الحسن بن محمد الوزان من روّاد علم الجغرافيا في الحضارة العربية الإسلامية، ولد في مدينة غرناطة قبل سقوطها ببضع سنوات، ومن أشهر مؤلفاته كتاب “وصف أفريقيا”.

عرفت حياته بكثرة الترحال في كامل أرجاء أفريقيا، ووصل إلى أوروبا، لكن عندما قرر العودة إلى أهله في المغرب أسَرَه القراصنة، وقُدّم في روما هدية للبابا ليون العاشر الذي عمّده وأدخله المسيحية للاستفادة من معارفه وعلومه إبان عصر النهضة في أوروبا ولخدمة طموحاته الاستعمارية.

المولد والنشأة

هو الحسن بن محمد الوزان الزياتي الفاسي، المكنّى بـ”أبي علي”، والمشهور بـ”ليون الأفريقي” أو “يوحنا الأسد الأفريقي”.

ولد سنة 1483 في غرناطة -قبيل سقوطها في يد الإسبان إثر حروب الاسترداد- لأسرة مغربية تعود إلى قبيلة بني زيات الزناتية، وتوجد بين البحر المتوسط ووادي لاو وتطوان. والده فقيه وعالم في النحو، وانتمى لعائلة من أعيان غرناطة كانت مقربة من حكام مدينة فاس.

ومع اشتداد سطوة وجبروت الملك فرديناند والملكة إيزابيلا، فرّت عائلة الوزّان إلى فاس كحال كثير من الأسر الموريسكية، حيث نشأ وترعرع ليون الأفريقي.

وعلى الرغم من حداثة سنّ الحسن الوزان آنذاك، فإن والده كان يصطحبه إلى بعض المهمات والرحلات لجمع الضرائب من النواحي والمدن، وقد جعلته تلك الأسفار عارفا ببلاد فاس وشغوفا بعلم الجغرافيا ومولعا بالترحال منذ صغره.

صورة حديثة لمدينة غرناطة التي ولد فيها “ليون الأفريقي” (الأناضول)

الدراسة والتكوين العلمي

تتلمذ الحسن في جامعة القرويين على يد كبار علمائها، فبرع في علوم اللغة وآدابها والعقائد والفقه والتصوف والتفسير والقراءات والحديث والسير والحساب والفلك والمنطق، وغيرها من العلوم التي كانت تدرس آنذاك بجامع القرويين، وذلك إلى جانب رحلاته مع أبيه وشغفه بالترحال وعلم الجغرافيا.

حصل في سن الحادية عشرة على أول وظيفة في المستشفى الكبير بفاس، قبل أن يصبح أحد عدول فاس الرسميين.

وببلوغه سن الرابعة عشرة، ظهرت علامات نبوغه المبكر الذي شد انتباه سلطان فاس محمد الوطاسي، فأدخله غمار السياسة عن طريق إيفاده إلى خصمه محمد القائم بأمر الله السعدي قائد الدولة السعدية.

كما أسند إليه أيضا مهمة محاولة استمالة يحيى بن تعففت أحد القادة المحليين ببلاد عبدة، وعلى الرغم من أن محاولة الوزان لم تفلح في استمالته، فإنه تمكن من تأليب السعديين عليه حتى قضوا عليه.

ومنذ تلك السن المبكرة، أصبح للحسن مكانة في بلاط السلطان، وأصبح مكلفا بعدد من المهمات السياسية باسم سلطان فاس، مما مكنه من تكوين عدد من الصداقات مع أمراء وملوك أفريقيا حتى أصبح عالما ببلادها وبأهم حواضرها وعادات سكانها، وتشكل لديه حلم بتأليف كتاب يصف فيه رحلاته وجغرافية أفريقيا، وهو ما مثل نقطة تحول في حياته.

خارطة قارة إفريقيا

 

رحلاته

رافق الوزان والده في كل أسفاره لقضاء مهمات جمع الضرائب من المناطق والبلدان، ويمكن القول إن تلك الأسفار التي كان يقوم بها كل عام جنوبا تارة وشمالًا أخرى كانت سببا في ترسيخ أولى معلوماته الجغرافية.

أول دخول له إلى أفريقيا كان من خلال رحلة صحب فيها عمه إلى مدينة تمبكتو في مالي، وفق تأكيد المستشرق الروسي إغناطيوس كراتشكوفسكي في كتابه “تاريخ الأدب الجغرافي العربي” قبل أن يخصص الوزان كتابه “وصف أفريقيا” لرصد ما شاهده في القارة السمراء، ومن ثم أصبح مؤلفه مرجعا للعرب والأوروبيين في ذلك الشأن.

يمكن تقسيم الرحلات التي ضمها “وصف أفريقيا” إلى 9 رحلات، أولاها رحلته إلى الشواطئ الغربية بالقرب من فاس عام 1508، ثم جولته في وسط المغرب بعدها بعام واحد، ثم توالت الرحلات التي كانت مدة الواحدة منها عام تقريبا.

ففي عام 1511، مرّ بالأطلس الكبير في جبال دادس ثم بلاد حاحا (بالمغرب)، ثم قام برحلة أخرى من مراكش إلى سوس عبر أمزميز، ثم رحلة إلى الحجاز والأستانة (إسطنبول)، وأخيرا انتقل إلى البلاد الليبية والتونسية حيث مكث أكثر من سنتين.

يقول الفقيه والعالم المغربي محمد المهدي الحجوي في كتابه “حياة الوزان الفاسي وآثاره”، إنَّه “عندما اكتملت عند الحسن صورة لجغرافيا أفريقيا لم يكتف بما حققه، بل تعداه لاستكمال باقي رحلاته خارج القارة، فذهب إلى العاصمة العثمانية الأستانة (إسطنبول)، وكان ذلك عندما كانت سنه 22 عاما تقريبا”.

كما يقول الدكتور علي بن عبد الله الدفاع في كتابه “رواد علم الجغرافيا في الحضارة العربية والإسلامية” إن الحسن الوزان زار بلاد فارس والشام وأرمينيا، وذلك في رحلته الأولى.

كتاب وصف افريقيا
كتاب وصف أفريقيا للحسن بن محمد الوزان (الجزيرة)

الأَسر

سنة 1520، أحس الحسن الوزان أن رحلاته آن لها أن تنتهي، وأن العودة إلى الأهل والديار في المغرب صارت ملحة وضرورية. ومن أجل ذلك أبحر من تونس باتجاه المغرب، لكن قراصنة القديس يوحنا اعترضوا سبيل السفينة قرب جزيرة جربة في الجنوب التونسي، واقتادوه أسيرا إلى نابولي بغية تقديمه هدية إلى البابا ليون العاشر في روما.

وصل الوزان إلى روما، وحين التقى به البابا العاشر وعرف أنه أمام علامة قدير وجغرافي بارع، تغيرت العلاقة بينهما وانتفت صلة الأسير بالسيد، وقرر البابا الإفراج عنه وتعميده وعدّه مسيحيا؛ لتسهل عليه الاستفادة منه عن طريق إمداد حملته العسكرية في حروبه الصليبية بما لديه من معلومات جغرافية، ولم يكن للحسن الوزان أي حرية في الرفض وإلا كان الهلاك مصيره.

كان لسرعة بديهة الوزان ومعرفته السابقة بنمط الحياة المسيحية أثناء طفولته المبكرة في غرناطة، مما سمعه وتعلمه من عائلته، دور كبير في تقريب البابا ليون العاشر له، إذ إنه كان يرغب في الاستفادة من خبراته في تعليم اللغة العربية للأوروبيين، من أجل ترجمة التراث الفكري والحضاري العربي.

أشرف البابا ليون العاشر بنفسه على مراسم تعميد الحسن الوزان، وأعطاه اسما جديدا صار يعرف به حتى اليوم، وهو “يوحنا الأسد الغرناطي”، لكن ذلك لم يمنع حنين الرحالة الأسير وشوقه لأهله وبلاده وديانته التي ولد بها، لذلك أمضى في نهاية كتابه “وصف أفريقيا” بـ”العبد الفقير إلى الله مؤلفه يوحنا الأسد الغرناطي المدعو قبل الحسن بن محمد الوزان الفاسي”.

علّم ليون الأفريقي اللغة العربية لنخبة رجال الكنيسة في روما ونابولي، كما ذاع صيته في مدرسة بولونيا حيث علّم العربية لطلبتها من عامة الشعب خلال عصر النهضة الأوروبية.

كتاب ليون الافريقي
كتاب ليون الأفريقي لمؤلفه أمين معلوف (الجزيرة)

الهروب

بعد موت البابا ليون العاشر سنة 1521، انتقل ليون الأفريقي للعيش عند أحد الكاردينالات ليعلمه اللغة العربية، وظل معه إلى أواخر عمره.

سنة 1550 عندما أحس الكاردينال بدنو أجله، استدعى إلى روما أحد نبلاء بولونيا المقربين ليقابل ليون الأفريقي، لكن قبل وصوله إلى روما توفي الكاردينال، وفي الوقت نفسه اختفى الحسن الوزان الذي غادر إلى تونس ليستعيد ديانته القديمة واسمه السابق.

مؤلفاته

يعدّ كتاب “وصف أفريقيا” أبرز مؤلفات الحسن الوزان، وقد أتمه سنة 1526 في مدينة روما، وهو عبارة عن مزيج من مشاهداته الخاصة وما نقله عن بعض المؤرخين والجغرافيين، كابن خلدون والبكري والقيرواني وغيرهم كثير.

وقد تناول فيه شعوب أفريقيا، وخاصة بلاد المغرب، وعاداتها وجغرافيتها. وعلى مدى قرون، كان من أكثر الكتب التي أقبل عليها الأوروبيون ترجمة وطبعا ونشرا.

كان العالم الإيطالي راميزو أول من نشره سنة 1550، اعتمادا على نسخة مخطوطة بيد ليون الأفريقي، وقد نفدت طبعته فأعاد طبعه 6 مرات.

كتب الحسن الوزان عدة مؤلفات خلال فترة حياته بالمغرب، كما خلف خلال وجوده في أوروبا مجموعة من الكتب باللغة الإيطالية واللاتينية، تتمحور حول المسلمين وبلدانهم ولغاتهم، منها ما ضاع ومنها ما ظل سليما.

من كتب الحسن الوزان التي ظلت سليمة: معجم عربي عبري لاتيني، كتبه الوزان للطبيب اليهودي يعقوب بن شمعون، وهو ما يزال مخطوطا في مكتبة الإسكوريال بإسبانيا، إضافة لكتاب في التراجم باللاتينية، عرّف فيه بثلاثين شخصية من فلاسفة العرب وأطبائهم.

وفاته

لم يُعرف بالتحديد كيف ومتى مات الحسن الوزان، نظرا لانقطاع أخباره عند وصوله إلى تونس، كما فشل الإيطاليون في العثور عليه، لكنّ أغلب الروايات تتفق على أنه توفي حوالي سنة 1552 في تونس.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply