يرفض المراهق ساجد البريطاني من أصول باكستانية الذهاب إلى المدرسة بسبب تنمّر أقرانه عليه، يشعر والده بأن هناك اضطراب هوية لدى نجله فيقرر أن يصحبه في رحلة إلى باكستان ليتعرف على أصوله فيها بينما يبحث الأب عن عروس لابنه الآخر منار. وما أن يصلا إلى موطن أبيه، يدخل ساجد في حالة دهشة من المناظر التي يراها والتي بدأت عند هبوطه من الطائرة والطريقة البدائية في جمع الحقائب والأبقار والإبل في الشوارع.

تبدأ التحديات في الظهور حين تمتنع أسر كثيرة عن الموافقة على تزويج منار ببناتها خوفا عليهن من أن يفعل الابن كما فعل الأب ويترك زوجته الباكستانية ويتزوج بأخرى إنجليزية في الفيلم البريطاني “الغرب هو الغرب” من إخراج آندي ديموني وإنتاج عام 2011.

فيلم West is west (الجزيرة)

يعدّ الفيلم الجزء الثاني بمعظم طاقم الممثلين نفسه لفيلم آخر هو “الشرق هو الشرق” من إخراج داميان أودونيل عام 1999 الذي يعرض حال الأسرة ذاتها خلال السبعينيات في منطقة سالفورد التابعة لمانشستر في إنجلترا. وكلا الفلمين يعد نموذجا لما يطلق عليه سينما الشتات التي تعبر عن أفلام متعددة الثقافات وفق تعريف معجم جامعة أكسفورد البريطانية لدراسات الأفلام، وتمثل الأفلام التي أُنتجت في فترة ما بعد الاستعمار وتتناول قضايا المهاجرين الذين يعيشون في الغرب مع أحفادهم من الأجيال الثانية والثالثة.

east is east
فيلم East is east (الجزيرة)

تناول الجزء الأول حال الأسرة ذات الأب الباكستاني والأم الإنجليزية ومشاكل العائلة والاندماج مع المجتمع البريطاني والعلاقة بين الزوجين المختلفي المشارب، بخلاف الجزء الثاني الذي أنتج بعده بـ10 سنوات وانتقل بالتجربة إلى زاوية أخرى هي المجتمع الأصلي للأب في باكستان ليلقي الضوء على تفاعل هذا المجتمع مع الجيل الثاني من المهاجرين الذين يريدون أن يعيدوا ربط أواصر العائلة وبناء علاقات زواج هناك؛ وهنا تظهر تحديات ثقافية واجتماعية أخرى بخلاف الجزء الأول.

ورغم أن الفيلمين يتناولان شخصيات تنتمي إلى المجتمع المسلم المحلي، فإن القضايا المحورية التي يعالجانها تتجاوز بكثير الإطار الديني وتنفذ بعمق إلى الخلل الثقافي وتحديات الهوية التي تصيب الأسر المتعددة الثقافات في المجتمع الغربي. وفضلا عن ذلك، فإن كلا الفلمين كوميدي ومن ثم جاذب لشرائح واسعة من الجمهور مستعدة لتناول هذه الوجبة الفكاهية المترعة بالقضايا الدسمة. ولهذا يعد هذين الفيلمين من الأعمال المهمة التي تعرضها الجامعات على الطلاب الدارسين لقضايا الهوية والتعددية الثقافية في بريطانيا.

ومن الأفلام الشهيرة أيضا في سينما الشتات الفيلم الأميركي “مسيسيبي ماسالا” للمخرجة الأميركية من أصول هندية ميرا ناير عام 1991 الذي يتناول قصة عائلة هندية ثرية تملك استثمارات كبيرة في أوغندا قبل أن يصل الرئيس عيدي أمين إلى السلطة وتفقد الأسرة ممتلكاتها وتذهب للعيش في حوض المسيسيبي في الولايات المتحدة، بعدئذ ترتبط ابنتهم بعلاقة عاطفية مع شاب أسود من أصول أوغندية وتعترض الأسرة على زواجهما.

تعدّ هذه الأفلام الثلاثة تعبيرا عن هجرتين كبيرتين من الشرق نحو الغرب عرفها القرن الـ20: أولها كانت الهجرة خلال الخمسينيات والستينيات من باكستان (وبنغلاديش التي كانت وقتئذ جزءا من باكستان) نحو بريطانيا التي شجعت الحصول على أيدي عاملة لإعادة بناء البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، والثانية كانت بعد انقلاب الرئيس الأوغندي السابق عيدي أمين عام 1971 وأوامره بنزع الجنسية وطرد عشرات الآلاف من الأوغنديين من أصول آسيوية فترفقوا بين بريطانيا وكندا والولايات المتحدة وغيرها من الدول.

ثقافتي المتن والهامش

سينما الشتات أكثر من مجرد نوع من أنواع الأفلام والسينما لأنها تعيد هيكلة النظرة والمظهر العام للفيلم. فالعمل السينمائي غالبا ينتمي فنيا وثقافيا لبلد محدد وثقافة محددة من ناحية اللغة والهوية، بينما أفلام سينما الشتات هي منتج هجين يجمع بين ثقافتين أو أكثر. ففي فيلم “الغرب هو الغرب” نسمع لغتين هما الإنجليزية والأوردو، كما نسمع لهجتين من اللغة الإنجليزية إحداهما لغة أهل إنجلترا والأخرى هي اللهجة الآسيوية، والأمر نفسه ينطبق على الملابس وأماكن التصوير والموسيقى.

تقول الدكتورة لورا ماركس في كتابها “مظهر الفيلم” إن الثقافة تحل محل الأمة في هذه الأفلام لأنها أفلام عابرة للحدود، وإن الخطاب القومي يفشل في التعبير عن حالة الشتات، كما أن قضايا هذه الأفلام تتشابه إلى حد بعيد لأنها تركز على مسائل العرق والثقافة والهوية والاستعمار والرأسمالية وأي موضوعات مرتبطة بها. وتضيف ماركس أن شيوع هذه الأفلام في عدد من الدول لم يُزل حقيقة أنها لم تعكس واقعيا أن التلاقح الثقافي لا يتم في ظروف تبادل سياسي طبيعية وإنما في إطار ثقافة مضيفة مهيمنة وأخرى أقلية تابعة.

يعني هذا أننا أمام تجسيد سينمائي لثقافات المتن وهي ثقافة الغالبية وثقافات الهامش وهي ثقافة الأقلية، ومهما بلغ هذا الهامش من فرص وإمكانات فإنه يظل هامشا ويظل المتن متنا حتى في مجال تمويل الإنتاج السينمائي. فكثير من البرامج المدعومة حكوميا تشترط أن يعبر الفيلم عن الثقافة المحلية؛ وذلك يعني أن مثل هذه الأفلام يفشل غالبا في تأمين التمويل الكافي الذي يمكنها من العرض ومن ثم تلجأ إلى تمويل من دول أخرى، ويعد فلمي “الشرق هو الشرق” و”الغرب هو الغرب” حالة استثنائية لأن الأول كان ممولا من قبل القناة الرابعة البريطانية والثاني من قبل هيئة الإذاعة البريطانية (BBC).

تقودنا هذه الحالة السينمائية إلى سؤال عن دور الفنون في التعبير عن حالة الهوية المفقودة أو صراع الهويات لدى مجتمعات الشتات. فهناك صعوبة بالغة في شرح الأمر نظريا لأي دوائر خارج هذه المجتمعات حتى لأبناء الأغلبية، لأن القضية تتطلب معايشة وتجربة ذاتية من أجل الوقوف على حقيقة مسائل معقدة، وهنا يأتي دور السينما لتحيل هذه القضايا المعقدة إلى لغة بصرية أفصح تعبيرا عما يجيش في صدور الملايين.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply