الأحداث الدامية بدأت صبيحة 13 رمضان 255 هـ عندما استقدم الخليفة العباسي المهتدي بالله قوة من العسكر من بلاد خراسان والتي أساءت التعامل مع الأهالي، مما أدى إلى موجة غضب عارمة

شهدت بغداد في مثل هذه الأيام قبل 12 قرنا حركة عصيان على السلطة العباسية قام بها الأهالي وبعض الجند، إذ شهدت شوارع المدينة اشتباكات عنيفة أدت إلى اقتحام السجن المحصن وإطلاق سراح من فيه، كما تمرد الجنود على القادة، في واحدة من أخطر الفتن التي عاشتها عاصمة الخلافة العباسية.

وبدأت الأحداث الدامية في صبيحة 13 رمضان 255 هـ عندما استقدم الخليفة العباسي المهتدي بالله قوة من العسكر من بلاد خراسان والتي أساءت التعامل مع الأهالي، مما أدى إلى موجة غضب عارمة.

ممدوح أكد أن الصراع المتواصل داخل الخلافة العباسية أدى لفقدان الأمن وغلاء الأسعار (الجزيرة نت)

نقمة شعبية

ولا يمكن النظر إلى تلك الأحداث التي نشبت في عام 255 هـ وساحتها بغداد دون الوقوف عند ظروفها المحيطة بها، فالتحولات السياسية التي مرت على الخلافة العباسية آنذاك وفقدانها سلطاتها الحقيقية والمتغيرات المجتمعية التي جاءت انعكاسا للتردي السياسي والاقتصادي كانت عاملا أساسيا يقف وراء حدوث هذا العصيان الذي كان مرتبطا بما قبله، ومؤشرا لما بعده من تأثيرات وصلت إلى حدود ظهور حركات أكثر قوة وتنظيما وتأثيرا مثل حركة الزنج وغيرها، بحسب أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور عامر ممدوح.

وأشار ممدوح للجزيرة نت إلى أن الصراع المتواصل داخل الخلافة العباسية أدى إلى فقدان الأمن وغلاء الأسعار واضطراب الحياة، مما أدى لازدياد النقمة الشعبية على ما يجري، وهيأ الظروف للاشتعال متى ما وجدت العامل أو الحدث المحفز، وهو ما حصل في 13 رمضان 255 هـ.

ويشير إلى أنه على الرغم من أن الخليفة المهتدي بالله -الذي تولى الخلافة في هذا العام- كان حسن السيرة وراغبا في الإصلاح ومحمود الصفات كما يسجل المؤرخون فإن المرحلة التي حكم فيها كانت شديدة السوء، مما جعل عملية الإصلاح صعبة جدا.

وعن أوضاع بغداد تحت حكم ولاية سليمان بن عبد الله بن طاهر، يقول ممدوح إنها لم تكن منفصلة عن حالة الاضطراب السياسي التي كانت تعيشها الخلافة العباسية، وزاد عليها السياسات التي اتبعت وقتذاك من قبل الولاة.

ويلفت إلى أن تلك السنوات كانت مليئة بالأزمات، بدءا من محاولة ابن طاهر إجبار الناس على مبايعة المهتدي بالقوة، وتسبب ذلك في غضب الناس ومهاجمة داره، فلما وصلت الأنباء إلى المهتدي في سامراء طلب من الوالي عدم اللجوء إلى استخدام القوة لثني الناس عن رغبتهم، فما كان من الوالي إلا أن قام بتوزيع الأموال عليهم، فسكنت الفتنة وأقبل سكان بغداد على مبايعة المهتدي بالله، ثم تلتها أزمة العصيان.

الأعرجي: شهدت بغداد اضطرابات عديدة خلال حكم العباسيين بسبب تداخل مصالح القيادات التركية والفارسية - الجزيرة نت
الأعرجي: بغداد شهدت اضطرابات عدة خلال حكم العباسيين بفعل العناصر الغريبة والأجنبية (الجزيرة نت)

أسباب العصيان

بدروه، يؤكد الباحث في التاريخ الإسلامي كريم الأعرجي أن هذه الاضطرابات والفوضى وأعمال الشغب التي شهدتها بغداد العباسية حدثت بفعل العناصر الغريبة والأجنبية عن هذه المدينة.

وقال الأعرجي للجزيرة نت إن هذه الحادثة لم تكن الأولى ولا الأخيرة، بل إن بغداد شهدت الكثير من هذه الحوادث والاضطرابات في الفترات العباسية المختلفة، وذلك بسبب تداخل مصالح القيادات العسكرية التركية والفارسية في تلك المرحلة.

وأضاف أن قدوم أحد قادة الفرس -وهو محمد بن أوس البلخي إلى بغداد ومعه سليمان بن عبد الله بن طاهر ومعهما الصعاليك- أدى إلى اندلاع الصراع بسبب إساءتهم معاملة أهالي بغداد ومجاهرتهم بالفاحشة وتعرضهم للحرم والعبيد والغلمان بالقهر، مما أدى إلى حقد الناس عليهم، مشيرا إلى أن سليمان هو من ورثة طاهر بن الحسين القائد العسكري الفارسي المعروف في فترة الخليفة المأمون.

الجغيفي: قدم ابن طاهر إلى بغداد للحصول على الأموال لكنهم لم يكونوا مسجلين بديوان السلطان بالعراق - الجزيرة نت
الجغيفي: ابن طاهر قدم إلى بغداد للحصول على الأموال لكن جنوده لم يكونوا مسجلين في ديوان السلطان بالعراق (الجزيرة نت)

أموال الجند

من جانبه، يقول الدكتور مظهر عبد علي جاسم الجغيفي المتخصص بالتاريخ العباسي إن سبب قدوم ابن طاهر إلى بغداد هو الحصول على الأموال، لكن جنوده لم يكونوا مسجلين في ديوان السلطان بالعراق، إذ كان من المعتاد أن يأخذوا أرزاقهم بقدر أعطياتهم في خراسان من بيت مال الورثة الطاهرين، ثم يعوض الورثة من بيت المال، فتفاجأ سليمان بأن بيت مال الورثة خاوٍ من الأموال لقيام أخيه عبيد الله بإفراغه بعد سماعه بقدوم سليمان.

وأضاف الجغيفي في حديثه للجزيرة نت أن سليمان اضطر لإعطاء جنوده من أموال جند بغداد الذين طالبوه بعطائهم، ولا سيما بعد سماعهم أن ابن أوس استأثر بالأموال للجند الخراساني، فزاد غضبهم الذي اجتمع مع غضب العامة في بغداد من الجند الخراساني الذين أساؤوا في جوارهم وتعدوا على حرمات العامة، فتحرك العامة والجند فكسروا باب سجن باب الشام وأخرجوا السجناء، ومنهم أسرة مساور عبد الحميد الخارجي، فشعر العامة والخاصة بخطورة هذا الأمر فأعادوا بناء باب السجن.

وأشار إلى أنه بعد ذلك وقعت الحرب بين الخراسانيين والجند وأهالي بغداد، فعبر ابن أوس وأتباعه إلى الجزيرة مع أصحابه وأولاده، فصاح الناس بالعامة: من أراد النهب فليلحق بنا، فعبر 100 ألف من العامة، وأصيب ابنه الكبير بجراح خطيرة بعد خسارة الخراسانيين المعركة.

الدكتورة وفاء: حدث صراع عنيف داخل بغداد واجتمع 100 ألف شخص ونشب القتال بالنبال والرماح والسوط - الجزيرة نت
الدكتورة وفاء: الأحداث أحرجت الخليفة المهتدي بالله فأمر بنفي ابن أوس من بغداد (الجزيرة نت)

انتهاء التمرد

من جانبها، تقول الأكاديمية والباحثة في التاريخ الإسلامي الدكتورة وفاء عدنان حميد إن فتنة بغداد وقعت بين ابن أوس ومن تبعه من الشاكرية والجند من جهة وبين أهالي بغداد من جهة أخرى، مما أدى لنشوب صراع داخلي عنيف في بغداد، إذ اجتمع نحو 100 ألف من العامة وكان بين الناس قتال بالنبال والرماح والسوط، فقتل منهم الكثير.

وأشارت في حديثها للجزيرة نت إلى أن الأحداث انتهت بهزيمة ابن أوس وقيام العامة بنهب ما وجدت من أمواله التي قدرت بآلاف الدنانير وفق ما ذكرته الروايات.

وحول الإجراءات التي اتخذها الخليفة لتهدئة البغداديين، تذكر الدكتور وفاء أن هذه الأحداث أحرجت الخليفة المهتدي بالله، فأمر بنفي ابن أوس من بغداد وترحيله إلى خراسان ومعه المغنيات والقيان، وقد ساند البغداديون هذه الفكرة لأنهم لم يكونوا راضين عنه.

وأضافت أن الخليفة أمر بقتل السباع والنمور والكلاب في قصر الخلافة، وأمر بإغلاق الملاهي ورد المظالم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان الخليفة يحاول من خلال هذه الإجراءات تهدئة العامة وإرجاع الأمور إلى ما كانت عليه، خاصة بعد ثورة أهل بغداد ونهب الممتلكات العامة.

المصدر: وكالات

Share.

محرره صحفية من ريف حلب سوريا خريجة اعلام من جامعة دمشق 2016

Leave A Reply