م. ميشيل كلاغاصي
 
راهن الإسرائيليون منذ عودة المفاوضات النووية الإيرانية مع الدول الغربية على عرقلتها وإفشالها، وهم اليوم أكثر تفاؤلاً بانتهائها من دون التوصل إلى اتفاق جديد، على خلفية الثمن الذي قدَّمته لواشنطن على حساب علاقتها بموسكو. 
على الرغم من أن سلطات الكيان الإسرائيلي المؤقت عانت ارتباكاً مع بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، ورفضت معارضتها، وتحولت شيئاً فشيئاً نحو إدانتها، وذهبت إلى أبعد من ذلك، وأبدت استعدادها لمساعدة الناتو وتزويد أوكرانيا بأنظمة الأسلحة المتطورة، في وقتٍ دان وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد صراحةً العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فإنه وحكومته لم يتوقعا رد موسكو التي اعتبرت الموقف الإسرائيلي “محاولة تمويه فاشلة لحرف أنظار المجتمع الدولي عن النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي”، وحذرت “تل أبيب” من تقديم السلاح لكييف. 
ما الذي يدفع “تل أبيب” إلى الذهاب نحو التصعيد الدبلوماسي والعسكري تجاه موسكو؟ 
هذا الأمر يدفعنا إلى البحث عن الأسباب الحقيقية داخل المربع الروسي الإيراني الإسرائيلي السوري، والكامنة وراء المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، والتي لوحظ بعدها اتجاه واشنطن نحو عرقلة الاتفاق النووي مع إيران، فيما انطلقت “تل أبيب” نحو إدانة العملية العسكرية الروسية الخاصة والوقوف علناً إلى جانب الولايات المتحدة والناتو في أوكرانيا. 
وبحسب المصادر الإسرائيلية، تلقى نفتالي بينيت تأكيداً من الرئيس الأميركي على إبقاء حرس الثورة الإيراني في لوائح الإرهاب الأميركية، الأمر الَّذي سينعكس سلباً على المفاوضات، وقد يكون مقدمة لعرقلتها وفشلها، إضافةً إلى عراقيل أخرى ألمحت إليها الجمهورية الإسلامية، إذ إنّ بينيت وصف بايدن بـ”الصديق الحقيقي وأحد المهتمين بأمن إسرائيل”، وأشار إلى أنه “لن يسمح بإزالة حرس الثورة الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية”. 
وعلى الرغم من إبداء واشنطن استعدادها لشطب حرس الثورة الإيراني من لوائح المنظمات الإرهابية، مقابل حصولها على بعض الضمانات الإيرانية حول سياستها ونشاطها الإقليمي – بحسب الموقف الأميركي المعلن – وبدء صفحة جديدة للعلاقات معها، فإنها استدركت مواقفها، وقررت استرضاء “إسرائيل” لتعزيز فريقها المناهض لروسيا على حساب إيران وإبرام الاتفاق معها، الأمر الَّذي يعزز الشكوك في نية إدارة بايدن التوصل إلى اتفاق حالياً. 
راهن الإسرائيليون منذ عودة المفاوضات النووية الإيرانية مع الدول الغربية على عرقلتها وإفشالها، وهم اليوم أكثر تفاؤلاً بانتهائها من دون التوصل إلى اتفاق جديد، على خلفية الثمن الذي قدَّمته لواشنطن على حساب علاقتها بموسكو. 
أما في الجانب السوري، مع مراقبة كلٍ من واشنطن و”تل أبيب” خروج سوريا من عزلتها الدولية والعربية التي تم فرضها عليها، ومع خطوات قيادتها الثابتة لدعم استقرارها الداخلي، واستعادتها التدريجية لقدراتها العسكرية، كان لا بد من اختبار قدرتها الجديدة، وسط زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات، ومؤخراً إلى طهران، وما جرى تداوله إعلامياً حول تعزيز علاقاتهما الاقتصادية، ووضوح اللغة الإيرانية في استمرار دعمها وثقة المرشد والقيادة السياسية والعسكرية في إيران بقدرة سوريا على استكمال تحرير كامل الأراضي السورية، ناهيك بملف الغاز السوري الذي لا بدَّ من أنه الملف القادم بقوة، مع ملف الغاز اللبناني، الذي باتت حمايته مضمونة مع تصريحات الأمين العام لحزب الله اللبناني في أكثر من مناسبة، وخطورة كلا الملفين إن اجتمعا في أنبوبٍ تصديري واحد، بعدما قدمت “تل أبيب” نفسها كمنتج ومصدر للغاز. 
كان لا بدَّ من التصعيد الأميركي والإسرائيلي والتركي، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فقد تحدثت واشنطن عن استثناءات لقانون قيصر في مناطق سيطرة الاحتلال الأميركي وميليشيات “قسد” الإرهابية – الانفصالية، بما يتيح تنشيط المنطقة اقتصادياً وتجارياً بعيداً عن سلطة الدولة السورية، وتكثيف العدوان الإسرائيلي المتكرر على الأراضي السورية، والهجمات الإرهابية للتنظيمات التابعة والعاملة تحت القيادة التركية، فيما أتى مؤتمر بروكسل قبل أيام ليؤكد التصعيد السياسي ومضاعفة الضغوط على القيادة السورية، بما يُنذر بتصعيد ملف التغيير الديموغرافي، كمقدمة لمشاريع تقسيم سوريا عبر ما تسمى “المناطق العازلة” على طول الحدود مع تركيا. 
من الواضح أنَّ تلك الاختبارات لا تقتصر على الدولة السورية، بل يبدو اهتمامها وتركيزها منصبّاً على قراءة نتائج التصعيد المشترك، للوقوف على الموقف الروسي المنشغل حالياً بحربه مع الناتو، ورصد تغيراته المفترضة نتيجة المواقف الإسرائيلية الأخيرة تجاهها في أوكرانيا، وخصوصاً ما يتعلق بالاستياء الروسي من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا ومدى حيادية موسكو تجاهها، وسط الادعاءات الإسرائيلية بغض الطرف الروسي، وبإعلامهم المسبق بالهجمات الجوية والصاروخية قبل ساعات أو دقائق، في سياق الروايات الإسرائيلية للتأثير في علاقة السوريين بالروس. 
لا يمكن التكهّن سلفاً بدرجة سخونة هذه القراءات فعلياً، وبأجندتها الزمنية، فقد تستمهل واشنطن عبر المراوغة ومتابعة جولات التفاوض مع إيران، قبل اضطرارها إلى التفكير الجدي في الغضب الإيراني، وفي انطلاق طهران عبر أجنداتها النووية، بالمستوى والشكل الذي أعلنته غير مرة، في وقتٍ قد تحمل المحادثة الهاتفية بين وزيري الدفاع شويغو وأوستن نتائج ملموسة على الأرض في أوكرانيا وسوريا. 
من الواضح أنَّ واشنطن و”تل أبيب” تحملان ما تنوءان بحمله، وبات من المستحيل التفكير في خروجهما من حقل الألغام الذي زرعتاه معاً من دون جروحٍ عميقة، وأقله بخدوشٍ ستبقى للتعريف بإمكانية هزيمتهما مستقبلاً بأقلّ التكاليف، فالروس والرئيس بوتين واثقون بالانتصار على الناتو، فيما المشهد المتفجر في فلسطين المحتلة، على خلفيات الجرائم الإسرائيلية وخطط الكيان التوسعية، يؤكّد أنها لن تمر مرور الكرام، بحسب فصائل المقاومة وحركاتها، بما يعزز مخاوف إيهودا باراك من زوال “إسرائيل” قبل بلوغ عامها الثمانين.
 

المصدر: سوريا الآن

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply