هل شعرت يوما أثناء وجودك في إحدى المناسبات الاجتماعية بتسارع نبضات قلبك بشكل مفاجئ، أو لعلك شعرت أنك تفقد السيطرة على عضلاتك بشكل كامل وأنك لا تستطيع التنفس، وأن العرق بدأ يتصبب منك وبدأت تتخيل كما لو أنك ستموت الآن وهُنا؟ حسنا، قد يكون هذا الموقف من أصعب المواقف الاجتماعية التي مررت بها وأكثرها إحراجا، خصوصا أن هذه الأعراض تحدث بشكل مفاجئ ودون سبب واضح، وهو ما يزيد خوفك وقلقك من إمكانية حدوثها مرة أخرى.

 

يُسمّى ما مررتَ به من أعراض مجتمعة بنوبة الهلع أو نوبة الذعر، وهي أحد الاضطرابات النفسية المعروفة، والخبر السارّ هنا أنها من الاضطرابات التي يعرف علماء النفس والأطباء النفسيون علاجها. تحدث نوبات الذعر عادة أثناء مواقف اجتماعية وحياتية طبيعية وخالية من المخاطر، بل قد تحدث بينما يمارس الأفراد من حولنا حياتهم بشكل طبيعي دون وجود ما يدعو للقلق، لكنها بالنسبة إليك مسألة مخيفة ومثيرة للإحراج والقلق لإمكانية حدوثها أمام الآخرين، وغالبا ما يتولد لديك بعد انتهاء النوبة شعور بالتوجس والقلق العام من عودتها في مناسبة اجتماعية أخرى، وهو ما قد يدفعك لتجنب الأنشطة والمناسبات الاجتماعية، وقد تعطلك عن ممارسة الأنشطة في حياتك اليومية تجنبا لحدوث الأعراض مرة أخرى.

 

إن كنتَ قد مررت بنوبة هلع أو حصلت لك الأعراض السابقة أو تعرف أحدا قد أصابته، فأنت في المكان  الصحيح، إذ نحاول في هذا المقال الإجابة عن ماهية نوبات الهلع بحسب الطب النفسي وأسباب حدوثها وأعراضها، ومن ثمّ سنقدم لك بعض الطرق العلمية بحسب أخصائيي علم النفس العلاجي، والتي ستساعدك على إدارة نوبة الذعر والهلع من قبل حدوثها حتى تنتهي.

لماذا نُصاب بنوبة الهلع؟ ولماذا نصاب بالذعر؟

قد تستمر نوبة الهلع لبضع دقائق إلى نصف ساعة من أعراض تجنبية للظروف التي تسببت بالذعر بالمقام الأول. (شترستوك)

ليس هناك سبب واضح لحدوث نوبات الهلع، ولكن هناك تفسيرات أوردها علماء البيولوجيا وعلم النفس فيما يتعلق بأسباب حدوث نوبات الهلع، وأساس ما يجري على المستوى العصبي والبيولوجي هو أن الإنسان عندما يواجه خطرا يقوم بتحفيز الجهاز العصبي التلقائي، وهو الجهاز الذي يتحكم بالوظائف الحيوية الذاتية واللاإرادية، ويقوم هذا الجهاز بتهيئتنا لمواجهة الخطر، وينقلنا من وضعنا الطبيعي إلى وضعية تأهب تُسمى استجابة الكر أو الفر (Fight or flight)، والتي قد تُترجم أيضا إلى “استجابة الهجوم أو الفرار”، ويقوم الجسم نتيجة لحصول هذه الاستجابة بإفراز هرمون الإجهاد المعروف بالأدرينالين، والذي يقوم بتهيئتنا لاتخاذ الإجراءات اللازمة للنجاة بحياتنا(1)، فتظهر على إثر ذلك مجموعة من الأعراض الجسدية، مثل ازدياد معدل نبضات القلب، ما يزيد تدفق الدم إلى العضلات وزيادة حاجة الجسم للأكسجين، ومن ثم يبدأ الإنسان بالتنفس بسرعة ويصبح الجسم جاهزا لتكوين رد فعل للموقف الخطر، كالمواجهة أو الفرار لحماية النفس من الخطر المُحدق.

 

“تحدث نوبة الهلع عند تفعيل استجابة “الهروب أو القتال”، ولكن لا يوجد خطر على وشك الحدوث، وقد تحدث هذه النوبة في أوقات لا يوجد فيها خطر حقيقي وخالية من الإجهاد، مثل حضورك لمناسبة اجتماعية أو مشاهدة التلفاز أو أثناء النوم”(2) . ويشمل العَرَض الأساسي لنوبة الهلع خوفا مفاجئا وشديدا ومزعجا، كما تصاحب هذه النوبات مشاعر من الفزع المطبق، والاعتقاد بأنك قريب من الموت وأنك واقع تحت تأثير نوبة من نوبات القلب، وأنك تفقد التحكم في نفسك، ويحدث أن يتوهم بعض الأشخاص أنه يتعرض لمسّ من الجنون(3).

 

قد تستمر نوبة الهلع لبضع دقائق إلى نصف ساعة من أعراض تجنبية للظروف التي تسببت بالذعر بالمقام الأول، فعلى سبيل المثال نجد أن الأشخاص الذين يشعرون بالقلق من الأماكن المغلقة يشعرون بالارتياح إذا ما فُتحت النافذة، فيما تبقى الأعراض أثناء نوبة الهلع متشابهة مع الأعراض المصاحبة للخوف والقلق، ولكن ما يُميّز أعراض نوبة الهلع أو الذعر هو حدوثها وتفاقمها بشكل مفاجئ دون وجود أي خطر حقيقي.

 

وتظهر على المريض اثناء هذه النوبة 4 أعراض جسمية أو أكثر، وتصل إلى ذروتها في أقل من 10 دقائق، وتشمل الأعراض ما تظهره الصورة التوضيحية الآتية(4).

أحد أهم التفسيرات لنوبات الهلع هي “نظرية التعلم”، فمن خلالها يفسّر خوفنا غير المُبرّر من الأشياء غير المخيفة، ونظرية التعلم تساعدنا على أن نفهم لماذا تشكل بعض الأمور العادية مصدر تهديد وقلق لأفراد من البشر بعينهم دون غيرهم، ما يحدث عمليا بحسب نظرية التعلم هو شيء من الإشراط السلوكي، والتزامن بين مُثير غير مخيف واستجابة الخوف، أي أن الخوف في البداية يحدث خطأ، لكن الجسد بيولوجيّا لا يستطيع التمييز بسهولةٍ أن ما جرى للتو لم يكن أمرا مخيفا حقا، ولهذا يحدث بعد هذا الخوف الخاطئ أن يصبح الأمر عادة، وكلما فعلناه أكثر واستجبنا بالطريقة نفسها تعوّد جهازنا العصبي على تحفيز استجابة الخوف بسهولة، فينتج عن هذا الذعر حلقة مفرغة من القلق تُبقي النوبات مستمرة على الدوام، ويُفسِّر النموذج الآتي كيف تتحول نوبة الذعر إلى مشكلة ذعر مزمنة(5).

ماذا أفعل كي أتخلص من نوبات الذعر؟

  • أولا: تعلّم أن تتنفس في كيس ورقي

يتنفس البعض أثناء نوبة الذعر بسرعة، ويتسبّب التنفس السطحي السريع بحدوث ما يُسمى بـ”متلازمة فرط التهوية”، ما يتسبب بدوره بطرد كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الجسم، ما يقلل من حموضة الدم، وهذا يؤدي إلى الشعور بالدوار وخدر في الأصابع، بالإضافة إلى تشنجات بالعضلات، ويشعر المصاب بثقل في صدره. وعند حدوث كل هذه الأعراض مجتمعة يصاب الشخص بالفزع وتحدث نوبة الهلع، لذلك يُعد التنفس في كيس ورقي إحدى الوسائل الأساسية للتعامل مع فرط التهوية، فبهذه الطريقة تزداد كمية ثاني أكسيد الكربون في الكيس تدريجيا، وتعود إلى الدم بنسبها الطبيعية. وفي حال وجدت التنفّس في كيس ورقي صعبا بالنسبة إلى ظروف محيطك الحالية، فاستعن بالخطوات التالية لهذه النقطة.

 

  • ثانيا: تعلّم التنفس العميق

لتقليل مستوى التوتر في موقف معين فإنه من المفيد جدا تعلم طرق التنفس الصحيحة، وخاصة ما يُسمى في علم النفس بالتنفس العميق، إذ يساعدنا التنفس العميق على استرخاء العضلات وتقليل التقلصات، بل وتخفيف الألم الناتج عن المواقف المُربكة التي تجعلنا نتنفس بطريقة سطحية. يعمل التنفس العميق على أهم عضلات التنفس، وهي عضلة الحجاب الحاجز التي تقع أسفل الحجاب الحاجز، وعندما نخفض هذه العضلة عن طريق امتصاص الهواء فإننا نوسع سعة الرئة ونحرك العضلات المجاورة الأخرى، أما عندما نُخرج الهواء في عملية الزفير فإننا نُريح الحجاب الحاجز فيعود إلى موضعه الصحيح، وهو ما يساعدنا على الاسترخاء بشكل أكبر ويُعزّز من وجود الأكسجين في الدم بشكله المثالي(6)، ولتطبيق مهارة التنفس العميق قُم بتطبيق الخطوات الآتية:

  1. اتّخذ وضعية مُريحة للجسد، إما بالاستلقاء على ظهرك أو بالجلوس على الكرسي مع إسناد كلّ من كتفيك ورأسك وظهرك إلى ظهر الكرسي.
  2. التقط نفسا من أنفك واجعله يملأ بطنك بالهواء.
  3. أخرج الزفير عبر أنفك.
  4. ضع يدا على بطنك والأخرى على صدرك.
  5. اشعر بامتلاء بطنك وارتفاعه من خلال الشهيق، حيث يجب أن يندفع بطنك للأمام وبانتفاخ أكثر من صدرك، ثم اشعر بانخفاض بطنك من خلال الزفير.
  6. كرّر العملية عبر أخذ 3 أنفاس عميقة إضافية بالطريقة السابقة نفسها(7).
يُعد التمرن على الاسترخاء سلاحا فعالا، ليس في مواجهة نوبات الذعر فحسب، بل لجميع استجابات القلق والخوف النفسية والتخلّص منها. (شترستوك)
  • ثالثا: تذكّر بعض الحقائق العلمية حول نوبات الذعر

أثناء حدوث نوبة الهلع، من المفيد أن تتذكر أن هذه المشاعر والتوترات نفسية أكثر منها جسدية، وأن هذه الاستجابة الجسمانية ستزول ولن تتسبب بأي أذى حقيقي كما يحاول عقلك أن يوهمك. ومهما بدا لك الأمر مخيفا، حاول التذكر بأن الأعراض ستستمر لفترة قصيرة ولكنها ستنتهي، إذ من المعروف طبيّا أن نوبات الهلع تصل إلى أقصى أعراضها خلال مدة 10 دقائق، ثم تبدأ بالتراجع والانحسار التدريجي. فاحفظ هذه المعلومة جيدا واستحضرها مرارا وتكرارا عند حدوث نوبة الهلع القادمة.

 

  • رابعا: تعلّم الاسترخاء

توتر العضلات هو أحد أعراض نوبات الهلع المعروفة، ويُعد الاسترخاء من أهم التقنيات العلاجية في العلاج النفسي للسيطرة على نوبات الهلع والذعر، إذ يعمل الاسترخاء على وقف الانقباضات والتقلصات العضلية المصاحبة للقلق، ويُعد التمرن على الاسترخاء سلاحا فعالا، ليس في مواجهة نوبات الذعر فحسب، بل لجميع استجابات القلق والخوف النفسية والتخلّص منها، وهي مهارة قابلة للتعلم بسرعة إن كان لدى الشخص رغبة جادة بتعلمها. ويُعد استرخاء العضلات التدريجي أكثر التقنيات المفيدة للسيطرة على نوبات الهلع، ويمكن القيام به من خلال ممارسة الشد على عضلة ما بعينها، مثل قبضة اليد ومن ثم إرخائها، والانتقال لعضلة أخرى مثل القدم أو عضلات الوجه، وممارسة الشد الاختياري عليها ومن ثم إرخائها، والانتقال لعضلة تلو الأخرى حتى تصبح قادرا على الاسترخاء وتشعر بالراحة.

 

  • خامسا: تخيل نفسك في مكان مريح
إن شعرت أن أعراض نوبة الذعر قد بدأت، فلا تتردد بالانتقال إلى مكان خارجي تشعر فيه بالارتياح، وحاول التركيز على تفاصيل المكان قدر الإمكان. (شترستوك)

إن قضاء وقت في الطبيعة وتأمُّل المشاهد الطبيعية مما أثبت العلم أنه يقلل التوتر والقلق، فإن شعرت أن أعراض نوبة الذعر قد بدأت، فلا تتردد بالانتقال إلى مكان خارجي تشعر فيه بالارتياح، وحاول التركيز على تفاصيل المكان قدر الإمكان، ومن ثم تخيل قدميك تطأ الرمال الدافئة، أو ركّز حواسك عبر محاولة شمّ رائحة الأشجار، أو تخيّل نفسك كما لو أنك تقف على قمة جبل وترى كثيرا من التلال في الأسفل. وكلما لجأت إلى مكان أكثر هدوءا وأكثر ابتعادا عن صخب المدينة والمرور ساعدتَ نفسك على التخيّل واستحضار تفاصيل البيئة المريحة بشكل أكثر(8).

 

  • سادسا: استعمل طريقة 1-2-3-4-5

يمكن لنوبات الهلع أن تُشعر الشخص بأنه منفصل عن الواقع وأنه يفقد سيطرته على حواسه، ولذلك تُعد هذه الطريقة من الطرائق العملية والعلاجية التي تساعد الشخص على اليقظة الذهنية وتوجيه تركيزه بعيدا عن مصدر التوتر الفعلي أثناء حدوث النوبة، ويمكنك تطبيق هذه التقنية عبر اتباع الخطوات الآتية:

  1. انظر إلى 5 جمادات من حولك، وفكّر في كل واحدة لفترة قصيرة.
  2. استمع إلى 4 أصوات مميزة، فكّر في مكان صدورها وما الذي يميزها.
  3. اِلمس 3 أشياء من حولك، حاول تأمل ملمسها، وشكلها، وما استخدامها.
  4. حاول شم رائحتين مختلفتين، قد تكون رائحة قهوتك، أو رائحة عطرك.
  5. تذكّر شيئا واحدا يمكنك تذوقه، حاول تذكر الطعم في فمك، أو تذوق قطعة حلوى.

_________________________________________

أدوات ستساعدك

  • أداة (1): بودكاست | اضطراب الهلع – ياسر الحزيمي وأنس بن عوف

  • أداة (2): كتاب “القلق ونوبات الذعر – كوام مكنزي”

يقدّم لك الطبيب النفسي “كوام مكنزي” في هذا الكتاب الخلاصة الطبية والعملية فيما يتعلق بالذعر والهلع والقلق، وهو بروفيسور في الطب النفسي في جامعة تورونتو، وأقدم طبيب نفساني في مركز الإدمان والصحة العقلية. وهذا الكتاب عملي وصغير، يأتي في حدود 150 صفحة، مكتوب بطريقة مباشرة وسهلة للقارئ كي يستفيد وينتقل به للخطوات العملية لإدارة القلق والذعر باستخدام تقنيات المساعدة الذاتية.

  • أداة (3): اقتباسات | مقولات حول الشجاعة

بعض الاقتباسات التي من الممكن أن تكون مفيدة لو كررتها في نفسك أو كتبت ما يُعجبك منها على ورقة وعلقتها أمامك في المرآة:

“ليس الشجاع شخصا لا يشعر بالخوف، لأن عدم الخوف أمر غير معقول، وإنما الشجاع من لديه روح نبيلة تقهر هذا الخوف”

(جوانا بايللي).

 

“إن أصعب علاج للخوف، وعادة ما يكون الأكثر فعالية، هو التحرك المباشر”

(ويليام بيرنهام).

 

“إن القلق والخوف من حدوث شيء سيئ هما أساس العديد من الاستجابات الضارة”

(أ.د جيمس سيجال).

 

“إذا واجهت الخوف باعتقاد راسخ بأن باستطاعتك التغلب عليه، فإنك ستخلق الظروف التي ستمكنك من هذا حقا” (بيت كوهين).”إن العقبات التي تكون من صُنع خيالنا يصعُب التغلب عليها أكثر من العقبات الحقيقية، كما أن الخوف يمكن أن يخلق المزيد من العقبات الخيالية أكثر مما يستطيع الجهل أن يخلقه”

(باربرا شير).

_________________________

المصادر والمراجع:

  1. رسول سلمان (2022): هدوء في عاصفة الهلع – ص 10
  2. Panic attack – Better Health Channel
  3. مارتن سيليجمان (2004): ما الذي يمكن تغييره/ مكتبة جرير، الرياض
  4. هوفمان إس جي (2012): العلاج المعرفي السلوكي المعاصر/ ترجمة مراد عيسى/ دار الفجر، القاهرة
  5. “القلق ونوبات الذعر” – كوام مكنزي مدينة الملك عبد العزيز للعلوم التقنية /كتاب، ص27
  6. The Importance of Breath Control for Anxiety (fpmaragall.org)
  7. Relaxation techniques: Breath control helps quell errant stress response – Harvard Health
  8. Panic Attacks: What They Are, How to Stop, and More (healthline.com)

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply