كابل– كان كل شيء معدا لبدء الدراسة في المدارس المتوسطة والثانوية بأفغانستان بعد عطلة الشتاء، فوزارة المعارف جهزت خطة كاملة خلال الأشهر الخمسة الماضية، ولكن بعد ساعات من حضور الفتيات إلى مدارسهن انتشر خبر تأجيل الدراسة ومطالبة الطالبات بالعودة إلى منازلهن حتى إشعار آخر.

وطرح القرار المفاجئ تساؤلات كثيرة حول النقاش الدائر بين قادة حركة طالبان، خاصة أن الاستعدادات لفتح المدارس اكتملت، كما استأنفت الجامعات الحكومية وغير الحكومية دراستها مع فصل البنات عن البنين قبل أسابيع في كل ولايات البلاد.

والمثير لاستغراب كثير من الأفغان أنه مقابل تأجيل الدراسة في مدارس كابل وولايات أخرى وسط وشمال البلاد استمرت المدارس في ولايات أخرى مثل هرات وقندوز وننغرهار وخوست وكونر في عملها، فبرودة الشتاء فيها تنحسر قبل غيرها من الولايات.

طالبات حضرن إلى مدرسة مريم المتوسطة والثانوية في كابل قبل أن يُطلب منهن العودة إلى منازلهن (الجزيرة)

قرار مفاجئ

وفي مدرسة أماني الثانوية للبنين (وسط كابل) امتلأت قاعة كبيرة بالشخصيات والمدعوين، في مناسبة كان يفترض أن تكون احتفالية وتضفي مزيدا من التفاؤل، لكن الطلاب اكتفوا بتقديم بعض الأناشيد الدينية، وألقيت خطب عن مكانة العلم والعلماء من قبل بعض المسؤولين، فيما لم يتحدث أحد عن تعليم البنات.

وبعد الحفل لم يتحدث أحد من مسؤولي الحكومة التي تقودها حركة طالبان، بل كان ملاحظا غياب كثير من الشخصيات البارزة عن الحفل، وعقب طول انتظار تقدم المتحدث باسم وزارة المعارف عزيز أحمد ريان ليعلق للصحفيين على بكاء بعض الفتيات بسبب سماعهن خبر تأجيل الدراسة.

وقال ريان إن “دموع بنات أفغانستان غالية علينا، ودمعة تذرفها عين بنت من بناتنا كأنها دم ينزف من أجسادنا، نحن نقدر ذلك عاليا لكننا كموظفين في الحكومة ليست لدينا سلطة في هذا الشأن”.

وأضاف أن السلطة أعلنت قرارها في المساء بتأجيل فتح مدارس البنات بعد الصف السادس حتى يعاد وضع خطة حسب الشريعة والتقاليد.

وأشار إلى أن الوزارة وضعت خطة من عدة نقاط، وهي أن تكون للبنات والبنين فصول منفصلة، وإذا تعذر ذلك فيكون التقسيم زمنيا، وإلزام المعلمات بارتداء الحجاب، وأن تختص معلمات بتعليم الطالبات.

وردا على سؤال للجزيرة عن وجود إطار زمني لإعادة فتح مدارس البنات، قال ريان إنه ليس بوسع وزارة المعارف تحديد الموعد، مشيرا إلى أنهم ينتظرون قرارا من زعيم حركة طالبان هبة الله آخوند زاده.

وأكد في الوقت نفسه تعهد الوزارة بتعليم البنات، وأنه ليس هناك قرار بمنع تعليمهن لكنها مسألة وقت حتى تفتح المدارس مجددا.

طالبات أمام مدرستهن صباح اليوم الأول من عودة الدراسة (وكالة الأناضول)

تنديد واستياء

وقبل أن يتحدث أي مسؤول ازدحمت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات التي عبرت عن انزعاجها من القرار المفاجئ، ولوحظ أن بين المعلقين حسابات لأشخاص عرفوا بتأييدهم حركة طالبان، مما يظهر أن القرار قد يكون من أكثر القرارات إثارة للجدل منذ وصول الحركة إلى السلطة.

ومن قيادات طالبان التي ألمحت إلى انتقاد القرار السفير لدى باكستان سابقا عبد السلام ضعيف الذي قال في تغريدة “كان من المفيد لو تم تشكيل لجنة من 50 عالما على مستوى البلد لمناقشة عمل المرأة ودورها في التعليم والتجارة والنشاط الاجتماعي وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وبهذا كان يمكن تعريف وتحديد حقوقها ووضع أسلوب للعمل في إطار الشريعة”.

من جانبه، قال المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان توماس ويست في تغريدة إنه ينضم إلى ملايين الأسر الأفغانية في التعبير عن “الصدمة وخيبة الأمل” تجاه القرار.

واعتبر ويست أن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان ومهم لنمو أفغانستان، وأن القرار “خيانة للالتزامات تجاه الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي”، مشيرا إلى أن طالبان أكدت على حق جميع المواطنين الأفغان في التعليم.

وأعربت دولة قطر عن قلقها البالغ وخيبة أملها من قرار حكومة تصريف الأعمال الأفغانية، إذ أكدت وزارة الخارجية القطرية أن هذه الممارسات السلبية سيكون لها بالغ الأثر على حقوق الإنسان والتنمية والاقتصاد في أفغانستان.

وأضافت الخارجية القطرية أن دولة قطر -بصفتها دولة مسلمة تتمتع فيها المرأة بكافة حقوقها، وعلى رأسها التعليم- تدعو حكومة تصريف الأعمال الأفغانية إلى مراجعة قرارها بما يتسق مع تعاليم الدين الإسلامي في ما يتعلق بحقوق المرأة.

وشددت الوزارة على موقف دولة قطر الداعم لحصول الشعب الأفغاني بكل أطيافه على جميع حقوقه، وفي مقدمتها الحق في التعليم.

كما صدر عن بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان بيان عبرت فيه عن أسفها لما وصفته بقرار حركة طالبان -ولم تقل الحكومة الأفغانية- إذ سبق أن امتدح مسؤولو البعثة خطوة السماح للطالبات بالدراسة في الجامعات الحكومية والخاصة قبل أسابيع.

كما عبر ممثل بعثة اليونيسيف إلى أفغانستان محمد أيويا عن قلقه، مطالبا حركة طالبان بالتعجيل في فتح أبواب المدارس للجميع دون أي تأخير، فيما اعتبر السفير الألماني ماركوس بوتزيل القرار متعارضا مع قرارات سابقة للحكومة الأفغانية.

أما المدير الإقليمي لليونيسيف جورج لاريا أدجيي فقال إنه استيقظ في الصباح متوقعا بدء الدراسة لبنات أفغانستان، لكن ما حصل هو “نكسة” لمستقبلهن، مشيرا إلى استطلاع للرأي أجرته اليونيسيف الأسبوع الماضي لسبر آراء 65 ألف شاب وفتاة أظهروا تطلعهم لاستئناف تعليمهم.

ويأتي القرار بعد ظهور مؤشرات على تحسن العلاقات بين الحكومة الأفغانية ودول الجوار والدول الغربية، وعقب أيام من تمديد مهمة البعثة الأممية واعتبار ذلك مؤشرا إيجابيا على تواصل يتكثف بين الأمم المتحدة والحكومة.

كما يأتي بعد زيارات لمسؤولين أمميين على أرفع المستويات ودبلوماسيين من دول آسيوية وأوروبية وإسلامية إلى كابل، في مقابل زيارات لوفود أفغانية برئاسة وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي إلى عواصم أوروبية، وآخرها لقاءاته مع وزراء خارجية ودبلوماسيين من دول عديدة في منتدى أنطاليا قبل أيام.

ويترقب كثير من الأفغان بعد هذا القرار إمكانية العدول عنه في الأيام أو الأسابيع المقبلة في ظل ما وصفته مصادر سياسية وإعلامية بالنقاش الدائر في هذا الشأن بين قادة الحكومة الأفغانية من حركة طالبان في كابل وقندهار.


المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply