكات الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ومن خلال ذلك عدم إغلاق كافة أبواب التواصل الودي مع موسكو، وهو ما كاد يتكرس بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.

لكن بيرسانوف يشير إلى أنه رغم أن عددا من الدول الأوروبية لديها أيضا قنصليات في القدس، فإن الأمر يختلف عند مقاربة روسيا لهذا الملف.

وبحسب رأيه، لا يوجد على الأرض أي معطى يمكن أن يعزز فرضية نقل السفارة الروسية إلى القدس الغربية، ولا سيما في ظروف الحديث عن تكتلات جديدة في الإقليم ذاهبة في اتجاه ثنائية القطبية.

كما يسخر من تحليلات بعض المراقبين السياسيين، من بينها -على سبيل المثال- أن توقيت الإعلان عن التفاهم يمكن أن يشكل ثقلًا موازنًا لزيارة السيدة الأولى الأوكرانية أولينا زيلينسكي لإسرائيل هذا الأسبوع.


المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply