غزة – وقفت آلاء جاد الله عاجزة عن تقديم المساعدة لفتاة غرقت على شاطئ بحر غزة، انتشلها منقذون من بين “براثن الموج” بصعوبة، وروحها تتأرجح بين الحياة والموت، لتلفظ أنفاسها الأخيرة بمجرد وصولها المستشفى.

حدثت هذه الواقعة قبل بضعة أعوام، غير أنها تركت أثراً لا يندمل في ذاكرة آلاء، التي لم يكن بوسعها تقديم المساعدة لهذه الفتاة، التي ظلت ملقاة على شاطئ البحر بانتظار سيارة الإسعاف، ووقف والدها بإصرار ضد تدخل المنقذين الرجال لتقديم الإسعافات الأولية لها.

المنقذات تلقين تدريبات على أنواع التيارات البحرية وتصنيفات المناطق الخطرة على البحر (الجزيرة)

ولا تعتبر السباحة في البحر ظاهرة كبيرة في أوساط نساء غزة، إلا أنه يتم سنوياً تسجيل حالات غرق لأعداد منهن، ممن يفضلن السباحة ليلاً، أو في مناطق بعيدة تختار الأسر ارتيادها بعيداً عن زحمة المصطافين على شاطئ البحر.

وفيما تفضل الأسر المقتدرة مادياً استئجار مسابح استثمارية مغطاة توفر الخصوصية للنساء، والتي تمكنهن من السباحة بحريتهن، يعتبر البحر المتنفس الوحيد للغالبية من بين مليوني فلسطيني في القطاع الساحلي الصغير والمحاصر.

وتفقد المرأة -بحسب ما تقول آلاء للجزيرة نت- حياتها في لحظة تشدد ذويها تجاه تعامل المنقذين الرجال معها كغريقة تحتاج للتدخل الطبي والمساعدة بالإسعافات الأولية الضرورية قبل نقلها لتلقي الخدمة العلاجية اللازمة في المستشفى.

فتيات يتدربن على السلامة البحرية والإسعاف الأولية للعمل كمنقذات بحريات لأول مرة في غزة-رائد موسى-الجزيرة نت
فتيات يتدربن على السلامة البحرية والإسعاف الأولية للعمل منقذات بحريات لأول مرة في غزة (الجزيرة)

السلامة البحرية

أصبحت آلاء اليوم مؤهلة للتعامل مع الغرقى من النساء، بعدما اجتازت مع أخريات تدريباً خاصاً بالسلامة المائية البحرية والإسعافات الأولية، على أيدي مختصين ومنقذين ذوي خبرة طويلة، وبمبادرة وإشراف “الهيئة الفلسطينية للتنمية” في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.

آلاء (31 عاماً) متزوجة وأم لثلاثة أطفال، وحاصلة على شهادة جامعية بالتاريخ والعلوم السياسية، ولم تحظ بفرصة عمل في تخصصها الجامعي، وتقول: “تشجعت لخوض التجربة والاستفادة من تدريب السلامة البحرية والإسعافات الأولية لسببين: مادي ومعنوي، للحصول على فرصة عمل، والحصول على أجر إنقاذ أرواح الغرقى من النساء والأطفال”.

وكأي فكرة جديدة وغير تقليدية في مجتمع محافظ مثل غزة، واجهت آلاء رفضاً في بادئ الأمر من زوجها وذويها، غير أنها نجحت في إقناعهم بأهمية خوض التجربة، وتجد اليوم تشجيعاً كبيراً من زوجها الذي آمن بقيمة ما تقوم به.

وتلقت آلاء وزميلاتها خلال الدورة تدريبات مكثفة جعلتهن على دراية كاملة بتقلبات البحر من حيث أنواع التيارات الهوائية وتأثيرها على البحر، والتي بموجبها يتم تحديد المناطق الخطرة من تلك المسموح بها للسباحة، إضافة إلى آليات التعامل مع الغريقات، والإسعافات الأولية الواجب تلقيها فور إنقاذهن من البحر إلى الشاطئ.

تأمل الهيئة الفلسطينية للتنمية في خفض مخاطر غرق نساء في غزة-رائد موسى-الجزيرة نت
الهيئة الفلسطينية للتنمية تأمل في خفض مخاطر غرق نساء في غزة (الجزيرة)

مهام تكاملية

ويقول منقذون أشرفوا على التدريب إن وجود عناصر نسائية ضمن فرق الإنقاذ على البحر، يساعدهم كثيراً في عملهم، الذي لا يخلو من حساسية مفرطة في التعامل مع الفتيات والنساء وقت الطوارئ.

غادة مصلح (24 عاماً) حاصلة على شهادة جامعية في الإدارة الصحية، وواحدة من الفتيات اللواتي تلقين التدريب، نقلت عن أحد المدربين تأكيده على أهمية الدور الذي ستقوم به المنقذات -لأول مرة- في التعامل مع النساء على شاطئ البحر.

<iframe src=” width=”560″ height=”314″ style=”border:none;overflow:hidden” scrolling=”no” frameborder=”0″ allowfullscreen=”true” allow=”autoplay; clipboard-write; encrypted-media; picture-in-picture; web-share” allowFullScreen=”true”></iframe>

تقطن غادة في منزل قريب من شاطئ البحر في مدينة دير البلح، وتقول للجزيرة نت إنها كانت شاهدة على حالات كثيرة لنساء كانت حياتهن معرضة للخطر إثر غرقهن وعدم وجود منقذات مؤهلات للتعامل معهن بعد انتشالهن من البحر.

وتتركز مهام فريق المنقذات على المتابعة ومنح التعليمات الإرشادية للمصطافين من الأطفال والنساء، لتجنب المخاطر قبل وقوعها، والتعامل في أوقات الطوارئ مع الغريقات منهن بعد إنقاذهن، حيث تنتهي مهمة المنقذين الرجال على شاطئ البحر، وتباشر المنقذات مهام الإنعاش.

تزوجت غادة حديثاً، ولم يمض على زواجها سوى ستة شهور، وقد وجدت تشجيعاً من زوجها على خوض تجربة التدريب، والتسجيل للمنافسة على فرصة للعمل كمنقذة بحرية.

مختصون في الانقاذ البحري والإسعافات الأولية تولوا تدريب وتأهيل 80 فتاة بإجراءات السلامة البحرية-رائد موسى-الجزيرة نت
عمل المنقذات يتركز على التعامل مع حالات غرق النساء بعد انتشالهن من البحر (الجزيرة)

اختبارات نظرية وعملية

وينبغي على آلاء وغادة منافسة عشرات الفتيات الأخريات للظفر بفرصة من بين 80 إلى 90 فتاة سيقع عليهن الاختيار للعمل كمنقذات بحريات، بعد اجتيازهن بنجاح اختبارات نظرية وعملية، بحسب مسؤولة العلاقات العامة في الهيئة الفلسطينية للتنمية نجاح أبو قاسم.

وقالت أبو قاسم للجزيرة نت “سيتم فرز المنقذات للعمل على مرحلتين، لتغطية موسم الصيف كاملاً، وبدوام يومي يبدأ من الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساء”، من دون أن تنسى التحذير من السباحة ليلاً، التي تلجأ إليها بعض الفتيات والنساء في غزة، أو في مناطق وأوقات لا يغطيها عمل المنقذين والمنقذات، ما يعرض حياتهن للخطر.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply