تعتبر روسيا التي تعهّدت بفتح “ممرات إنسانية” لخروج آلاف السكان من مدن أوكرانية رئيسية تحت مرمى نيرانها، “مهندسة” أبرز اتفاقات إجلاء المدنيين من مناطق محاصرة خلال سنوات الصراع السوري.

ورغم إعلان موسكو خلال الأيام الماضية عدة مرات وقفا مفترضا لإطلاق النار لإجلاء المدنيين من المدن والمناطق التي تشن عليها هجوما في أوكرانيا، فإن عددا قليلا من السكان فقط سلك الممرات الإنسانية التي حددتها فيما اتهمت كييف خصمها مرارا بتضليل قادة العالم بشأن تلك الممرات.

وتعود تجربة روسيا بشأن الممرات الإنسانية لإستراتيجية اختبرتها منذ بدء تدخلها العسكري عام 2015 دعما لقوات النظام السوري في مواجهة مجموعات مقاتلة معارضة، تمّ إجلاء أكثر من 200 ألف شخص بعد هجمات شنّها جيش النظام بدعم سياسي وعسكري روسي، على أبرز معاقل المعارضة.

وبادرت روسيا إثرها إلى نسج اتفاقات تضمنت إجلاء مدنيين ومقاتلين، ما فتح الطريق أمام دمشق لاستعادة مناطق عدة.

وسادت فوضى بعض عمليات الإجلاء التي تمّ تعليقها لأكثر من مرة بسبب استهداف الحافلات وانعدام الثقة بين الأطراف المعنية وغياب رقابة دولية عن معظمها.

وتقول الباحثة في معهد الشرق الأوسط إيما بيلز لوكالة الصحافة الفرنسية “في أوكرانيا، نشهد بعض المخاطر التي رأيناها في سوريا”. وتضيف أنه في بعض الأحيان، تقود طرق الإجلاء إلى أراض يسيطر عليها أحد أطراف النزاع، وتكون لدى الخارجين مخاوف تتعلق بالأمن والحماية.

وتشير بيلز إلى أنه في بعض الحالات، تتم مهاجمة الطرق خلال عمليات الإجلاء، ما يتسبب بإصابة أو مقتل مدنيين.

وتحاول روسيا اليوم اتباع إستراتيجية تفعيل “الممرات” التي ترى فيها أوكرانيا حيلة إعلامية، إذ تؤدي 4 من 6 ممرات اقترحتها موسكو إلى روسيا أو جارتها وحليفتها بيلاروسيا.

ما أبرز عمليات الإجلاء التي نسجتها روسيا وأشرفت على تنفيذها في سوريا؟

حلب

شكّل هجوم قوات النظام السوري على الأحياء الشرقية، معقل الفصائل المعارضة في مدينة حلب (شمال)، بعد حصار خانق ومحكم، أول مثال على التدخل العسكري الروسي الذي سرعان ما رجّح كفة الميدان لصالح دمشق.

بدءا من منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2016، شنّ جيش النظام السوري بدعم روسي هجوما واسعا على الأحياء الشرقية خوّله في 22 ديسمبر/كانون الأول بسط سيطرته على كامل المدينة.

وبموجب اتفاق أبرمته روسيا وإيران، الداعمتان الرئيسيتان لدمشق، مع تركيا الضامن لفصائل المعارضة، بدأت أولى عمليات الإجلاء في 15 ديسمبر/كانون الأول وانتهت في 22 منه. وتمّ إخراج 35 ألف شخص بين مقاتلين ومدنيين، وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر حينها.

الحافلات الخضراء التي أصبحت رمزا للتهجير القسري للسوريين وهي تغادر مدينة حلب بموجب اتفاق مع روسيا (الفرنسية)

غادر هؤلاء تباعا على متن حافلات وسيارات خاصة، إضافة إلى سيارات إسعاف نقلت مئات المرضى والجرحى، نحو ريف حلب الغربي الذي كان تحت سيطرة المعارضة. وانتقل عدد كبير منهم لاحقا إلى محافظة إدلب (شمال غرب).

وأفاد سكان حينها عن تعرضهم لمضايقات أثناء توقفهم لساعات على نقاط أمنية تابعة لقوات النظام وأخرى لمقاتلين موالين لإيران، من أجل التفتيش في ظل طقس بارد حينها. كما مرت الحافلات عبر نقطة روسية في المدينة.

وتعرضت سيارة إسعاف على الأقل أقلت جرحى في اليوم الثاني من عمليات الإجلاء لإطلاق رصاص.

الغوطة الشرقية

عانت الغوطة الشرقية التي شكّلت أبرز معقل للمعارضة قرب دمشق منذ عام 2012 من حصار محكم لسنوات فاقم مأساة نحو 400 ألف من سكانها.

بعد هجوم واسع بدأته قوات النظام السوري في 18 فبراير/شباط 2018 لاستعادة المنطقة، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 26 من الشهر ذاته بـ”هدنة إنسانية يومية”، لكن في اليوم الأول منها، قصف الطيران السوري والمدفعية المنطقة مجددا ما أوقع 7 قتلى.

ولم يتجرأ أي من السكان المحاصرين والمنهكين على الخروج في الأيام اللاحقة. إلا أنّه على وقع التقدّم العسكري وازدياد القصف الذي شاركت فيه روسيا وحال في 5 مارس/آذار دون استكمال توزيع أول قافلة مساعدات أدخلتها الأمم المتحدة، فرّ أكثر من 100 ألف شخص إلى مناطق سيطرة النظام، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان في حينه.

تهجير مقاتلين من المعارضة من الغوطة الشرقية
تهجير مقاتلين من المعارضة من الغوطة الشرقية خاصرة دمشق إثر اتفاقات مع روسيا (رويترز)

في 13 مارس/آذار، أجليت أول دفعة من السكان ضمت 150 مريضا وجريحا، رغم القصف. وإثر اتفاقات أبرمتها روسيا مع الفصائل الكبرى، بدأ في 22 من الشهر نفسه إجلاء مقاتلي المعارضة وعائلاتهم على مراحل حتى 11 أبريل/نيسان.

وتم إجلاء أكثر من 67 ألف مقاتل مع أفراد عائلاتهم إلى الشمال السوري، غالبيتهم إلى إدلب، بحسب المرصد. وأشرفت الشرطة العسكرية الروسية بشكل مباشر على عمليات الإجلاء. فانتشر عناصرها على مداخل الغوطة الشرقية، وتفقدوا قوائم أسماء جميع من صعد إلى الحافلات ورافقت آليات روسية الحافلات حتى خروجها من مناطق سيطرة النظام.

درعا

شنّت قوات النظام بدعم روسي، بدءا من 19 يونيو/حزيران 2018، عملية عسكرية واسعة النطاق في محافظة درعا التي كانت تعدّ مهد الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري، تسببّت بنزوح أكثر من 320 ألف مدني، وفق الأمم المتحدة.

في 6 يوليو/تموز، أبرمت روسيا وفصائل معارضة اتفاقا لوقف إطلاق النار سمح ببقاء مقاتلين مع أسلحتهم الخفيفة في المنطقة، في “استثناء” لم تحظ به أي محافظة أخرى. وتمّ بموجبه إجلاء مئات المقاتلين والمدنيين الرافضين للاتفاق إلى شمال سوريا.

بعد هدوء نسبي لنحو 3 سنوات، شهدت مدينة درعا في نهاية يوليو/تموز 2021، تصعيدا عسكريا دفع أكثر من 38 ألف شخص إلى النزوح خلال شهر تقريبا، وفق الأمم المتحدة.

وقادت روسيا مرة جديدة مفاوضات بين الطرفين أثمرت اتفاقا قاد إلى إجلاء عشرات المقاتلين المعارضين إلى شمال البلاد. وأعلنت دمشق بعدها دخول وحدات من الجيش إلى أحياء في المدينة.

انطلاقا من التجربة السورية، تشكّك باحثة سوريا لدى منظمة هيومن رايتس ووتش سارة كيالي في نجاح إستراتيجية الممرات الإنسانية. وتقول لوكالة الصحافة الفرنسية “هاجم تحالف القوات السورية-الروسية ومجموعات المعارضة الممرات. وفي بعض الحالات، وجد مدنيون استخدموها أنفسهم قيد التوقيف أو الإخفاء عوضا عن (بلوغ برّ) الأمان”.

Share.

رئيسة تحرير موقع شام بوست والمشرف العام عليه

Leave A Reply