قد نُفاجأ نتيجة الضغوطات التي تمارسها المعارضة في الكيان وبأشكال متعددة بانهيار التحالف الحكومي اليميني المتطرف الفاشي، وتشكيل حكومة جديدة بعد طرد بعض العناصر الأكثر تطرفا مثل بن غفير وسموتريتش من الحكومة، وإدخال عناصر أخرى مثل بيني غانتس أو أيزنكوت أو حتى لبيد أو الذهاب إلى جولة سادسة من الانتخابات.

لن تسمح القوى الفاعلة داخل الكيان المحسوبة على اليسار والوسط، ويعتبرون أنفسهم أحفاد المؤسسين للدولة بوقوع الكارثة أو تمرير هذا “الانقلاب القضائي”

قد يكون هذا السيناريو مستبعدا حتى اللحظة، ولكن في ظل تزايد الأعداد والشرائح التي تدعم المعارضة ضد الحكومة وخاصة بسبب “الانقلاب القضائي” وتغيير هوية الدولة من دولة “ديمقراطية ليبرالية” -حسبما تدعي إسرائيل- إلى دولة الشريعة والتوراة، وفي ظل الدعم اللامحدود من الغرب وفي المقدمة منه الولايات المتحدة الأميركية لهذه المعارضة، باعتبار أن الانقلاب القضائي وتغيير هوية الدولة يهدد مصالحها الإستراتيجية في الإقليم وكذلك يصعّب مهمتها في تسويق “إسرائيل” ودعمها داخل أميركا نفسها باعتبارها مشتركةً معها في القيم الكبرى؛ يصبح هذا السيناريو ممكنا أكثر.

كل يوم نسمع عن شرائح جديدة تنضم إلى المعارضة داخل الكيان من الجيش وقوى الأمن والإعلاميين والقانونيين والاقتصاديين وغيرهم، وخارجه من دول تعبر عن رفضها لهذا “الانقلاب القضائي”، كذلك شرائح سياسية واقتصادية ومثقفون في الغرب عموما وأميركا على وجه الخصوص، حتى من اليهود أنفسهم تزداد الأعداد التي تعلن عن رفضها للتغيير المزمع، وتهديدها بالتنظير ضد إسرائيل في الإعلام أو سحب الاستثمارات بالمليارات من الاقتصاد الإسرائيلي، حتى أن الاقتصادي الكبير مايكل بلومبيرغ صرّح بأن إسرائيل تسير نحو “الكارثة”.

بالتأكيد لن تسمح القوى الفاعلة داخل الكيان المحسوبة على اليسار والوسط (الدولة العميقة)، ويعتبرون أنفسهم أحفاد المؤسسين للدولة، إلى جانب دور الغرب في الضغط على نتنياهو؛ بوقوع الكارثة أو تمرير هذا “الانقلاب القضائي”، لأسباب عديدة، ليس أقلها أنّ الدولة العميقة في الكيان تعلم يقينا أن استمراره وازدهاره مرتبط باستمرار الدعم الخارجي وخاصة من الولايات المتحدة والجالية اليهودية التي تعيش فيها، وهذا لن يتحقق إذا تخلى الكيان عن هويته وصورته التي رسمها لنفسه في الغرب كممثل لقيمه وكقاعدة متقدمة للقوى الاستعمارية بعد انسحابها من المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية في الشرق.

كل ما سبق، مع أهميته لا يجيب عن السؤال الأساسي: هل هناك فرق حقيقي بين جوهر مشروع الائتلاف الحكومي الحالي والمشكل من عتاة اليمين الصهيوني والديني وبين من يحتجون في الشوارع من المعارضة؟ هنا لا بد من التمييز بين موقف الطرفين من الخلاف الداخلي حول هوية الدولة، والموقف من الفلسطينيين وطموحاتهم بالحرية والاستقلال وتقرير المصير.

فيما يتعلق بالموقف من التغييرات الداخلية وتغيير هوية الدولة، فالخلاف بين الطرفين حقيقي وجذري وعميق، لدرجة أن المفكرين الإستراتيجيين وكبار القادة الأمنيين يعتبرونه التهديد الأول للكيان في هذه المرحلة، متقدما على التهديد النووي الإيراني وكذلك الصراع مع الفلسطينيين.

كتب الكثيرون من المفكرين والمثقفين والقادة السياسيين عن خطر الانقسام الأفقي والرأسي في الدولة، وإمكانية الاحتراب الداخلي والحرب الأهلية، وصولا إلى انهيار الكيان برمته على غرار تجارب اليهود السابقة في التاريخ قبل آلاف السنين، كما نظّر الكاتب والمفكر الصهيوني دافيد باسيج في كتابه السقوط الخامس.

ولكن فيما يتعلق بالموقف من الفلسطينيين، فالفروق بين الطرفين -الائتلاف الحكومي والمعارضة- فروق شكلية فقط، أما الجوهر فهو واحد. قد يشكك البعض في هذا الاستنتاج ويدعي أن فرص حل الصراع وتحقيق “السلام والتعايش” بين الشعبين هي في ظل الوسط واليسار أكبر مقارنة مع اليمين المتطرف. هذه للأسف الرواية التي روّجها البعض في الكيان والغرب، ويعتقد بها الكثيرون حول العالم.

بالتأكيد، وبحسب التاريخ والواقع، فإن هذا الاستنتاج خاطئ تماما، فكل الأرقام والإحصائيات حول الصراع في فلسطين تؤكد بلا أدنى شك أنه لا فرق جوهريا بين كل القوى في الكيان عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، ولا أدل على ذلك مؤخرا من أن المسؤولين عن الاحتجاجات ضد التغييرات القانونية يرفضون رفضا قاطعا مشاركة أي فلسطيني في الاحتجاجات ضد الحكومة، باعتبارها معركة يهودية- يهودية ولا دخل للأغيار فيها.

الخطة التي تبنتها حكومة “التغيير” برئاسة لبيد في العام الماضي قامت على أنه لا حل مطلقا للصراع بالمعنى السياسي، وأقصى ما يمكن فعله هو “إدارة الصراع” و”تسكين الصراع” من خلال بعض المنح الاقتصادية. ولكن على كل الأحوال لا وجود لكيان سياسي فلسطيني مستقل في المساحة بين البحر والنهر. معظم الحروب والعدوانات التي قادها الكيان ضد شعبنا الفلسطيني وخلفت آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، قادها اليسار الإسرائيلي: حرب 1948، حرب 1956، حرب 1967، حرب 1982، سياسة تكسير العظام في الانتفاضة الأولى، مجزرة قانا،.. إلخ. كل المشاريع الاستيطانية وخطط السيطرة على المقدرات الفلسطينية على مدى عقود منذ نشأة دولة الاحتلال عام 1948، نفذتها قوى اليسار والوسط.

العام 2022 الذي حكم فيه لبيد (وسط) بالتحالف مع اليسار، كان الأسوأ والأكثر وحشية منذ عام 2005، حيث خلف أكثر من 230 شهيدا في غزة والضفة المحتلة. كل الخطط السياسية للأحزاب الإسرائيلية تقوم في جوهرها على تهويد القدس وتعزيز الاستيطان ونفي حق الفلسطينيين في دولة مستقلة كاملة السيادة ورفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، والأهم: قيام دولة يهودية يتمتع فيها اليهود بحقوق أكثر من المواطنين الآخرين.

للأسف الشديد، فإن القوى الغربية الداعمة لإسرائيل عموما، وللمعارضة خصوصا، تدرك هذه الحقيقة جيدا ولكنها تغض الطرف عنها، ولا تفعل أي شيء لتغييرها، طالما أنها لا تتعارض مع مصالحها أو تهددها. حقوق الإنسان لا تُجزّأ، والعنصرية سواء كانت ناعمة أو خشنة، ظاهرة أو مستترة خلف كلمات معسولة ولكنها فارغة من الفعل، ستبقى فعلا شنيعا وقبيحا ويجب رفضها في كل مكان ومن أي كان وضد أي كان، وفلسطين ليست استثناءً.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply