الجزائر- سيدة رثاها الرجال قبل النساء، قال في وفاتها الأديب الجزائري محمد حسن فضلاء:

كفنوا الشمس بريحان وورس

فهي رمز العلم كانت بأمس

أكرموها بأريج العفو زفوها

إلى القبر عروسا دون عرس

السيدة المناضلة

شامة بوفجي، أو كما يلقبها الجميع “السيدة”، كانت امرأة بجيش زمن الاحتلال الفرنسي للجزائر، حاربت من أجل استقلال بلادها ووقفت كجدار في وجه العسكر الفرنسي الذي انتقم جلادوه من جسدها فجعلوه طفاية لسجائرهم.

على مشارف ربيع سنة 1922 بمدينة برج بوعريريج شرق الجزائر ولدت شامة في مارس/آذار وتحديدا يوم 13 منه، تنقل والدها محمد إلى مدينة الجزائر ليُمكّن أبناءه من طلب العلم والمعرفة.

تعلمت شامة بمدرسة الشبيبة الإسلامية التي كان يديرها الشيخ الطيب العقبي وكانت من تلامذة الأديب محمد العيد آل خليفة، إلى أن قرر والدها لاحقا إبقاءها في البيت رفقة أختها خضراء ودعوة معلمي مدرسة الشبيبة لتعليمهما بالبيت.

كان لسان شامة يتقن اللغتين العربية والفرنسية بطلاقة وحفظت القرآن الكريم كاملا في سن مبكرة، واستخدمت علمها كأحد الأسلحة التي واجهت بها حملة “التجهيل” الفرنسية خلال احتلال الجزائر.

ينقل الكاتب ورئيس جمعية شامة للثقافة رياض بن مهدي للجزيرة نت مراحل من حياتها قائلا “افتتحت شامة رفقة شقيقتها خضراء مدرسة، سميت “شريفة الأعمال” بالقصبة في مدينة الجزائر، في ثلاثينيات القرن الماضي.

 

سيدات النهضة

عملت هذه الشابة على تأسيس اتحاد النساء الجزائريات رفقة عدد من المجاهدات والمثقفات بعد استقلال بلادها مباشرة سنة 1962، وذلك في إطار تطوعها وسعيها لنهضة نسوية حقيقية، كانت هذه السيدة ذات نظرة استشرافية ثاقبة.

راحت شامة، تعلم النساء في مدينة البرج، حيث استقرت بعد الاستقلال، فكانت تشرف على تعليم النساء وتثقيفهن وتكوينهن في مجالات النسيج والطبخ إلى جانب القراءة والكتابة.

يقول رياض بن مهدي “كانت تتوجه إلى القرى والمداشر (القرى الصغيرة النائية) التي تمنع فيها البنت من مواصلة التعليم بعد المرحلة الإعدادية لغياب المدارس، فتتحمل مسؤولية كفالتهن وتعليمهن وضمان الإيواء لهن ببيتها ومنهن من لم يفارقن السيدة إلا بعد زواجهن”.

وقفت شامة في وجه التصحر بقيادتها لحملات ضخمة للتشجير، كما وقفت في وجه التصحر الفكري بحرصها على تسهيل تعليم الفتيات في مدينتها، وكانت تقود مشاريع خيرية وصاحبة حس مدني عال وأحد محركات المجتمع المدني ببلادها في تلك الفترة.

قبر شامة الذي كتبت عليه أبيات من الرثاء على رحيلها (الجزيرة)

امرأة بجاهها

يقول الباحث في تاريخ وأعلام الجزائر، الدكتور أحمد قريق حسين للجزيرة نت “ظلت السيدة شامة محاطة بهالة من الإعجاب والتقدير وحظيت بمكانة اجتماعية مرموقة، وقد كانت محل استشارة الجميع فكانت من أعيان مدينتها برج بوعريريج”.

امرأة جمعت بين قوة المناضلة ونعومة عاشقة الفن والمسرح، حرصت على نشر الوعي بالموسيقى والأدب، جمعتها صداقات مع شخصيات نسوية عربية بارزة، على غرار هدى شعراوي وأم كلثوم ومناضلات من فلسطين وسوريا ومصر والأردن.

يروي رئيس جمعية شامة للثقافة والتراث والسياحة بمنطقة زمورة شمالي مدينة برج بوعريريج، رياض بن مهدي، زيارة الشيخ الأزهري محمد متولي الشعراوي لمنزل السيدة في سبعينيات القرن الماضي، يقول “قرر أعيان المدينة أن ينزل ببيت شامة ويبيت هناك لما لها من مكانة مجتمعية وسط أعيان المدينة برجالها ونسائها”.

ويشير بن مهدي إلى أن الشيخ العلامة الطاهر آيت علجت (المولود سنة 1917) كان وصفها بـ”ذات الجهادين، فقد جاهدت في الثورة التحريرية الكبرى وأيضا بالجزائر المستقلة”.

قال الدكتور العربي كشّاط “أول ما تعرّفت على الداعية المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه كان عن طريق المجاهدة والمربية شامة بوفجي”، كانت سيدة منفتحة على الثقافات تصنع لنفسها مكانة لدى كل من تلتقيه.

كانت امرأة بمليون.. ولا تزال حية رغم أنها ترقد تحت تراب مدينتها مند مايو/أيار 1987، ويحتفي الجزائريون اليوم بمئوية ميلادها كما يحتفون بالياسمين كل سنة.

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply