يرفض الشاب علي خطاب التسليم بما آلت إليه الأمور في قريته قالونيا من تدمير وتشريد وإحلال للرواية التوراتية، فانطلق منذ عام 2006 مع مجموعة من أقاربه في رحلة لسبر أغوار معالم القرية وآثارها وأشجارها ومنازلها ومقبرتها والحياة البرية فيها أيضا.

القدس المحتلة- “ارتباطي بقريتي المهجّرة شغف وليس اختصاصا، ودافعي هو عشقي لما أنتمي إليه، وليس تفويضا من أحد.. أهوى السباحة والغوص العميق في بحر التاريخ لاستخراج الحقائق الغارقة كما هي مجردة من دون تجميل أو انتقاص.. أستمتع باستحضار حكايات وذكريات الأجداد الذين عاشوا في قريتي المهجرة قالونيا”.

بهذه الكلمات استهلّ اللاجئ المقدسي علي خطّاب حديثه للجزيرة نت عن قريته المقدسية المهجّرة عام 1948 بصورة تهيئ لمن يلتقيه أن قريته ما زالت عامرة وتدبّ فيها الحياة رغم مرور 74 عاما على تهجير سكانها وتدمير منازلهم قسرا.

اللاجئ المقدسي من قرية قالونيا علي خطّاب في إحدى جولاته الاستكشافية للقرية (الجزيرة نت)

ولد علي في البلدة القديمة بالقدس عام 1983 لعائلة هُجّرت مرتين: الأولى عام 1948 من قرية قالونيا حيث تنحدر عائلة خطّاب، والثانية عام 1967 من حارة الشرف في البلدة القديمة التي لجأت إليها العائلة بعد النكبة.

رفض علي التسليم بما آلت إليه الأمور في قريته من تدمير وتشريد وإحلال للرواية التوراتية، فانطلق منذ عام 2006 مع مجموعة من أقاربه في رحلة لسبر أغوار معالم القرية وآثارها وأشجارها ومنازلها ومقبرتها والحياة البرية فيها أيضا.

9-بقايا بناء قصر المفتي في قرية قالونيا المهجرة (الجزيرة نت)
بقايا بناء قصر المفتي في قرية قالونيا المهجرة (الجزيرة نت)

روايات شفوية وبحث وتوثيق

“نعمل منذ سنوات على توثيق الروايات الشفوية ممن عاشوا في القرية قبل النكبة، وحاولنا جاهدين توثيق كل معلم نجا من التدمير والتجريف، وانطلقنا بزيارات متكررة لقالونيا نحاول من خلالها البحث عن معالم لم توثق من قبل” كما أوضح الشاب خطّاب.

لم يتوقف شغف اللاجئ الشاب بقريته عند هذا الحد بل طوّر موهبته في التصوير لاقتناص جمال قالونيا في زياراته الأسبوعية لها، لينقل بعدسته جمال الطبيعة من جهة ويوثق شواهد وآثار ما تبقى من المعالم من جهة أخرى؛ في محاولة لخلق ذاكرة تصويرية للقرية قبل النكبة، وسرد قصة الأرض وحكاية صاحبها معا.

منذ سنوات يبحث خطّاب ويجمع المواد التاريخية المختلفة عن قالونيا كالصور النادرة والخرائط والوثائق واللوحات التي رسمها مستشرقون وسجلات النفوس العثمانية وحجج الأراضي، مع متابعة دقيقة للحفريات التي تجريها سلطة الآثار الإسرائيلية.

عين فرحان إحدى عيون قرية قالونيا المهجرة (الجزيرة نت)

يقول خطاب “جمعتُ هذه المواد وأعمل حاليا على إصدار كتاب يتضمن أيضا جوانب مختلفة من الحياة الاجتماعية التي وثقتُها شفهيا على لسان أهالي قالونيا وتناولتُ فيها الحياة قبل النكبة وخلالها وبعدها”.

يتحدى علي ورفاقه في جولاتهم للقرية بعضهم بعضا في اكتشاف مناطق أو معالم جديدة في رحلاتهم الأسبوعية، وفي إحدى الزيارات تحدّاهم في العثور على مكان “عين الشريف” التي وردت في كتب التاريخ، وأبرزها ما كتبه عنها الراحل توفيق كنعان.

2-فلسطين، قرية قالونيا المقدسية المهجرة، أسيل جندي، مجموعة من أهالي قرية قالونيا يحيون ذكرى احتلالها بعاليات على أراضيها عام 2019(الجزيرة نت)
جولة لمجموعة من أهالي قرية قالونيا عبر أراضيها ضمن فعاليات في ذكرى احتلالها (الجزيرة نت)

امتازت هذه العين، وفقا لكنعان ورواية أهالي القرية، بنسبة الأملاح العالية فيها، ولذا كانت مقصدا للتداوي من الأمراض بخاصة الجلدية منها.

يقول علي “اتجهنا نحو أراضي قالونيا الشرقية معتمدين على خرائط من الحقبة البريطانية التي أجري خلالها مسح للأراضي وتوثيق لأسماء الشوارع والأزقة.. عثرنا على العين المخفية داخل مغارة.. ومع نهاية كل زيارة لها نغلق مدخل المغارة بالأعشاب مجددا كي تبقى بعيدة عن الأعين”.

12-غزال بري وثقته عدسة علي خطاب خلال إحدى جولاته في قرية قالونيا المهجرة (الجزيرة نت)
غزال بري وثقته عدسة علي خطاب خلال إحدى جولاته في قرية قالونيا (الجزيرة نت)

إعادة بناء القرية

عمل علي ورفاقه أيضا على إعادة بناء قالونيا المهجرة بتقنية ثلاثي الأبعاد بالاعتماد على ما دوّنه كبار السن من وصف للأبنية ومنها مسجد القرية والمدرسة، وعلى الوثائق والخرائط والصور الجوية لقالونيا قبل النكبة.

في كل جزئية صغيرة يحرص هذا الشاب الثلاثيني على سردها يشعر من يقابله بأن النكبة ما زالت تعيش فيه وأن تفاصيل حسرة أجداده عام 1948 ما زالت ترافقه حتى يومنا هذا، وعن ذلك قال “أكبر نكبة أنني لا أعيش في قريتي التي أنتمي لها عاطفيا ووطنيا وأضطرب إذا ابتعدت عنها جسديا.. أنا وُلدت منسلخا عن جذوري ومسقط رأس أجدادي”.

وقبل أن نودّعه سألنا خطّاب عن المكان الأحب إلى قلبه في قالونيا فأجاب من دون تردد “أذهب إلى الحوش الذي كان يسكن به جدي وجدتي ووالدي وأعمامي.. أرتاح هناك لكن شعور الحسرة يتسلل إلى قلبي بعد دقائق فأسير نحو مكان آخر في مهوى قلبي قالونيا”.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply