منذ سنوات، تأخذ ملفات السجناء المتشابكة بين إيران وبعض الدول الأوروبية منحى تصاعديا يرفع منسوب التوتر بين الطرفين، وسط اتهامات متبادلة بانتهاك حقوق الإنسان واستخدام المعتقلين أوراق ضغط على الجانبين.

طهران- بعد عام من قرار محكمة بلجيكية سجن الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي، لمدة 20 عاما بتهمة التخطيط لهجوم بقنبلة في 30 يونيو/حزيران 2018 ضد التجمع السنوي للمعارضة الإيرانية بفيلبانت بالقرب من باريس؛ عادت وأكدت الحكم الصادر بحق 3 متهمين بالتعاون معه في وقت سابق.

من جانبها، أعلنت السلطة القضائية الإيرانية في 4 مايو/أيار الجاري أن الأكاديمي الإيراني-السويدي أحمد رضا جلالي، المدان بالتجسس لصالح إسرائيل، سيُعدم في موعد أقصاه 21 مايو/أيار (لم ينفّذ الحكم حتى الآن) وسط مطالبات أوروبية بتعليق تنفيذ الحكم وإطلاق سراحه.

ومنذ سنوات، تأخذ ملفات السجناء المتشابكة بين إيران وبعض الدول الأوروبية منحا تصاعديا يرفع منسوب التوتر بين الطرفين من حين لآخر، وسط اتهامات متبادلة بانتهاك حقوق الإنسان واستخدام المعتقلين أوراق ضغط على الجانبين.

أنصار منظمة مجاهدي خلق المعارضة أمام محكمة ستوكهولم أثناء محاكمة حامد نوري المتهم بالتورط بمذبحة السجناء السياسيين في إيران عام 1988 (رويترز)

ملفات متشابكة

كانت أجهزة الأمن الإيرانية قد اعتقلت جلالي -الذي كان مقيما في ستوكهولم ويعمل في معهد كارولينسكا الطبي- عام 2016 بتهمة التجسس لصالح إسرائيل وتوفير معلومات لجهاز استخباراتها (الموساد) عن اثنين من العلماء النوويين الإيرانيين، وساهمت في اغتيالهما بين العامين 2010 و2012.

وبعد أشهر من تثبيت المحكمة الإيرانية عقوبة الإعدام بحق جلالي، منحته ستوكهولم الجنسية السويدية في فبراير/شباط 2018، وهي خطوة يعتقد الجانب الإيراني أنها تأتي للضغط عليه للإفراج عنه.

وبعد أن طالب منسق الاتحاد الأوروبي لمفاوضات فيينا إنريكي مورا -خلال زيارته الأخيرة إلى إيران- بالإفراج عن أحمد رضا جلالي “لأسباب إنسانية”، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده الاثنين الماضي، إن إيران قد تؤجل إعدام جلالي، مستدركا أن الموضوع قيد الدراسة بعد.

وفي السياق، أوقفت السويد في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 حميد نوري مساعد المدعي العام الأسبق في سجن كوهر دشت، الواقع في مدينة كرج غرب طهران، بتهمة الضلوع في مجازر ضد السجناء السياسيين عام 1988.

وعقدت الجلسة 95 والأخيرة لمحاكمة حميد نوري في الرابع من مايو/أيار الجاري، وأعلن القاضي السويدي أن الحكم سيصدر في 14 يوليو/تموز المقبل، في حين طالب المدعي العام ومحامو المدعين بإنزال أشد العقوبة بحق المتهم.

من ناحيته، رأى وزير الأمن الإيراني إسماعيل خطيب أن “الحكومة السويدية تحتجز بشكل غير قانوني المواطن الإيراني حميد نوري رهينة نيابة عن الصهاينة بعد اعتقال جلالي”.

اعتقالات متبادلة

وفي حين يمضي الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي هذه الأيام عقوبة السجن في بلجيكا؛ أعلنت إيران في 11 مايو/أيار الجاري عن اعتقال مواطنينِ فرنسيين؛ هما سيسيل كولر (37 عاما) وشريكها جاك باريس (69 عاما) بتهمة “السعي إلى إثارة اضطرابات” من خلال لقاء ممثلين عن نقابات المعلمين الإيرانية.

من جانبها، نددت فرنسا باحتجازهما باعتباره بلا أساس، وطالبت بالإفراج الفوري عنهما، فيما اتهمت جماعات حقوقية، إيران بمحاولة انتزاع تنازلات من دول أخرى من خلال مثل هذه الاعتقالات، وهي اتهامات لطالما نفتها طهران.

وأكثر ما رفع منسوب التوتر بين طهران والدول الأوروبية في قضية الاعتقالات المتبادلة، هو اعتقال الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي، الذي كان يعمل في السفارة الإيرانية بفيينا، في الأول من يوليو/تموز 2018 بألمانيا، ثم تسليمه إلى بلجيكا بتهمة التخطيط لتفجير اجتماع منظمة مجاهدي خلق المعارضة التي تعتبرها طهران “منظمة إرهابية”.

تقرير للمخابرات البلجيكية عن اختراقها البريد الإلكتروني الخاص بأسدي (وكالة الأنباء الإيرانية)
تقرير للمخابرات البلجيكية عن اختراقها البريد الإلكتروني الخاص بالدبلوماسي الإيراني المعتقل أسد الله أسدي (الصحافة الإيرانية)

قضية أسدي.. فبركات وتقارير

من جانبها، وصفت وكالة أنباء “إرنا” التابعة للحكومة الإيرانية قضية أسدي بأنها مفبركة من قبل المعارضة الإيرانية، وأن المحكمة البلجيكية تفتقر إلى أدلة دامغة تثبت تورطه في القضية، وقد نشرت وثائق تقول إنها تدحض الاتهامات الموجهة إليه.

ووفقا للتقرير الإيراني، فإن المحكمة البلجيكية اعتمدت في حكمها بحق أسدي على اعترافات شخصين من المعارضة الإيرانية؛ هما نسيمة نعامي وأمير سعدوني وإفادتهما بتسلم متفجرات منه لنسف اجتماع المعارضة في باريس، إلا أن تقرير الشرطة الألمانية يدحض هذا الادعاء.

وفيما أعلنت الشرطة الألمانية أن المواد المتفجرة التي كانت بحوزة نعامي وسعدوني مشعة، إلا أنها لم تعثر على إشعاعات داخل سيارة أسدي، وفقا لتقرير الشرطة ذاتها المقدم إلى المحكمة.

وتعليقا على تقرير النيابة العامة البلجيكية أمام المحكمة الاستثنائية بأن أسدي نقل المتفجرات من طهران إلى فيينا في الحقيبة الدبلوماسية، أعادت الوكالة الإيرانية نشر تقرير للخطوط الجوية النمساوية يكذب هذا الادعاء ويصفه بأنه غير مقبول.

ووفقا للتقرير الإيراني، فإن المخابرات البلجيكية سبق أن اخترقت البريد الإلكتروني للدبلوماسي أسدي الخاص بوزارة الخارجية الإيرانية بحثا عن وثيقة لإثبات التهم الموجهة إليه، لكن دون جدوى.

وجاء في لائحة الاتهام البلجيكية، أن التحقيق كشف عن أن أسدي هو في الواقع عميل للاستخبارات الإيرانية تحت غطاء دبلوماسي، واعتمد على المتهمين نعامي وسعدوني لتنفيذ خطته الإرهابية، إلى جانب المعارض الإيراني المقيم في أوروبا مهرداد عرفاني.

أحمد رضا جلالي المعتقل في طهران والمحكوم بالإعدام بتهمه التجسس لصالح الموساد الإسرائيلي (الفرنسية)

أقصى الضغوط

وتعليقا على الاعتقالات والاتهامات المتبادلة بين إيران والدول الغربية، يرى الباحث السياسي الإيراني المقيم في بريطانيا قيس قريشي، استخدام بعض الأطراف للسجناء كرهائن للضغط على الطرف الآخر، متهما الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بأنه أول من قام بتسييس القضايا القانونية في سياق سياسة “أقصى الضغوط” لا سيما بذريعة مساعدة طهران في الالتفاف على العقوبات.

وكشف قريشي -في حديثه للجزيرة نت- عن تعرض الجالية الإيرانية في أوروبا للتجسس من قبل جهات مدعومة من قبل ما سمّاه “المحور الغربي-العبري-العربي”، مؤكدا أن السجناء يدفعون ضريبة السياسة.

من جانبه، يقرأ الباحث السياسي الإيراني سياوش فلاح بور سلسلة الاعتقالات المتبادلة بين إيران والدول الإيرانية في إطار تسييس قضايا حقوق الإنسان، وأن “هذه السياسة فاشلة ولن تؤدي إلى حلحلة القضايا الشائكة وإنما تساهم في تعقيد الأمور”، مؤكدا أن لبلاده الحق في مواجهة الخطوات الأوروبية.

وتوقع بور -في حديثه للجزيرة نت- أن تنتهي أزمة السجناء السياسيين بين إيران وأوروبا بصفقة تبادل على غرار تلك التي توجت بالإفراج عن السجينة الإيرانية البريطانية نازنين زاغري وتسليمها إلى بريطانيا قبل نحو شهرين.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply