تراقب كييف والعواصم الغربية الأوضاع عن كثب في مولدوفا الدولة المجاورة لأوكرانيا، بسبب مخاوف من أن تصبح هذه الجمهورية السوفياتية السابقة الهدف التالي لروسيا، ولا سيما بعد تصريحات روسية عن السعي للوصول إلى حدود مولدوفا بعد السيطرة على جنوب أوكرانيا.

يُنظر تقليديا في الآونة الاخيرة إلى أي حدث في الدول السوفياتية السابقة، على أنه صراع مستمر بين روسيا من جهة، والغرب (بروكسل وواشنطن) من جهة أخرى، ولطالما سلّطت موسكو في حوارها مع مولدوفا الضوء على الحفاظ على حياد كيشنيف وعدم عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)

احتجت الخارجية المولدوفية، وقالت إنها استدعت السفير الروسي في 23 أبريل/نيسان 2022 للتعبير عن “القلق البالغ” إزاء تصريحات قائد عسكري روسي كبير قال إن السكان الناطقين بالروسية في البلاد يتعرضون للقمع، ونشرت الوزارة على موقعها على الإنترنت “هذه التصريحات لا أساس لها، ومولدوفا دولة محايدة ويجب احترام هذا المبدأ من قبل جميع الأطراف الدولية بما في ذلك الاتحاد الروسي”.

وجاء ذلك بعد أن نقلت وكالات أنباء رسمية روسية عن روستام مينيكايف نائب قائد قوات المنطقة العسكرية الوسطى في الجيش الروسي قوله إن السيطرة الكاملة على جنوب أوكرانيا من شأنها أن تتيح لبلاده الوصول إلى ترانسنيستريا، وهو إقليم انفصالي في مولدوفا تدعمه روسيا.

ومولدوفا اليوم، بؤرة التوتر المجمدة بين الغرب وروسيا، تعاني من الانقسامات العرقية مع إقليمي، غاغاوزيا (أغلبية تركية تتمتع بحكم ذاتي)، وترانسنيستريا (أغلبية روسية مستقلة بحكم الأمر الواقع)، وهما منطقتان قريبتان دبلوماسيا من موسكو، وتناوبت في مولدوفا على السلطة القوى المؤيدة للتقارب مع روسيا وأنصار التكامل مع الاتحاد الأوروبي، لكن من دون أن يتمتع أي منهما بأغلبية واضحة.

ويُنظر تقليديا في الآونة الاخيرة إلى أي حدث في الدول السوفياتية السابقة، على أنه صراع مستمر بين روسيا من جهة، والغرب، بروكسل وواشنطن من جهة أخرى، ولطالما سلّطت موسكو في حوارها مع مولدوفا الضوء على الحفاظ على حياد كيشنيف وعدم عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وتواجه مولدوفا الجمهورية السوفياتية السابقة الناطقة بالرومانية، إحدى أفقر دول أوروبا -منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي عام 1991- أزمات سياسية متكرّرة، وهددت في السنوات الأخيرة فضائح فساد كبرى طاولت النخب فيها، المساعدات المالية الغربية الحيوية، علما أن مولدوفا ليست ذات أهمية اقتصادية كبيرة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، حيث إن القطاع التنافسي الوحيد هو المنتجات الزراعية، في حين أن فساد الطبقة الحاكمة ورحيل الخريجين الشباب يعيقان ظهور خدمات جديدة ومجتمع مدني نشط، يُضاف إلى ذلك إدارة النزاع المجمّد في ترانسنيستريا، المنطقة الانفصالية الموالية لروسيا والخارجة عن سيطرة الدولة في شرق البلاد على الحدود مع أوكرانيا، وهو النزاع الذي يذكّر بتجربة أوسيتيا الجنوبية في جورجيا .

وفي 2014 وقعت كيشنيف اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، أثارت غضب موسكو، وردا على ذلك، فرض الكرملين حظرا على صادرات المنتجات الزراعية المولدوفية، ما شكل ضربة قاسية للاقتصاد المحلي، وبعد 8 سنوات وعلى الرغم من رفع تدريجي لهذه العقوبات، تفوق الاتحاد الأوروبي على روسيا وأصبح الشريك التجاري الأول لمولدوفا.

وكانت روسيا أرسلت قواتها إلى ترانسنيستريا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، لإنهاء القتال في المنطقة الناطقة باللغة الروسية، ووقع اتفاق سلام في 1992 بين روسيا ومولدوفا، أنهى نزاعا مسلحا بين كيشنيف وترانسنيستريا، وأسفر عن سقوط آلاف القتلى. وتعد المنطقة حاليا واحدة من “النزاعات المجمدة” في فضاء الاتحاد السوفياتي السابق.

وتُناقش قضية مولدوفا ومنطقة ترانسنيستريا منذ سنوات في إطار ما يُسمى صيغة 5 + 2، بمشاركة مولدوفا وترانسنيستريا، مع الاتحاد الأوروبي وروسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، من دون إحراز تقدم، وأجرت ترانسنيستريا قبل سنوات استفتاءً شعبياً، طُلب من السكان فيه الاختيار بين مستقبل داخل مولدوفا أو الاستقلال، يليه الانضمام إلى الاتحاد الروسي، وأكثر من 97 في المئة من الأصوات، مع إقبال كبير، تم الإدلاء بها لصالح الانضمام إلى روسيا.

وترانسنيستريا هذه الواقعة بين أوكرانيا ومولدوفا جغرافيا، مدعومة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا من قبل روسيا، ومنذ اندلاع المعارك في أوكرانيا أثيرت أسئلة حول المنطقة الموالية لروسيا في مولدوفا، وبعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، بدأ العديد من سكان ترانسنيستريا الموالين لموسكو يأملون أن تتخذ روسيا خطوة مماثلة في منطقتهم.

وتمتلك ترانسنيستريا دستورا وعلما ونشيدا وطنيا وبرلمانا وجيشا وجهازا للشرطة، خاصا بها، وتستمر المفاوضات الرامية لحل الأزمة الحاصلة بين مولدوفا وترانسنيستريا منذ عام 1993، في أروقة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، إذ تصر مولدوفا على أنّ ترانسنيستريا، تعد جزءا من أراضيها، فيما تحاول إدارة ترانسنيستريا، إقناع العالم باستقلاليتها.

وعلى الرغم من خصوصيات الأزمة الأوكرانية، يشير مراقبون إلى نمط حديث في العمليات العسكرية الروسية، بهدف إحباط تطلعات الجيران نحو الغرب، في إطار وقف أي توسع إضافي لحلف شمال الأطلسي.

وأتاحت ما يطلق عليها بـ”النزاعات المجمدة” فرصة لتوسيع نفوذ موسكو خارج الحدود الروسية، في فضاء الاتحاد السوفياتي السابق، حيث دعمت نظاما مواليا لها في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية في مولدوفا منذ التسعينيات، وفي عام 2008 تحركت ضد جورجيا لمساندة الحكومات الانفصالية في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وبعد 6 سنوات عام 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، وبدأت في دعم الانفصاليين الموالين لها في دونباس.

يبقى القول، تدفع المخاوف من الابتعاد عن دائرة النفوذ الروسي إلى تعجيل تحركات موسكو، في الفضاء السوفياتي السابق، في الوقت الذي تتزايد مخاوف أخرى من اعتماد موسكو نفس مبرر التدخل في جورجيا و أوكرانيا (حماية الروس)، وتكرار ذلك في مولدوفا، في حين أن روسيا لم تعترف حتى اليوم باستقلال ترانسنيستريا، إلا أنها أضعفت سيادة مولدوفا وجمدت اندماجها الغربي على مدى السنوات الـ30 الماضية.

 

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply