بعد مضي أكثر من أسبوعين على مطالبة روسيا بضمان استمرار تجارتها مع إيران وألا تتأثر بالعقوبات التي فرضتها الدول الغربية على موسكو، شد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان رحاله إلى العاصمة الروسية لإيجاد حل لمفاوضات فيينا النووية، والتي توقفت قبل أيام بشكل مؤقت “لأسباب خارجية”.

وبينما صرح عبد اللهيان بأن التأخير في محادثات فيينا يحقق مصلحة لبلاده ويخلق أرضية للحفاظ على مصالحها، قال نظيره الروسي سيرغي لافروف إن بلاده حصلت على ضمانات أميركية مكتوبة بأن العقوبات المفروضة حاليا على موسكو لن تطال التعاون النووي مع إيران، بما في ذلك منشأة بوشهر النووية الإيرانية.

وأضاف لافروف “موسكو تؤيد استئناف العمل بالاتفاق النووي الإيراني في أقرب وقت ممكن، وتنتظر أن ترفع واشنطن العقوبات عن طهران”.

قضايا فنية

وفسر مراقبون تصريحات لافروف على أنها تدل على حصول موسكو على ضوء أخضر أميركي لمواصلة التعاون التجاري مع إيران في إطار الاتفاق النووي.

وكشف المتابع لمفاوضات فيينا النووية الباحث في الشؤون الدولية مصطفى خوش جشم أن الإعلان الروسي يتحدث عن القضايا الفنية التي لابد من موافقة الولايات المتحدة عليها في إطار الاتفاق النووي ولا يتعلق بالتجارة.

وأوضح جشم، في حديث للجزيرة نت، أن الضمانات التي تحدث عنها لافروف تتعلق بمهمة الجانب الروسي في تنفيذ الاتفاق النووي مثل إرسال اليورانيوم عالي التخصيب من إيران إلى روسيا، وتحويل منشأة فوردو النووية إلى مركز أبحاث فيزياء وتكنولوجيا نووية، وتكملة المشاريع في منشأة بوشهر النووية.

وأضاف الباحث الإيراني “لا يمكن إحياء الاتفاق النووي دون استثناء التعاون بين موسكو وإيران بشأن هذه القضايا الفنية التي ينص عليها الاتفاق المحتمل”، مضيفا أن طهران تقدمت بمبادرة إلى روسيا ساهمت في تبديد الهواجس التي كانت تشعر بها موسكو بشأن مستقبل التعاون التجاري بين الجانبين.

وكانت روسيا قد طالب الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) بتقديم ضمانات مكتوبة بأن العقوبات التي فرضت عليها مؤخرا بسبب الحرب في أوكرانيا لن تلحق ضررا، بأي شكل من الأشكال، بالحق في التجارة الحرة الكاملة، والتعاون الاقتصادي والاستثماري، والتعاون العسكري التقني بين موسكو وطهران.

عقدة المفاوضات

ونفى أن تكون روسيا هي العائق الأساس أمام إحياء الاتفاق النووي ومفاوضات فيينا، متهما الولايات المتحدة بشن هجمة إعلامية وحرب نفسية ضد روسيا التي لطالما دعمت الموقف الإيراني في مفاوضات فيينا.

واعتبر خوش جشم أن زيارة عبد اللهيان إلى موسكو والمبادرة التي حملها إلى الروس توجت بالإعلان الروسي الأخير، ووضع الكرة في ملعب واشنطن، مستدركا أنه لا يمكن الحديث عن بلوغ مفاوضات فيينا المرحلة النهائية، في ضوء عدم اتخاذ الولايات المتحدة قرارا نهائيا بشأن القضايا العالقة.

وكشف أن أهم القضايا الشائكة في مفاوضات فيينا تتعلق برفض واشنطن رفع طائفة من العقوبات عن طهران، وشطب عدد من الشخصيات والمؤسسات الإيرانية من اللائحة الحمراء، إلى جانب مطالب إيرانية أخرى أقل أهمية.

ورغم تأكيد لافروف عزم بلاده توقيع اتفاقية مع إيران، تحدد مبادئ تعاونهما على الساحة الدولية، واتفاقه مع نظيره الإيراني على “تجاوز تأثير العقوبات الغربية والمعايير المزدوجة”، حذر مراقبون في إيران من أن ينعكس التعاون الثنائي بين موسكو وطهران سلبا على مصالح الشعب الإيراني.

عراقيل محتملة

وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشهيد بهشتي، علي بيكدلي، أن روسيا كانت قد طالبت واشنطن بتقديم ضمانات، وكان الأجدر بالجانب الأميركي إبداء موافقته –إذا كان ذلك هو موقفه- على تعاون موسكو مع طهران في إطار الاتفاق النووي.

وأضاف بيكدلي -في حديث للجزيرة نت- أنه في ضوء استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، وتواصل سيل العقوبات الغربية على موسكو، قد نشهد صدور قرار أممي ضد موسكو مستقبلا، وحينها ستفرض عقوبات قاسية ضد الدول التي تنتهك القرار الأممي.

وأوضح المتحدث نفسه أن روسيا تعاني عزلة دولية بسبب العقوبات الغربية في الفترة الأخيرة، وتبحث عن مخرج للالتفاف على العقوبات، محذرا من أن إصرار إيران على الاحتفاظ بالحليف الروسي في مواجهة الحظر الغربي، قد يكلف طهران غاليا، ويفرط بمصالح الشعب الإيراني.

واتهم بيكدلي روسيا بعرقلة مفاوضات فيينا بعد أن كانت قد اقتربت من نهايتها في الأسابيع الماضية، مستبعدا موافقة الأوروبيين والأميركيين على نقل اليورانيوم عالي التخصيب وأجهزة الطرد المركزي المتطورة من طهران إلى موسكو عقب الأزمة الأوكرانية.

وحث المتحدث نفسه الوفد الإيراني في مفاوضات فيينا على مطالبة جميع أطراف الاتفاق النووي باتخاذ موقف صريح تجاه التعاون النووي بين طهران وموسكو، للحد من التداعيات السلبية المحتملة على مصالح الشعب الإيراني.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد قالت الجمعة الماضي إن العقوبات المفروضة على موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا لا صلة لها تماما بالملف النووي الإيراني، وأضافت أن واشنطن أنها ما زالت تعتقد بأن التوصل لاتفاق محتمل للعودة إلى اتفاق 2015 أمر قريب، لكنها قالت إنه يتعين اتخاذ قرارات من لدن طهران وموسكو.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply