إسلام آباد- تصدّرت الاتهامات التي وجهها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان لجهات أجنبية بدعم وتحريض المعارضة الباكستانية على التصويت على حجب الثقة عن حكومته، الأزمة السياسية في البلاد.

ومع بداية الأزمة في الأسابيع الأخيرة، لمّح عمران خان لوجود “مؤامرة أميركية” ضد حكومته. وقال إن التصويت لحجب الثقة عنها كان “جزءا من مؤامرة تقودها الولايات المتحدة للإطاحة به من السلطة”، وهو ما تنفيه واشنطن.

وتجدّد النفي الأميركي الثلاثاء، على لسان المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، الذي قال إنه “لا صحة على الإطلاق لهذه المزاعم”، وإن الولايات المتحدة تدعم سيادة الدستور والمبادئ الديمقراطية، وليس حزبا سياسيا في إسلام آباد، وفقا لصحيفة الأمة الباكستانية.

بالتزامن مع ذلك، أعلن عمران خان بأنه سيقود شخصيا مظاهرات ليلية لمدة أسبوع ضد ما وصفها بـ”المؤامرة الأميركية” لإسقاط حكومته. إلى جانب مظاهرة لمناصريه مناهضة للمعارضة في العاصمة إسلام آباد.

ويأتي هذا في الوقت الذي لا تزال الأزمة السياسية على أشدها بعد تأجيل المحكمة المختصة الثلاثاء الحكم في دستورية قرار نائب رئيس البرلمان بوقف التصويت على حجب الثقة عن حكومة خان، بدعوى “وجود مؤامرة خارجية”.

وأثارت هذه التطورات وربطها بـ”المؤامرة” الجدل حول طبيعة الخلاف بين واشنطن وإسلام آباد، ومستقبل العلاقات بينهما، والتي لطالما شهدت تذبذبات وتوترات كان آخرها خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي اتهم باكستان بعدم القيام بأدوارها في مكافحة الإرهاب.

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان (رويترز)

نهج عمران خان أم نهج باكستان؟

أثارت الأزمة الأخيرة واتهام عمران خان للولايات المتحدة بالوقوف خلفها من خلال دعم أحزاب المعارضة، وإعلانه تلقي تهديدات أو تحذيرات من واشنطن، تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الادعاءات تعبّر عن نهج فردي للرجل المحاصر سياسيا، أم أن تصريحاته مجرد محاولة للخروج من أزمة حكومته السياسية. وهل يتلقى عمران خان دعما من المؤسسة العسكرية والأمنية بإسلام آباد بحيث يمكن القول إن هذا نهج باكستان كدولة؟

وكانت تصريحات قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا قبل أيام أثارت شكوكا حول ذلك، حيث نقلت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية تصريحات قال فيها إن باكستان يجب أن تبحث عن مصادر أخرى عندما يرفض الغرب تزويدها بالمعدات الدفاعية.

ووفقا لصحيفة “الأخبار الدولية” الباكستانية، فإن هذا التصريح جاء ردا على سؤال صحفي أميركي، حول نظرة قائد الجيش إلى التعاون الأمني ​​بين الصين وباكستان في العقد المقبل.

وفي مستهل حديثه، قال الجنرال باجوا إن على الولايات المتحدة أن تراجع سياساتها في المنطقة. لكنه أكد أن باكستان لا تؤمن بسياسة المعسكرات، وتسعى لتوسيع علاقاتها مع كل من بكين وواشنطن، وأن العلاقات الثنائية مع الأصدقاء ليست على حساب العلاقات مع الدول الأخرى.

ليس نهجا أحاديا

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي والإستراتيجي حذيفة فريد، إن المتأمل في تصريحات قائد الجيش، يدرك أن التوتر الأخير مع الولايات المتحدة لا ينتج عن نهج أحادي من جانب عمران خان، وإنما يتم بتوافق مع المؤسسة العسكرية.

وقال فريد للجزيرة نت، إن تصريحات قائد الجيش كانت واضحة وصريحة بأن الغرب بشكل عام لم يقف مع باكستان ويدعمها خاصة في احتياجاتها الأمنية والعسكرية، وفي المقابل كان الدعم كله موجها للهند.

وحسب المحلل، فإن حتى عمران خان نفسه صرح في أكثر من مرة بأنه ليس ضد الولايات المتحدة ولا ضد الغرب، ولا حتى ضد الهند، ولكنه ضد السياسات الأميركية الغربية في المنطقة، والتي تعبر عن انحياز واضح تجاه الهند على حساب باكستان.

المحللون يقولون إن العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة توترت منذ انسحاب الأخيرة من أفغانستان (رويترز)

تراجع ورفض

من جهته، قال المحلل السياسي فضل بانغَش، إن العلاقات الثنائية شهدت تراجعا منذ الانسحاب الأميركي من أفغانستان نهاية الصيف الماضي، وإن الإدارة الأميركية انقسمت داخليا حول النظر إلى العلاقات مع باكستان.

وأضاف بانغش للجزيرة نت، أن باكستان مستاءة من السياسات الأميركية، وخاصة في طريقة تعاطيها مع تحركات باكستان الإقليمية، وخاصة في أفغانستان، وكذلك في صراعها مع الهند.

وبالرجوع إلى الوراء قليلا، بالتحديد بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وطلب الولايات المتحدة من باكستان بناء قاعدة عسكرية أميركية لمراقبة الوضع في كابل، رفضت باكستان ذلك بالمطلق.

يقول بانغش إن هذا لم يكن رأي عمران خان وحده، لكنه كان في الأساس قرار الجيش، وجاء على لسان خان الرافض أيضا للسياسات الأميركية في المنطقة.

لهجة معادية وعلاقات قوية!

من وجهة أخرى، يرى المحلل السياسي رعاية الله فاروقي أن عمران خان ليس لديه رصيد يُظهره في الانتخابات المقبلة، “لذلك كان بحاجة إلى شيء ما في حملته الانتخابية يمكّنه من الحشد وطلب الأصوات”.

وأضاف “في كل الخطب التي ألقاها في الشهر الماضي، لم يستطع ذكر إنجاز واحد لحكومته. وعلى هذا النحو، فقد أوجد لهجة معادية لأميركا في حملته الانتخابية”.

وقال فاروقي للجزيرة نت، إن حملة عمران خان لن تحدث فرقا كبيرا في العلاقات الباكستانية – الأميركية “لأن المؤسسة السياسية الباكستانية (تعبير يطلق على النهج التقليدي للبلاد) تسيطر على السياسة الخارجية لباكستان”.

واستشهد فاروقي باستطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غالوب” الباكستانية، حيث رفض 64% من المواطنين “ادعاء” عمران خان بوجود مؤامرة أجنبية ضده.

ويتوافق الخبير في السياسات الخارجية محمد مهدي، مع فاروقي، قائلا إن للجيش الباكستاني علاقات قوية مع الولايات المتحدة، وإن اتهامات عمران خان هي تصريحات شخصية.

وقال مهدي للجزيرة نت إن “عمران خان وحزبه يفعلون ذلك لأنه ليس لديهم أي شيء آخر يقولونه للناس، وهذا هو السبب في أنه يستخدم معاداة أميركا لصالحه”.

Leader of the opposition parties Mian Muhammad Shahbaz Sharif, addresses a news conference outside the parliament building, in Islamabad
مواقف الأحزاب الباكستانية تختلف لكن جزءا مهما منها يتوافق مع الولايات المتحدة ومواقفها (رويترز)

القوى السياسية وواشنطن.. توافق وتوتر

خلال العقود الماضية تعاقب على حكم باكستان عدد من الأحزاب السياسية في حكومات مدنية، بالإضافة إلى الحكومات العسكرية التي كانت علاقاتها قوية مع الولايات المتحدة. وبينما شهدت سنوات الحكم العسكري صراعا في أفغانستان، كان دور باكستان فيها متفقا مع واشنطن.

وعلى مدار سنوات أخرى، وصل كل من حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية الباكستاني إلى الحكم في أكثر من مرة، وكانت العلاقات مع الولايات المتحدة أيضا جيدة. لكنها توترت مع تولي حزب الإنصاف الباكستاني أكثر من مرة، سواء في عهد ترامب سابقا أم في عهد بايدن حاليا.

وفي هذا السياق، يقول المحلل فضل بانغَش إن علاقات حزب الشعب الباكستاني جيدة بنسبة 100% مع الولايات المتحدة، وأقل منها قليلا علاقات حزب الرابطة الإسلامية، بينما لدى حزب الإنصاف الباكستاني رؤية واضحة في وجوب اعتراف الولايات المتحدة بتضحيات الشعب والجيش الباكستاني في الحرب على الإرهاب، والتوقف عن اتهام باكستان بدعمه.

ويطالب حزب الإنصاف واشنطن بمنح باكستان مكانة حليف ودولة ذات سيادة مثل التي تمنحها للآخرين، “بدلاً من اصطحاب البلاد فقط لخوض معارك مخصصة ضد الإرهاب”، على حد قول بانغش.

ويتوافق حزب “جمعية علماء الإسلام” بقيادة مولانا فضل الرحمن، والذي يعتبر أحد قيادات المعارضة البارزين ضد عمران خان، مع حزب الإنصاف فيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة.

وبرأي المحلل حذيفة فريد، فلدى عمران خان وحزب الإنصاف علاقات مع الولايات المتحدة، ولكنها توترت بسبب السياسات الخارجية الحالية المتضاربة لكلا البلدين، وإنه من الممكن أن تعود إلى مستويات أفضل اعتمادا على مصالح إستراتيجية يمكن أن تنشأ بينهما في المستقبل، هذا إن بقي عمران خان في الحياة السياسية.

ومع توقعه بتوجه باكستان إلى انتخابات مبكرة، يعتقد الصحفي والمحلل السياسي جاويد رانا، أنها ستشهد حملات انتخابية متنوعة، وأن القضية الأساسية التي ستحضر في جميع البرامج الانتخابية وسيتم التركيز عليها بشكل واسع هي السياسات الخارجية لباكستان، وهو ما سيعكس توجهات الأحزاب في علاقاتها مع الولايات المتحدة.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply