تمر الذكرى الـ74 لنكبة فلسطين هذا العام في ظروف استثنائية، حيث ينتظر الفلسطينيون في هذا العام بفارغ الصبر -يوما بعد يوم- زوال دولة الكيان الصهيوني عن أرض فلسطين تحقيقا لنبوءات مختلفة، أبرزها للشيخ بسام جرار قبل 30 عاما، وشرح تفاصيلها في كتاب أصدره عام 1995 تحت عنوان “زوال إسرائيل 2022.. نبوءة أم صدف رقمية؟”، وأتبعه بكتب أخرى ومحاضرات على منصة يوتيوب حصدت ملايين المشاهدات.

قطاع واسع من الشعب الفلسطيني -من المتعلمين والمثقفين والسياسيين والعوام- يعتقدون أن هذا الأمر ليس مستبعدا، وأن التطورات التي تشهدها فلسطين والمنطقة العربية والعالم تشير إلى أن أمرا كبيرا يتشكل في الأفق ستكون له انعكاسات شديدة على دولة الكيان الصهيوني التي ستنهار بسرعة كبيرة تصبح بعدها أثرا بعد عين في بضعة أشهر أو سنوات على الأكثر.

استدعى باراك التاريخ اليهودي لا ليخبر الشعب اليهودي عن نبوءة القضاء عليهم، وإنما ليدعوهم إلى توحيد الصف وتجاوز الخلافات، ويحذرهم من مغبة ما قد يحدث لهم في الفترة القادمة إذا استمروا في ما هم عليه حاليا من تباينات سياسية ودينية وفكرية حادة، وهو ما وقع فيه الشعب الفلسطيني والعربي منذ النكبة وحتى الآن.

وقد اشتعل الأمل في صدور الفلسطينيين ومناصريهم من العرب والمسلمين بعد أن انتشرت كالنار في الهشيم مقتطفات لرئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إيهود باراك قبل أسبوعين يتحدث فيها عن لعنة العقد الثامن في التاريخ اليهودي، حيث لم تقم لليهود قائمة عبر التاريخ لأكثر من 8 عقود، وأنه يخشى من تكرار حدوث ذلك لدولة “إسرائيل” التي يصادف اكتمال العقد الثامن لها عام 2028، وهو العام الذي يلي موعد تحقق نبوءة الشيخ أحمد ياسين -رحمه الله- بزوال دولة “إسرائيل” عام 2027.

ما لم نقرأه في حديث إيهود باراك عن لعنة العقد الثامن

نظرا للحالة العاطفية الانفعالية التي يعيشها الفلسطينيون والعرب والمسلمون تجاه الكيان الصهيوني الغاصب فإن الذي استوقفهم من حديث باراك وسارت به الركبان كلامه عن لعنة العقد الثامن، ولكنهم لم يكملوا القراءة ليعرفوا أن باراك لم يكشف عن نبوءة حول قرب زوال إسرائيل تعزز “نبوءة” الشيخ جرار وغيره كما يحلو للبعض تسميتها.

ما قاله باراك مجرد استقراء لتاريخ اليهود ساقه ليذكر الشعب اليهودي بمغبة الفرقة والتنازع، ويدعوهم إلى الوحدة في مواجهة التحديات الداخلية التي باتت تهدد دولة الكيان الصهيوني منذ سنوات.

حديث باراك جاء في مقالين متتابعين في جريدة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية يومي 4 و8 مايو/أيار الجاري 2022 بمناسبة الذكرى الـ74 لاستقلالهم المزعوم.

في المقال الأول قدم استقراء لتاريخ الممالك اليهودية والخلافات التي عصفت بتلك الممالك، محذرا من تكرار ذلك قبل أن تكمل دولة “إسرائيل” عقدها الثامن بسبب الخلافات والانشقاقات العاصفة التي تشهدها حاليا، والتي تتجاوز خطورتها بكثير خطورة التهديدات الخارجية.

لا يمكن “للإرهاب” أن يقضي علينا، ولا الفلسطينيين ولا حزب الله ولا إيران حتى لو كانت تمتلك أسلحة نووية، لكن التاريخ يثبت أن أخطر عدو هو الانقسام الداخلي وتنامي الكراهية بين اليهود أنفسهم، والتحريض والتعصب والطائفية التي تزداد سوءا عاما بعد عام.

في مطلع مقاله الثاني لخص باراك حديثه بقوله “لا يمكن (للإرهاب) أن يقضي علينا، ولا الفلسطينيين ولا حزب الله ولا إيران حتى لو كانت تمتلك أسلحة نووية، لكن التاريخ يثبت أن أخطر عدو هو الانقسام الداخلي وتنامي الكراهية بين اليهود أنفسهم، والتحريض والتعصب والطائفية التي تزداد سوءا عاما بعد عام، فالأمم التي لم تستطع أن تتحد في لحظات الاختبار اختفت من منصة التاريخ”.

تحدث باراك عن تهديد حماس وحزب الله وإيران، وعن المشروع النووي الإيراني، داعيا قادة “إسرائيل” إلى التصدي لها برصانة وعزم، مطالبا برفع الحصانة عن زعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار وغيره من قادة الحركة، ومطالبا باستكمال جدار الفصل العنصري وتشغيله وتجهيزه بوسائل الإنذار ونشر قوات للرد على طوله، حتى لو تطلب الأمر إنشاء 15 سرية أخرى لدوريات الحدود، وعلى جهاز الشاباك العمل بحزم لصد الهجمات “الإرهابية” التي يقوم بها الفلسطينيون هذه الأيام.

وقال “(إسرائيل) أقوى من كل تجمع من الأعداء، عسكريا وإستراتيجيا وتكنولوجيا واقتصاديا، يجب أن نعمل لتحقيق أهدافنا من موقع القوة والثقة بالنفس، لا مكان لتخويف أنفسنا ومواطنينا”.

أما تهديد المشروع النووي الإيراني فقدم وجهة نظر جديدة تقلل من الخطر المشروع على دولة “إسرائيل” بقوله “إن التهديد الإيراني في هذه المرحلة أيضا وفي المستقبل المنظور لا يشكل تهديدا وجوديا على (إسرائيل)، وفي الواقع ينبع الخطر المباشر أكثر من احتمال أن يؤدي تقدم إيران إلى دفع المزيد من اللاعبين في المنطقة إلى السعي للحصول على أسلحتهم الخاصة، وهذا تعقيد آخر على المدى الطويل”.

التهديد الأكبر لدولة إسرائيل

ما يعنينا أكثر في هذه الوقفة هو حديث باراك عن التهديد الداخلي الذي دفعه للتمهيد له في المقال الأول بالحديث عن لعنة العقد الثامن، حيث أوضح قصده بقوله “فترتا الدمار (التاريخيتان) لم تتم كتابتهما مسبقا في السماء، لقد كانتا نتيجة أمراض طائفية شديدة وكراهية أخوية، إلى جانب التعصب الأعمى لمن احتكر معرفة إرادة الله وأراد تطبيقها الفعلي، الأمم التي لم تعرف مرارا كيف تتحد في لحظات الاختبار اختفت من على منصة التاريخ”.

وفسر ذلك بقوله “إن هناك تهديدا واحدا فقط لـ”إسرائيل” اليوم، والذي في ضوء تجربتنا التاريخية جوهره وأهميته قد يجعلانه تهديدا وجوديا، وهذا التهديد هو الأزمة الداخلية والانقسام الداخلي وتنامي الكراهية بين اليهود أنفسهم، تحريض وتعصب وانقسامات لا يمكن تركها تتفاقم من سنة إلى أخرى”.

ونقل قول رئيس أحد أجهزة الاستخبارات السابقين له بأنهم يشعرون أنهم في طريقهم إلى حرب أهلية، واختتم مقاله بقوله “تقع على عاتقنا مسؤولية تكاتف الجميع، حتى مع أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف عنا، من أجل النضال المشترك ضد آفة الانقسام والتحريض والقمع والتعصب الأعمى التي أصابتنا بالفعل بشدة في الماضي والانطلاق من هنا معا إلى آفاق جديدة، القرار يرجع إلينا، وهذا هو اختبارنا الرئيسي في بداية السنة الـ75 لاستقلال (إسرائيل)”.

إيهود باراك استدعى التاريخ اليهودي ليحث اليهود على محاربة الانقسام والتعصب الأعمى وتوحيد الصف الداخلي لمواجهة التحديات الخارجية، لا ليقول لهم انتهى زمانكم، ولم يبق لكم سوى أيام أو شهور معدودة لتحزموا حقائبكم وترحلوا عن فلسطين وتأخذوا أولادكم إلى حيث جئتم، كما أحب الفلسطينيون والعرب والمسلمين أن يفهموها.

إيهود باراك -الذي ناهز الـ80 عاما زعيم صهيوني مخضرم وعقلية سياسية وعسكرية قيادية مرموقة، عمل وزيرا للخارجية والداخلية، وعضوا في الكنيست، ورئيسا لحزب العمل لمدة 4 سنوات، ووزيرا للدفاع لـ8 سنوات، استدعى التاريخ اليهودي لا ليخبر الشعب اليهودي عن نبوءة القضاء عليهم، وإنما ليحذرهم من مغبة ما قد يحدث لهم في الفترة القادمة إذا استمروا في ما هم عليه حاليا، من تباينات سياسية ودينية وفكرية حادة، وهو ما وقع فيه الشعب الفلسطيني والعربي منذ النكبة وحتى الآن.

وربما كان الأولى بالشعب الفلسطيني وقادته أن يستفيدوا من حديث باراك أكثر من الشعب اليهودي، وأن يستلهموا منه الدروس والعبر، وأن يستشرفوا ملامح المرحلة القادمة لدولة “إسرائيل” مرحلة تعزيز القوة والهيمنة الصهيونية في فلسطين والمنطقة، ليحققوا وعد الآباء والأجداد، لا نبوءة الشيخ جرار ولا الشيخ ياسين، فالأمم التي لم تستطع أن تتحد في لحظات الاختبار اختفت من منصة التاريخ كما قال باراك.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply