المقال يرى أن غزو العراق كان ضربة خطيرة لادعاءات الغرب بأنه المعيار العالمي للحضارة، التي استخدمها لتبرير تشكيل العالم الحديث ولتعزيز سيطرته المستمرة على المؤسسات السياسية والمالية الدولية.

اعتبر مقال نشره موقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) البريطاني أن الغرب يرى في الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا فرصة لـ”خلاص ضميره” من كارثة غزوه العراق عام 2003 واستعادة المكانة الأخلاقية الغربية العالمية.

وأوضح كاتب المقال -أندرو هاموند أستاذ التاريخ التركي بجامعة أكسفورد- أن التغطية الهستيرية لوسائل الإعلام الغربية لـ”الغزو الروسي لأوكرانيا” تكشف أحيانا عن حاجة الغرب، لاستعادة مكانته الأخلاقية التي كانت في الماضي.

واستعرض المقال الفظائع والانتهاكات المدمرة التي ارتكبها الغرب خلال سنوات الحصار والعقوبات ضد العراق (بين عامي 1990 و2003) قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وبريطانيا عام 2003، واستخدام التعذيب على نطاق واسع.

ضربة لادعاءات الغرب

وقال إن غزو العراق عام 2003 كان ضربة خطيرة لادعاءات الغرب القديمة بأنه المعيار العالمي للحضارة، التي استخدمها لتبرير تشكيل العالم الحديث على صورته، ولتعزيز سيطرته المستمرة على المؤسسات السياسية والمالية الدولية.

وأضاف أن كارثة العراق كانت أحد العوامل التي مهدت الطريق لصعود شخصية مثل دونالد ترامب، ومغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، مما أسهم في فقدان ثقة الناخبين من ذوي الخبرة في الطبقة الحاكمة.

وقال إن أزمة أوكرانيا التي تفجرت مؤخرا أجبرت الغرب على العودة إلى روحه، ليجد أنه على قيد الحياة بعد كل شيء.

U.S. Secretary of State Antony Blinken meets with refugees, as Russia's invasion of Ukraine continues, at a refugee reception center at the Ukrainian-Polish border crossing in Korczowa, Poland March 5, 2022. Olivier Douliery/Pool via REUTERS
بلينكن خلال تفقده لاجئين أوكرانيين عند المعبر الحدودي الأوكراني البولندي (رويترز)

بلينكن يكفر عن خطايا باول

واستعرض الكاتب مقتطفات مما قاله بعض السياسيين والكتاب الغربيين حول اكتشاف الغرب أنه لا يزال على قيد الحياة، مثل ما كتبه كوري شاك عن أن حرب أوكرانيا أعادت التأكيد على عالمية القيم الغربية، وما قاله الكاتب دانيال هنان -في صحيفة “تلغراف” (The Telegraph) البريطانية- من أن الغزو الروسي كان “هجوما على الحضارة” بحد ذاته وتحديا للهيمنة الثقافية الغربية، وما أعلنته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون من إعلان “حالة الطوارئ للديمقراطية”.

وأضاف أن سمعة وكالات الاستخبارات الأميركية والبريطانية، التي أبلغت السياسيين بما يريدون لغزو العراق، انتعشت مرة أخرى. وفي هذا الصدد، يقول هاموند إن “وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن كفّر عن خطايا سلفه كولن باول، عندما عرض باول في مجلس الأمن الدولي أدلة أميركية على أسلحة الدمار الشامل العراقية قبل غزو 2003”.

انتشار سابق لقوات أميركية وأسترالية في بغداد (غيتي)

يتجنبون ذكر العراق

ومع ذلك، فإن الرؤساء المتحدثين الذين يريدون رؤية أوكرانيا تتحول إلى مقبرة لأحلام بوتين تجنبوا ذكر العراق، ومن أبرزهم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، الذي قاد بريطانيا إلى الغزو. وحصر ديفيد فروم -كاتب خطب محور الشر لبوش الابن- تعليقاته في التفاصيل الدقيقة للعقوبات المالية من دون الإشارة للعراق.

لكن العراق -يقول هاموند- جاء بطريقة كاشفة خلال مقابلة مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس، التي شغلت منصب مستشار الأمن القومي خلال الغزو الأميركي للعراق. فقد كانت رايس تحدق في الكاميرا بخجل عندما قال مقدم برنامج “فوكس تي في” (Fox TV) إن غزو دولة ذات سيادة يعتبر جريمة حرب، وردت رايس قائلة “حسنا، إنه بالتأكيد ضد كل مبدأ من مبادئ القانون الدولي والنظام الدولي”.

العنصرية الغربية

ومع ذلك، ولسوء الحظ، فإن أي رغبة في “التكفير” قد أفسدها تدفق ضخم بنفس القدر من حديث التفوق والتمييز الذي لا يذكّر بقية العالم إلا بالنفاق الغربي.

على سبيل المثال، قال مراسل شبكة “سي بي إس” (CBS) التلفزيونية الأميركية، تشارلي داغاتا، إن الأزمة كانت مروعة لأن الأوكرانيين كانوا “متحضرين نسبيا، وأوروبيين نسبيا”، وأن أوكرانيا “ليست مكانا، مع كل الاحترام الواجب، مثل العراق أو أفغانستان”، بينما أشار مقال في “وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal) إلى أن روسيا قد انحرفت عن طريق الحضارة نحو “ماضيها الآسيوي”.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply