تتميز أعمال محمد أمين راضي ببناء واضح متكرر، حيث تبدأ في موقع متقدم من الأحداث بفاجعة أو جريمة أو كارثة.

عرض على منصة “شاهد” المسلسل المصري “منورة بأهلها”، وهو من تأليف محمد أمين راضي وإخراج يسري نصر الله وبطولة ليلى علوي وباسم سمرة وغادة عادل وناهد السباعي ومحمد حاتم.

ورغم الجدل الكبير الذي أثاره العمل بسبب تأجيله من نهاية فبراير/ شباط إلى مارس/آذار، فإن المسلسل ظل خافتًا على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يستقبله الجمهور بالحماس المعتاد لأي عمل جديد على منصة إلكترونية.

وهو أمر حدث من قبل مع الجزء الثاني من مسلسل “مملكة إبليس” للسيناريست نفسه، مما يُجبر على التساؤل، هل مل المشاهدون من حبكة محمد أمين راضي المكررة؟ وهل هي بالفعل مكررة؟

الغموض والأسطورة

يرى محللون ومشاهدون أن أعمال راضي تتميز ببناء واضح متكرر، حيث تبدأ في موقع متقدم من الأحداث بفاجعة أو جريمة أو كارثة، مثل موت تحية في مسلسل أفراح القبة، أو القتيلة في أول نجاحاته مع مسلسل نيران صديقة، أو قتل فتحي إبليس في مسلسل مملكة إبليس، أو اختفاء جثة سيد نفيسة في مسلسل السبع وصايا، يحيط بهذا الحدث جو من الغموض، مع عدد كبير من الشخصيات المتصلة به، ثم العودة عبر أسلوب الفلاش باك أو المشاهد الاسترجاعية إلى الماضي لفض هذا الاشتباك، وكشف الأسرار.

 

يعتمد المؤلف راضي كذلك على السرد المتعدد، أي من وجهات نظر متنوعة للحدث نفسه من شخصيات مختلفة، فكل منهم له رؤية خاصة لما حدث، وفي الوقت ذاته يلقي نورًا على جانب من الظلمة، وكثيرًا ما تكون النهاية تحمل ناحية ما ورائية، أو أسطورية، أو خيالية لا تشفي غليل المشاهد، وتتركه متسائلًا عما يحدث وماذا يعني.

هذا الأسلوب في البناء قادر على جذب المشاهد لأنه يعطيه في كل حلقة بعض المعلومات التي يتشوق لمعرفتها، ولكن يخلق في اللحظة ذاتها أسئلة جديدة تحتاج إلى إجابات، وذلك حتى النهاية، وفي بعض الأحيان ينسى المتفرج أسئلته الأولى في ظل سعيه الحثيث في الاتجاه الذي يقوده إليه الكاتب.

يتكرر هذا الأسلوب عند محمد أمين راضي من عمل لآخر حتى مع تغير المخرجين، وتبرز أحيانًا لمسات المخرج خاصة لو كان متميزا في النواحي البصرية مثل التصوير والديكور والإضاءة، كما في مسلسل “أفراح القبة” من إخراج محمد ياسين الذي أضفت الخيارات البصرية فرادة عليه، ولكن في الوقت ذاته لم تنقذه من غضب الجمهور بسبب النهاية الغامضة للغاية بالنسبة لذوق المشاهد العربي في شهر رمضان.

 

منورة بأهلها

تبدأ أحداث مسلسل “منورة بأهلها” بجريمة قتل مهاب الشاب من مدينة “السويس” المهاجر إلى القاهرة في بداية الحلقة، فبعد بضع دقائق وانتقال زمني للمستقبل يُقتل على يد أكثر من قاتل ليقع فريسة لعدة منتقمين، ومع بدء التحقيق نكشف أن له أكثر من هوية، فكل شخص في دوائره المختلفة يعرفه باسم وشخصية مختلفين، وتبدأ عمليات الإفصاح والغموض بالتداخل، خاصة مع ارتباطه بعصابة تعمل في البغاء ونشاط آخر يتعلق بالأطفال لم يتم توضيحه، لكنه مرعب بالتأكيد بكل هذه التفاصيل حول إجبار فتيات على إنجاب أطفال ثم أخذهم.

تبلغ عدد حلقات المسلسل 10 حلقات، الذي كان من المفترض أن يجعل إيقاع المسلسل سريعا، لجمع تفاصيل القصة وتوضيح ألغازها، لكن ليس هذا هو النهج الذي اختاره محمد أمين راضي، فمع مضي أكثر من ثلثي المسلسل لم تكشف كل حلقة سوى عن لغز أكثر إبهامًا، مع توضيح الكثير من المعلومات عن الشخصيات الفرعية غير مهمة بالفعل بالنسبة للحدث الرئيسي وهو البحث عن القاتل، ما يشبه متاهة من التفاصيل غير الضرورية التي تضيع وقت المشاهد أكثر مما تمتعه.

أين يسري نصر الله؟

المخرج يسري نصر الله واحد من أهم المخرجين على الساحة العربية بالوقت الحالي، قدم أفلامًا شهيرة، وعمل لفترة طويلة مخرجا مساعدا للراحل يوسف شاهين، ولكن إيقاع محمد أمين راضي فرض نفسه على “منورة بأهلها”، ليس فقط في البناء ولكن في طريقة حديث الشخصيات والحوار الخاص بها، المغالي في الاستعراضية، مع اللجوء لتلميحات جنسية بمناسبة ودون مناسبة، مستمتعًا بالحرية النسبية للمنصة الإلكترونية على عكس العرض في التلفزيون المصري.

ومثل محمد ياسين، ظهرت لمسة يسري نصر الله في الجوانب البصرية من المسلسل، مثل استخدام الإضاءة الداكنة في أغلب المشاهد، مع غلبة اللون الأخضر، اللون الذي يوحي بالسقم والموت، وإدارة الممثلين خاصة في الحلقة الأولى، والتي فيها تحدثت الشخصيات بنبرة شبه آلية، لإظهار الطبيعة المتلاعبة لها، والتي تشي بالمزيد من الأسرار التي ستنكشف في الحلقات القادمة، ربما لم يكن هذا موفقًا، فمالت الحلقة للغرابة أكثر من المطلوب، لكن في النهاية على الأقل كانت هذه الحلقة تعد بعمل آخر مختلف عن أعمال محمد أمين راضي الذي يمكن إطلاق لفظ “نمطية” عليها بعد تكررها حد السأم.

 

بعد انتهاء عرضه لم يصل المسلسل إلى المرتبة الأولى في قائمة الأعلى مشاهدة على منصة شاهد، ربما تلك إشارة لمحمد أمين راضي بأن الجمهور بحاجة إلى بعض التجديد، وأن الغموض ليس الحل السحري لكل أزمات شخصياته، وأن هناك فرقا بين أن يحمل المؤلف أسلوبًا وبصمة تميزه وأن يصبح أسيرا لنمط يكبله.

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply